لقد أصبح الكاتب اليوم مثل المناضل الذي يؤمن بقضيته لوحده، يتبعه في ذلك قراء معدودين ممن وجدوا شيئاً منهم مشتتا بين ثنايا الرواية والكتاب. إن دور الكاتب اليوم، أقصد الكاتب الحقيقي الذي يعيش من كتاباته بات مشابها تماما لدور “المقاومة” أيام الاستعمار عندما كانت توزع منشوراتها وبياناتها تدعو فيها إلى مقاومة الاحتلال. هنا يدعو الكاتب إلى مقاومة الجهل والأمية. هذا التشبيه قد يعتبره البعض مبالغا فيه، لكنها الحقيقة أمام هذا التراجع المستفحل لفعل القراءة في أوطاننا العربية حيث تصدر الكتب على مدار السنة ولا تهتم بها إلا فئة قليلة من المجتمع التي تؤمن بفعل القراءة على مكافحة الجهل والأمية، هذه الأخيرة التي لم تعد تعني فقط أولئك الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بل أصبحت تعني حتى أولئك الذين لا يقرؤون ولا يفكرون. والحقيقة الثانية المناقضة لكل هذا هي أن الروايات، بل وحتى كتب الفكر أضحت مجرد “أدوات تسلية” لا غير، قد ترفع من منسوب وعينا بذواتنا ومحيطنا أجل، لكنها لا تستطيع أن تغير من الواقع شيئاً، بل إنها لا تستطيع حتى أن تغير شيئاً أيضا من واقع الكاتب نفسه إن لم تكن كتاباته تحرض على السؤال والتفكير وتقترح الحلول وتشارك وجهات النظر المختلفة والفريدة. هذا ويظل إنتاج الكاتب محدودا حتى في جودته إن لم يكن متفرغا تماما للبحث والكتابة، ولولا الجوائز المالية التي تمنحها بعض المؤسسات بسخاء مثل جائزتي “البوكر” و”كتارا” وغيرهما لما أمكن لبعض الكتاب أن يتفرغوا للكتابة والإبداع. أذكر من بينهم على سبيل المثال الكاتب والروائي المصري “صنع الله إبراهيم” الذي أكد في حوار له على أن هذه الجوائز تحفز بالفعل الكاتب وتساعده على تحسين ظروف اشتغاله وتجعله يتفرغ للكتابة والإبداع كما تعتبر أيضا اعترافا بجهود الكاتب وجودة عمله، لكنها رغم ذلك تأتي متأخرة يكون الكاتب قد شارف فيها على نهايته. وعلى ذكر الجودة، هناك طبعا الغث والسمين وهذا أمر طبيعي فعندما تُسند الأمور لغير أهلها ويغيب التكوين المتخصص يفسُد كل شيء حتى بنية المجتمع نفسها ولا مفر بعد ذلك أن تطال الرداءة كي لا أقول الفساد حتى الأدب. وبغض النظر عن المواسم الثقافية أظن أن الكِتاب أو الرواية الناجحة هي من تتم مناقشتها على موائد الندوات الثقافية ومدرجات الجامعات في جميع البلدان العربية ويتم بعد ذلك ترجمتها إلى اللغات الأجنبية ونقدها بكثافة من طرف النقاد والقراء معا ويتم إعداد أطروحات وأبحاث بصددها لنيل شهادات الإجازة والدكتوراه وغيرهما… أما فيما عدا ذلك ورغم كل الجهود التي يبذلها الكاتب والناشر معا يبقى الكِتاب على جودته حبيس الرفوف لا يقوم بدروه المتمثل في تنوير العقول وإنضاج الأفكار ومشاركة التجارب واتخاذ العِبر لتحسين على الأقل أمزجتنا ونفسيتنا وتوسيع مداركنا ومنحنا رؤية مختلفة عن الحياة والمستقبل الذي نطمح إليه. قد تحقق “دار الآداب” العريقة والقليل من دور النشر الأخرى حلم الكُتاب هذا كونها دور نشر احترافية وتتوفر على قاعدة قراء تمتد على طول العالم العربي، لكن غياب النقاد وضعف التسويق والتوزيع وكذا محدودية دعم وزارة الثقافة للكِتاب ودُور النشر والجمعيات الثقافية يحد وبشكل كبير من توسيع قاعدة القراء وذلك بسبب غلاء أسعار الكتب مقارنة بالقدرة الشرائية في جل أوطاننا العربية للأسف. لكل هذا يمكننا أن نقول بأن القراءة أضحت ترفا نخبويا لا تقدر عليه إلا الفئة القليلة المترفة، وأصبح الترويج الوحيد للكتاب هي هذه المعارض السنوية تتلوها بعض المبادرات الثقافية المحتشمة لينتهي الموسم الثقافي وتطوى صفحته إلى غاية السنة المقبلة، بينما فعل القراءة والتشجيع عليها أمر في غاية الأهمية عليه أن يستمر على طول العام إذا ما أردنا تنشئة جيل واعي ومثقف، فاعل في المجتمع. وعلى ذكر المواسم الثقافية يعد المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء حدثا مهما يساهم بشكل كبير في الترويج للكتاب والتشجيع على فعل القراءة من خلال مختلف الندوات والليالي الشعرية واللقاءات الثقافية وحفلات التوقيع التي تنظمها وزارة الثقافة ودور النشر معا، كما يعمل على تقريب القراء من المؤلفين وإصداراتهم الجديدة، وهو بذلك يعد حدثا هاما للانفتاح على الآخر وعلى الإبداعات الأدبية العربية والأجنبية من خلال دور النشر المختلفة التي تشارك في المعرض. ومن أهم الإصدارات التي نالت إقبال أغلبية الزوار والمهتمين هذه السنة والتي تم اقتناؤها على رأس قائمة الكتب، نجد: – رواية “القاتل الأشقر” للكاتب “طارق بكاري”. – كتاب “تاريخ المغرب” للكاتب “دانييل ريفيه”. – رواية “الحاج ألمان غيوم الريف” للكاتب “ابراهيم أحمد عيسى”. – رواية “مقتل الكومنداتور” للكاتب “هاروكي موراكامي”. – كتاب “نظام التفاهة” للكاتب “آلان دونو” وترجمة “مشاعل عبد العزيز”. – رواية “متاهة الأرواح” للكاتب “كارلوس زافون”. – رواية “الملف 42” للكاتب “عبد المجيد سباطة”. – المجموعة القصصية “حين تغرب الشمس” للكاتب “فريد الخمال”.