تعتبر الحكومة مؤسسة دستورية قائمة بذاتها خصص لها الدستور المغربي لسنة 2011 الباب الخامس منه و اسند لها حزمة من الاختصاصات و المهام لتدبير الشأن العام. و بطبيعة الحال ̧ و كما هو معمول به لدى الدول الديمقراطية̨ فالمؤسسة التنفيذية خاضعة لرقابة المؤسسة التشريعية˛ لذا نجد الفصل 100(الفقرة الثالثة) من الدستور المغربي ينص على ما يلي ∶ " تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة و تخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر˛ و تقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة ". و على هذا الأساس ˛و منذ أن تولت الحكومة الملتحية زمام تدبير الشأن العام مطلع ستة 2012 يمثل رئيسها أمام البرلمان بمجلسيه للإجابة عن أسئلة ممثلي الأمة. إلا انه و مما يثير الاستغراب بشكل كبير هو أن السيد رئيس الحكومة يأتي للبرلمان ليس للإجابة عن أسئلة البرلمانيين كما يلزمه الدستور بل لتصفية حساباته السياسية مع المعارضة التي يتهمها بالفساد و سعيها الدائم للإطاحة بحكومته. واللافت للانتباه أيضا˛ أن السيد رئيس الحكومة و في معرض حديثه تحت قبة البرلمان لم يعد يقتصر على الصراخ والهيللة باعتباره ظاهرة كلامية متميزة اجتاحت المغرب منذ اندلاع ثورات الربيع العربي سنة2011 بل أضحى يتهم فرق المعارضة بالبرلمان باستخدام خطاب السفاهة لمواجهته و نسي نفسه عندما تلفظ بعبارات لها مغزى غير أخلاقي ومنافي للآداب العامة داخل مجلس النواب كجواب على سؤال لنائبة برلمانية. هذا و لم يعد يقتصر السيد رئيس الحكومة على استخدام خطاب السفاهة داخل البرلمان فقط˛ بل تعداه أيضا ليعيد استخدامه في خرجاته الإعلامية التي كان يحاول من خلالها تفسير العبارات التي تلفظ بها داخل البرلمان و أن نيته كانت حسنة و بالتالي فالسفهاء هم من يتعمدون تضليل الرأي العام بتشويه خطاب رئيس الحكومة˛ إلا أن هذا الأخير نسي انه يدافع عن خطابه السليم و الأخلاقي بلغة السفاهة ?!!!. إن أزمة الخطاب السياسي التي يشهدها الحقل السياسي بالمغرب هي وليدة القرارات اللاشعبية التي اتخذتها الحكومة بعد أن كانت الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي قد قدمت وعودا معسولة لتحسين مستوى عيش المواطن المغربي ˛ وهو ما لم يحدث إذ لم يلامس الشعب المغربي سوى ارتفاعا للأسعار وزيادة في فواتير استهلاك الماء و الكهرباء و مواجهة الأطر العليا المعطلة بالعصا بدل أسلوب الحوار ...... مما يعكس تنصلا واضحا عن الوعود الانتخابية التي قدمتها الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي. فخطاب السفاهة الذي استخدمه السيد بنكيران و يتهم به خصومه السياسيين يهدف من ورائه إلى التغطية عن فشله في تدبير الشأن العام و الاستجابة لمتطلبات العيش الكريم. ومن جهة أخرى ̨ و مما لاشك فيه أن المواطن المغربي كان ينتظر تقرير النيابة العامة عن الفاجعة التي أودت بحياة 34 طفلا بضواحي طانطان و التي خلفت أثرا عميقا في نفوس الأسر المكلومة و كذلك في نفوس المغاربة حيث لم نرى أي مسؤول حكومي يشارك في تشييع جثامين الأطفال الضحايا˛ فحسب تصريحات بعض أقارب الضحايا فتقرير النيابة العامة لم يشير إلى كل الحقيقة حيث لم يذكر اسم مالك الشاحنة و حمل المسؤولية للسائقين المتوفيين و كفى الله المومنين شر القتال̨ مما يذكرنا بحادثة السيد عبد الله باها التي خلص تقرير النيابة العامة بشأنها إلى أن الحادث : "عادي" مما جعل السيد بنكيران نفسه يشكك في صحة التقرير و ذلك بعد تصريحاته في مهرجاناته الخطابية أمام أنصاره. إذا̨ كيف يعقل أن يحارب السيد رئيس الحكومة الفساد و الاستبداد في ظل تشكيكه في تقرير النيابة العامة التي يرأسها وزيره في العدل ?!!!. اعتقد أن لجوء السيد بنكيران إلى استعمال مصطلحات السفاهة يأتي بغرض توجيه أنظار الرأي العام عن تقرير فاجعة طانطان وأيضا لإخفاقه في تنفيذ و عوده الانتخابية و ذلك بخلق نوع من البلبلة و الصراخ و الضحك الهستيري الاستفزازي داخل المؤسسة التشريعية مما يحول جلسته الشهرية أمام نواب الأمة إلى عرض مسرحي. هذا و لم يكن السيد رئيس الحكومة أول من تفوه بعبارات السفاهة ̨ بل سبقه إلى ذلك زميله السيد ألوفا وزير الحكامة و ذلك في معرض إجاباته عن أسئلة البرلمانيين ̨ و كما هو معلوم أن الحكامة تعني أسلوبا جديدا في التسيير و التدبير يقوم على سيادة القانون و الشفافية و المحاسبة .......إلا أن الوزير المعني بالقطاع يحاول إضافة عبارات السفاهة إلى القاموس المخصص للحكامة مما قد يشكل إضافة نوعية للعمل الحكومي وأيضا حسنة تحسب للحكومة الملتحية أمام المؤسسات الدولية التي كان لها السبق في وضع تعريف للحكامة. يرجع صراخ السيد رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان إلى اعتقاده و يقينه انه إنسان صالح لا يأتيه الباطل من بين أيديه أو من خلفه وانه إنسان محصن ضد أي شعرة فساد يمكن أن تسقط على جسمه و كأنه ملاك منزل من عند الله جلا و علا̨ و بالتالي فهل يعقل أن تستخدم الملائكة عبارات السفاهة في تواصلها مع عباد الله !!!?. "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"