إذا كان رسم الجداريات ضمن الموسم الثقافي الدولي لأصيلة، المدينة ذات الصيت العالمي، قد أصبح تقليدا سنويا، فإن تفرد كل دورة وكل لوحة جدارية جعل من المدينة ذات نفس متجدد، دون أن تتخل عن روحها كمدينة حاضنة للفن وبؤرة للثقافة وحسن الضيافة. قبيل انطلاق الدورة الواحدة والأربعين للموسم الثقافي، المرتقبة اليوم الجمعة والمتواصلة إلى غاية 12 يوليوز، انكب 15 فنانا تشكيليا من الغرب ومن فرنسا، كل تبعا لأسلوبه وتقنياته ومدرسته، على تجميل الأسوار البيضاء لهذه المدينة الوديعة على ضفاف الأطلسي. ولم يخف عبد الرحيم حمزة، خطاط منحدر من مراكش يزاوج بين الكتابة والرسم على الجدران، سعادته الغامرة بالمشاركة في موسم أصيلة، معتبرا أن هذه المشاركة فأل حسن لكون الموسم ينطلق في اليوم ذاته الذي سيحتفل به بعيد ميلاده. وأسر هذا الفنان العصامي، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية، التي صارت ذات صيت دولي بارز، “كانت حلما، بل هو حلم العديد من الفنانين”. وبعد تحقق الحلم يعمل عبد الرحيم حمزة على رسم جدارية مستوحاة من فن الخط بشارع ابن خلدون، وهي لوحة تسائل كونية الفن. وأوضح أنه “يركز في هذه الجدارية على الجانب الجمالي أكثر من الرسالة الادبية المكتوبة”، مبرزا أن فكرة هذه اللوحة، التي ستضم الحروف الأبجدية لعدد من لغات العالم، راودته خلال زيارته للهند العام الماضي، ويروم من خلالها الاحتفاء بالتعايش. بعد أن تخصص بداية في فن الخط العربي، اختار هذا الخطاط، ذو التكوين الاقتصادي قبل أن يجنح به عشقه الطفولي للفنون، اختار الانفتاح على لغات أخرى “أغنت المشهد المغربي”. وقال لقد اتجهت أثر ذلك إلى الفن التشكيلي وخاصة التجريدي باستعمال تقنيات فن الخط، معتبرا أنه يمكن ا أان نطلق عليه “فنا عصريا يمنح الكثير من الحرية للفنان، ويسمح له بالنهل من الأدب، سواء كان عربيا أو لاتينيا أو أمازيغيا او عبريا أو يونانيا أو غيره”. بزقاق سيدي الطيب، تداعب الرسامة الفرنسية المتخصصة في التقنيات التقليدية، ساندرين لورينزو، أحد الأسوار بإسفنجة لتترك عليها أشكال هائمة، قبل أن تتضح اللوحة النهائية لتكشف عن وجه امرأة أمازيغية. وقالت الفنانة أن اللوحة “تكريم للثقافة المغربية”. وأعربت هذه الفنانة المنحدرة من جنوب شرق فرنسا والمتخصصة في الاشتغال على التراث المتوسطي خاصة في مجال ترميم اللوحات الجدارية، عن “سعادتها للاشتغال لأول مرة على تراث المغرب، الثقافة التي أعتز بها وأعتزم التعرف عنها عن قرب بعد الموسم”. في بعض الأزقة في قلب المدينة العتيقة لأصيلة، قبالة مسجد ابن عباد، يواصل فرنسي آخر، ستيفان أونير، المعروف بالاسم الفني كوسموس، العمل على بعض الأشكال الهندسية التي يصوغها خياله بالاعتماد على التجريد والكتابة. وأبرز هذا الفنان الشاب، المتأثر بالمدرسة الأمريكية خاصة بجاكسون بولوك، أنه “جاء للفن من باب الكتابة على الجدران (غرافيتي)، حيث يرسم ويكتب قبل دمج كافة العناصر في لوحة تجريدية بديعة”. وتتكون الجدارية التي يشتغل عليها تكرارا لا متناهيا لكلمة “كوسموس”، معتبرا أن الامر يشبه إلى حد ما الهوس بهذه الكلمة في محاولة لنشر الطاقة الايجابية. ويعتبر كوسموس، الذي لم يخف فرحه بالمشاركة في تظاهرة للجداريات بالمغرب، من بين أهم الفنانين الفرنسيين المتخصصين في فنون الشارع التي ما فتئت تجتذب مزيدا من الفانين والجمهور. وانطلقت مسيرته المهنية عام 1987 كرسام جداريات (غرافيتي) في الميترو قبل الانتقال إلى عالم الفن الرحب.