هناء ضاكة: شكل إدماج قطاعي الطيران المدني والسياحة في إطار قطب وزاري واحد، خطوة مهمة لمواصلة تأهيل أقطاب المطارات، في انسجام مع الاستراتيجية السياحية للمملكة، وتطوير خطوط جوية ذات طابع سياحي في إطار رؤية مندمجة ومتكاملة للنقل الجوي والسياحي. ووعيا منه بأهمية قطاع الطيران المدني ودوره الرئيسي في الدفع بعجلة التنمية، جعل المغرب، الذي يحتفي إلى جانب باقي البلدان باليوم العالمي للطيران المدني (7 دجنبر)، من النقل الجوي أحد الركائز الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، لما له من دور أساسي في حركية الأشخاص، لا سيما من خلال مواكبة تنمية القطاع السياحي، وتحقيق الاندماج المجالي عبر فك العزلة عن المناطق النائية، وتهيئة التراب الوطني عبر المشاريع المطارية، علاوة على المساهمة في تدعيم القطاع الصناعي عبر إحداث وحدات مرتبطة بقطاع الطيران المدني. وفي سياق هذا التوجه ذي النظرة الاستشرافية، اعتمد المغرب، وفق معطيات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء من المديرية العامة للطيران المدني، خطة عمل تمت بلورتها انطلاقا من عدة دراسات وأبحاث ميدانية، ترمي إلى تحقيق تنمية مندمجة ومهيكلة لهذا القطاع في أفق سنة 2035؛ من خلال تأمين النقل الجوي الدولي ل 70 مليون مسافر مقابل 22,5 مليون سنة 2018، والنقل الجوي ل 182 ألف طن من البضائع مقابل 88 ألف و209 طن سنة 2018، فضلا عن الرفع من الطاقة الاستيعابية للمجال الجوي الوطني من 189 ألف و784 حركة تجارية سنة 2018 إلى 515 ألف سنة 2035.
وترتكز خطة العمل هذه حول محاور أساسية تتمثل في تدعيم حركة النقل الجوي بين المغرب ومطارات الدول الأجنبية، وتطوير النقل الجوي الداخلي للمسافرين وتطوير رواج البضائع عبر النقل الجوي، وتقوية سلامة وأمن النقل الجويين، وتحسين جودة خدمات النقل الجوي والمحافظة على البيئة، وإنجاز المخطط المديري للمطارات بهدف الرفع من الطاقة الاستيعابية للمطارات لمواكبة الهدف المحدد في مجال النقل الجوي للمسافرين.
كما تشمل محاور الخطة الرفع من الطاقة الاستيعابية للفضاء الجوي المغربي، مع تطوير نظام المراقبة الجوية الوطنية، وتطوير الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالمنشآت المطارية والمساهمة، إلى جانب المتدخلين الآخرين، في مواصلة تدعيم الصناعات المرتبطة بقطاع الطيران المدني وصيانة الطائرات، وتأهيل الموارد البشرية العاملة في القطاع وإحداث قطب للتكوين في ميدان الطيران المدني والنقل الجوي، دون إغفال تقوية الإطار القانوني المنظم للقطاع وتحسين الحكامة من خلال اعتماد إطار قانوني جديد سيمكن من تنظيم القطاع وفق المعايير العالمية، ولا سيما تلك المعتمدة من طرف المنظمة الدولية للطيران المدني.
ولأنه لا يمكن الحديث عن تطوير القطاع دون تسليط الضوء على محور التكوين، تؤكد المديرية، حسب ذات المعطيات، توجهها الرامي إلى تطوير التكوين الأساسي في مجال الطيران المدني من خلال تحديث وعصرنة أكاديمية محمد السادس للطيران المدني التي تسهر على تكوين المهندسين والمراقبين الجويين، وتدعيم مركز التكوين المستمر في مجال الأمن الجوي المعتمد من طرف المنظمة الدولية للطيران المدني بهذه الأكاديمية، فضلا عن التكوين المستمر لأطر وموظفي الطيران المدني وفق معايير المنظمة الدولية للطيران المدني.
غير أن الإكراه الأساسي لرفع تحدي عصرنة وتطوير القطاع وفق المعايير الدولية يبقى، حسب المعطيات ذاتها، وكما هو الحال بالنسبة لجل الدول بما فيها المتقدمة، مرتبطا بتعبئة موارد بشرية بالعدد الكافي وذات الكفاءة الجيدة.
وعلى مستوى جودة الخدمات، فإن المديرية العامة للطيران المدني عملت على وضع أسس تنظيمية وإدارية لتحقيق الجودة في خدماتها، وهي التي حصلت سنة 2018 على شهادة الجودة “ISO 9001” نسخة 2015 كاعتراف بجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين والمبنية على مساطر شفافة تتوخى من خلالها النجاعة في الأداء.
ولتحقيق أقصى مستويات الأمن والسلامة الجويين، تراقب المديرية بانتظام الطائرات المغربية والطائرات الأجنبية التي تستعمل مطارا مغربيا والمستغلين للتأكد من مدى مطابقة قواعد السلامة الخاصة بالطيران المدني والمنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والثنائية.
وحسب أحدث المعطيات، قامت مصالح هذه المديرية، خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2019 ، ب 262 عملية مراقبة للطائرات و10 عمليات مراقبة لشركات النقل العام و28 عملية مراقبة لشركات صيانة الطائرات بالمغرب والخارج.
هذه الدينامية تم تسجيلها، أيضا، على مستوى حركة النقل الجوي، وذلك بفضل تحرير القطاع منذ سنة 2004، لاسيما من خلال توقيع المغرب على اتفاق الأجواء المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي نهاية سنة 2006 والتوقيع على اتفاقيات جوية ثنائية أكثر تحررا مع دول عربية وإفريقية، وأسيوية وأمريكية.
وبالفعل، فقد تم تسجيل ارتفاع سنوي متوسط يقدر بحوالي 6,7 بالمئة، إذ ارتفع عدد المسافرين من 10,4 مليون مسافر سنة 2006 إلى 22,5 مليون مسافر سنة 2018؛ ودخول العديد من الشركات الأجنبية الأجواء المغربية حيث تجاوز عددها 50 شركة تقدم رحلات منتظمة نحو المغرب، من بينها 19 شركة للطيران منخفضة التكلفة، وتموقع مطار محمد الخامس كمحور دولي وجهوي، حيث يؤمن هذا المطار رحلات جوية مع حوالي 97 مطارا دوليا و54 دولة في أربع قارات.
ومن جهتها، واصلت شركة الخطوط الملكية المغربية تعزيز أسطولها الجوي الذي يتكون حاليا من 61 طائرة لتمكينها من تعزيز تواجدها بأهم الخطوط الجوية الدولية، لا سيما بالقارة الإفريقية، حيث أن الشركة تؤمن النقل الجوي نحو أزيد من 100 وجهة عبر العالم.
وبالنسبة للنقل الجوي الداخلي، فقد تم منذ سنة 2013 إبرام مجموعة من الاتفاقيات مع الجهات مكنت من استغلال مجموعة من الخطوط الجوية الداخلية، لا سيما عبر محور الدارالبيضاء، بأثمنة مدعمة بمستوى مقبول لعدد الرحلات وأسعار مقبولة للمسافرين، بواسطة شركة الخطوط الملكية المغربية والشركة المغربية “العربية للطيران المغرب”، ما أدى إلى ارتفاع حركة النقل الجوي الداخلي خلال الفترة 2012-2018 بعدما سجلت ركودا منذ سنة 2008، حيث ارتفع عدد المسافرين من 1,3 مليون مسافر سنة 2012 إلى حوالي 2,45 مليون مسافر سنة 2018 وذلك بمعدل 10.77 بالمائة.
وتكريسا لهذا التوجه الطموح، وبعد عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، تم الشروع في اتخاذ الإجراءات الضرورية لانضمام المملكة المغربية للسوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي في إطار تنفيذ آليات قرار “ياموسوكرو” المتعلق بتحرير النقل الجوي بين دول الاتحاد الإفريقي، ويعتبر المغرب اليوم عضوا في السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي.
ويتم العمل حاليا على تنفيذ المساطر التقنية والقانونية الضرورية لتنفيذ مقتضيات قرار “ياموسوكرو”، الأمر الذي سيتيح توسيع الربط الجوي بين المغرب ودول الاتحاد الإفريقي، وذلك عبر توفير رحلات جوية بين المغرب ودول الاتحاد التي صادقت على القرار، دون قيود من حيث حقوق النقل أو السعة أو عدد الرحلات.
وفي ما يتعلق بالمطارات، فقد تمت مباشرة برنامج استثماري هام للرفع من الطاقة الاستيعابية للبنيات التحتية المطارية وذلك وفق مقتضيات المخطط المديري للمطارات، الذي يرمي إلى بناء محطات جوية جديدة وتوسيع وصيانة مختلف المنشآت المطارية لتواكب النمو المرتقب لحركة النقل الجوي، حيث يتوفر المغرب حاليا على شبكة من المطارات تتكون من 26 منشأة، منها 19 مطارا دوليا، بطاقة استيعابية تصل إلى 40 مليون مسافر.
وقد تعززت هذه الشبكة، بالخصوص، بتدشين المحطة الجوية الجديدة لمطار مراكش المنارة خلال سنة 2016، التي رفعت طاقته الاستيعابية السنوية إلى 9 مليون مسافر، وكذلك المحطة الجوية الجديدة لمطار فاس سايس في سنة 2017 ، التي رفعت طاقته الاستيعابية السنوية إلى 2,5 مليون مسافر، فضلا عن تدشين جلالة الملك محمد السادس في يناير 2019 استغلال المحطة الجوية الأولى الجديدة لمطار محمد الخامس.