كثر هم الكتاب الاسبان المنحدرون من أصول أجنبية وبالتحديد مغربية ، لكن قلة منهم يتبوءون مكانة متميزة في الادب الاسباني المعاصر. ولعل الكاتبة نجاة الهاشمي واحدة من هؤلاء الكتاب التي تمكنت من اختراق هذا العالم الذي من الصعب بمكان ولوجه بدون مؤهلات أدبية وثقافية صلبة وأصيلة. نجاة الهاشمي من مواليد عام 1979 بإقليم الناظور لكنها في عام 1987 انتقلت مع أسرتها للعيش في منطقة كاطالونيا شمال شرق إسبانيا ، حينذاك جاء والدها للعمل في إسبانيا. دخلت المدارس الأسبانية ، وفيها تمكنت من إتقان اللغتين الاسبانية والكاطالونية ، أتمت دراستها الثانوية ثم التحقت بالجامعة في قسم اللغة العربية حيث درست الفلسفة العربية، مما مكنها من التعرف جيدا على ثقافتين ، الثقافة العربية بكل ما فيها من ثراء فكري وإبداعي والثقافة والاسبانية رمز الحداثة والكونية ، وهذا ما جعلها قادرة على فرض شخصيتها الأدبية المتميزة في المجتمع الثقافي الأسباني . الكثير من النقاد الاسبان، يعتبرون أن نجاة الهاشمي أغنت الأدب الاسباني ، إذ فتحت له طريقا مغايرة وغير مألوفة ، كما يعتبرونها قيمة مضافة للثقافة الاسبانية بمختلف تجلياتها ، كما أنها تشكل تلك الجرأة العميقة التي منحتها لها ثقافتها المزدوجة . من أسباب نجاح نجاة الهاشمي ، كتب أحد النقاد في مقالة بصحيفة " لفانغورديا" بمناسبة حصولها على إحدى الجوائز القيمة سنة 2015 ، أنها تمكنت من بناء جسر بين حضارتين مختلفتين، جاعلة من الرواية أساس هذا الجسر، لكنها في الوقت نفسه لم تتنازل أبدا عن مصارحة المجتمعين بالحقيقة انطلاقا من مفهومها لقضايا الانتماء والهوية . كما تثير في داخل قارئها قضايا المسلمات القديمة المتمثلة في المواقف الفجة من الاخر ، والتي غالبا ما تكون نمطية لا تستحضر العنصر المكون للهوية. نجاة الهاشمي اسم يثبت نفسه على الساحة الأدبية في كاطالونيا أولا ثم في إسبانيا كلها، فقد فازت روايتها الأولى "أنا أيضا كاطالونية" التي كتبتها عام 2004، بجائزة الأدب الكاطالوني المرموقة. وحاولت من خلال هذه الرواية تحليل ظاهرة الفصام الذي تعيشه فتاة في كاطالونيا، تنتمي لأسرة مغربية الأصل، حيث تبرز مدى المواجهة بين أصولها المغربية وانتمائها الآني للمجتمع الكاطالوني ، كما تعالج في السياق ذاته قضايا المهاجرين إلى البلدان الأجنبية ومشكلة الاندماج وصعوبته. أما روايتها الثانية "البطريرك الأخير" التي كتبتها سنة 2008 فحصلت بدورها على جائزة "أوليس" ثم جائزة "رامون ليون" المرموقة جدا ، وقد أثارت هذه الرواية الكثير من الجدل بسبب معالجة موضوع سلطة الأب "المستبد" في المجتمع المغربي. أما روايتها "البنت الأجنبية" ، فقد صنفت على أنها من أكثر روايات نجاة الهاشمي نجاحا ، وهي الرواية الثالثة الحائزة على جائزة "سان خوان بي بي في أ" للأدب الكاطالوني، من ضمن خمسة وخمسين عملا تقدøمت لهذه الجائزة، وتم منحها الجائزة التي قدرها خمسة وثلاثين ألف أورو في احتفال كبير حضره سياسيون ومثقفون بمن فيهم رئيسة البرلمان الكطالوني نوريا دي جيسبرت في الولاية السابقة. وتعالج الكاتبة في هذه الرواية العلاقة المعقدة والمتوترة بين الأم وابنتها، وكيف هي هذه العلاقة في المجتمعات العربية. وتثبيتا لسلسلة نجاحات نجاة الهاشمي ، منحت في منتصف الشهر الماضي جائزة "مدينة برشلونة لعام 2016" إلى جانب عدد من الكتاب والجامعيين اعترافا بإبداعاتها ، ولكن كذلك لدورها المتميز في المجتمع الكاطالوني من خلال اشتغالها في عدد من الاوراش الثقافية لحساب بلدية برشلونة . * و م ع