المصلحة العامة هي المصلحة المشتركة بين كل فئات ساكنة طنجة ، وهي المصلحة المناقضة لكل ما هو خاص ، ذلك أن الناس تختلف مصالحهم الخاصة وتتناقض وتتباين ، ويحكمها قانون عبر عنه الشاعر العربي بقوله : " فوائد قوم عند قوم مصائب " وهو قانون يجعل المصالح الخاصة ينقض بعضها بعضا ، ولا سبيل للتوفيق بينها إلا عن طريق مصالح عامة تحتوي اختلافها وتناقضها وبتحقيق المصلحة العامة تزول أو تعدل المصالح الخاصة ، وبدون ذلك يستحيل تحقق المصلحة العامة . والمصلحة العامة بعروس الشمال تتعرض للتدمير بأشكال مختلفة ويكون سبب ذلك محاولة البعض تغليب المصالح الخاصة أو الشخصية على الصالح العام.
ومن أساليب تدمير المصلحة العامة بطنجة ما يعرف بالمحسوبية أو الزبونية وبالدارجة المغربية باك صاحبي وهي عبارة عن تمكين من لا يستحق من مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة .
ومعلوم أن الصالح العام له دواليبه التي لا يمكن أن تتعطل.. إلا أن المحسوبية والزبونية بطنجة تعرقل هذه الدواليب عندما تمكن من لا يستحق من التسلل إليها ليعمل عكس سير هذه الدواليب المحركة لعجلة الصالح العام الضخمة .
فقطاع الجماعة الحضرية في طنجة العالية يعرف اليوم التأخر أو التعطيل أو حتى الشلل التام و سبب ذلك وجود (عمدة ونواب) آل إليهم الأمر عن طريق المحسوبية أو الزبونية وهم في الحقيقة غير مؤهلين بتاتا لتحمل المسؤولية ، وإنما وصلوا إليها بطريق غير مشروع إما برشوة مادية أو بجاه سواء كان جاه قرابة أو جاه حزب أو طائفة ... أو حتى بعرض مباح أحيانا .
و (العمدة ونوابه) الواصلون إلى المسؤولية والتي تفوق كفاءتهم وقدرتهم عن طريق المحسوبية والزبونية نراهم اليوم دائمين التبجح بالكفاءة والأهلية لأنهم يقرون في قرارة نفسهم أنهم حصلوا على مسؤولية ليسوا أهلا لها ، وهم يعلمون علم اليقين أن الرأي العام يستنكر حصولهم على هذه المسؤولية ، تماما كما أنهم هم نفسهم غير مقتنعين بأهليتهم لتبوأ هذه المسؤولية ، ومع ذلك يعطلون ضميرهم ، ويحاولون جهدهم وباستمرار إقناع الرأي العام بأنهم في مكانهم المستحق بطرق شتى أشهرها إلى درجة الابتذال وسائل الإشهار المختلفة حيث يعتمدون على بعض الجرائد وعلى شرذمة من الوصوليين والانتهازيين من أصحاب المصالح الخاصة أمثالهم ليقوموا بدور الدعاية الرخيصة لهم ، وتمجيدهم كذبا وزورا وهم الذين سماهم المصلح عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله المتمجدين الذين يصنعون الاستبداد .
وهؤلاء الوصوليون والانتهازيون (العمدة ونوابه) يحولون الفشل الواضح الفاضح لمسؤول الزبونية والمحسوبية بنفاقهم إلى منجزات فهم لا يقرؤون النسب المئوية الخاصة بالفشل والتعثرات ، ويكتفون بقراءة نسب النجاح الضيئلة قراءة نفخ وتضخيم ولا تنطلي حيل قراءتهم المغرضة إلا على السذج والعوام .
ومن المخزي بالنسبة لهم أن الرأي العام يعرف جيدا كيف صاروا مسؤولين ، وفيهم من يسخر الناس من مقايضته المسؤولية حتى بعرضه وشرفه ، ومع ذلك يقبل تجرع مرارة الهوان والذل من أجل الاحتفاظ بمنصب المهانة اليومية واللعنة الأبدية .
فإذا كان أحرار الناس وشرفاؤهم بطنجة يبذلون الأنفس والأرواح ثمنا مقابلا للكرامة ، فإن أراذل الناس يدفعون كرامتهم ثمنا لمناصب تافهة ، وكل همهم أن يقول عنهم الرعاع والسوقة إنهم صاروا مسؤولين ، لأن الرعاع والسوقة لا يبالون بثمن المسؤولية الباهظ الذي يدفعه طلابها من أعراضهم ومياه وجوههم.
ومشكلة (العمدة ونوابه ) المحسوبية والزبونية بالإضافة أن أداءهم ضعيف ، ومثير للسخرية إن لم نقل للشفقة ، وهو أداء عبارة عن لعنة تلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا . والمؤسف حقا أن يسخر منهم الساخرون بالتلميح والتصريح أحيانا ، وهم يعلمون ولكنهم هانوا فسهل عليهم الهوان .