– المختار الخمليشي: والساعة تدنو نحو الخامسة صباحا، تهب نسمة هواء باردة، جعلت "هناء"، تنكمش داخل سترتها السميكة أكثر وتحكم وضع يديها في جيبيها في محاولة لاتقاء المزيد من لسعات البرد القارص في هذه الساعة المبكرة من الصباح، التي تتزامن مع موعد وصول حافلة نقل العمال إلى المنطقة الصناعية "اجزناية"، حيث تشتغل "هناء" في إحدى الوحدات الصناعية هناك. هناء، هي جزء من مشهد يتكرر بشكل يومي في نقاط عديدة بطنجة في ساعات مبكرة من الصباح، شخصياته عمال وعاملات، يضطرون للوقوف على جنبات الطريق في انتظار وصول الحافلة التي تقلهم إلى مقرات عملهم. "الله أعلم بما يمكن أن يحصل خلال فترة الانتظار في تلك الساعة المبكرة"، هكذا تختصر "هناء" تعبيرها عن المخاوف التي تعيشها كلما خرجت من منزلها في ساعة مبكرة من الصباح، نحو محطة مرور الحافلة. وتصف هذه الشابة المتحدرة من مدينة القصر الكبير، خروجها الصباحي نحو المحطة، بأنها "مغامرة حقيقية"، في إشارة إلى أن هذه الساعة المبكرة من اليوم، تعتبر فترة ذروة نشاط قطاع الطرق، الذين يتربصون بالعمال المتوجهين نحو مقرات عملهم، حيث تشكل الإناث الهدف المفضل لهؤلاء المنحرفين. وبنفس القلق، يحكي كريم، عن "مغامرة" توجهه إلى عمله في الصباح الباكر، فهذا الشاب المتزوج والأب لطفل لم يتجاوز سنته الأولى، يضطر إلى التواجد بنقطة وقوف حافلة نقل العمال، في المجمع السكني الذي يقطنه بمنطقة "ظهر القنفوذ" في مقاطعة بني مكادة، لافتا إلى أن الحي بالرغم من كثافته السكانية المتزايدة، لا يزال يفتقر إلى التغطية الأمنية اللازمة، ما يجعله مرتعا لنشاط المجرمين والمنحرفين. وبنبرة حزن، يستحضر كريم، حادثة مقتل أحد زملائه الذي كان يشتغل معه في إحدى الوحدات الصناعية على يد اثنين من قطاع الطرق، بحي "كورزيانة" القريب، في شهر غشت الماضي، عندما كان الضحية متوجها رفقة زوجته الحامل إلى مقر عملهما في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام. "تلك الحادثة شكلت صدمة قوية للجميع وجعلتني متوجسا كلما تجاوزت عتبة بيتي"، يصف العامل الشاب مخاوفه التي ترافق "مغامرة" توجهه للعمل. وتمثل مخاوف "هناء" و "كريم"، جزء من مشاعر مماثلة تعتري آلاف العمال والعاملات، الذين يتلقفون بين الفينة والأخرى، أخبارا تتحدث عن تعرض زملاء لهم إلى اعتداءات من طرف اللصوص المسلحين، مثلما حدث الأسبوع الماضي بحي "بني مكادة القديمة"، عندما اعترض ثلاثة منحرفين زوجين شابين، كانا في طريقهما إلى مقر عملهما، وهي الجريمة التي وثقتها كاميرا مراقبة في أحد المحلات التجارية، ما عجل بتحرك أمني أفضى إلى توقيف المتورطين خلال عمليتين متفرقتين. معاناة الهاجس الأمني، التي تؤرق مستخدمي ومستخدمات الوحدات الصناعية بطنجة، ينضاف إليها تحملهم لظروف العمل القاسية التي يضطرون إلى تحملها باستمرار، حيث يؤكد العديد من العاملين في مختلف هذه المشاريع الاقتصادية، أن مسؤولي الشركات المسيرة لهذه الوحدات الصناعية، يفترضون أن العمال والعاملات عبارة عن "ربوهات" مسخرة للانتاج، دون مراعاة الطبيعة البشرية أو الهوية البيولوجية الخاصة بالنسبة للعاملات. مختلف الإكراهات التي يشتكي منها العمال والعاملات في طنجة، نادرا ما تمر بسلام من حيث انعكاساتها على الصحة النفسية، حيث تشير نتائج دراسة قام بها معهد متخصص، أن 70 في المائة، من مستخدمي المناطق الصناعية بجهة طنجةتطوان، يعانون حالة إجهاد مستمرة، نتيجة ظروف العمل داخل مختلف المنشآت الصناعية في الجهة. ووفقا للدراسة التي أنجزها معهد "IRH Integrale" ، وشملت عينة مكونة من 500 عامل وعاملة، فإن استمرار ظروف العمل على النحو السائد في المناطق الصناعية، يجعل المستخدمين والأجراء، عرضة لمختلف المشاكل الصحية، مثل ارتفاع ضغط الدم، و مشاكل في القلب و الأوعية الدموية، والصداع و الأرق، بالإضافة إلى مجموعة من لاضطرابات المختلفة و القلق و التوتر. وسجل المعهد، كون المنطفة الصناعية "المجد"، الواقعة بمقاطعة بني مكادة، تسجل أعلى معدل من الإجهاد، حيث أن 94 بالمائة من العمال يعانون من الإجهاد و الضغط في العمل، تبعا للدراسة التي شملت أيضا كل من المنطقة الصناعية الحرة TFZ جزناية، والمنطقة الصناعية المغوغة، والميناء المتوسطي TANGER MED، و شركة رونو نيسان طنجة، والمنطقة الصناعية بتطوان. وأظهرت الدراسة، أن 75 في المائة من حالات الإجهاد، تقابلها 31 في المائة من نسبة الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى خلافات مع المشرفين على العمل في مختلف الشركات، محيلة إلى أن تزايد حالات الإجهاد في صفوف الأجراء، من شأنه أن ينعكس بعواقب وخيمة سواء على الشركة أو الاقتصاد بصفة عامة.