- المختار الخمليشي: يجري الثور هائجا نحو الماتادور، الذي يلوح بمنديل أحمر يغطي به وجه هذا الحيوان في واحدة من محاولات منعه للوصول إليه، يتكرر نفس المشهد مرات عديدة أمام أنظار المئات من أفراد جمهورغفير تتعالى أصواتهم تحية لهذا الماتادور الشجاع، الذي ينجح أخيرا بضربة من سيفه في إسقاط هذا الثور الهائج فيرديه قتيلا، وسط تصفيقات صاخبة بالمدرجات. قبل أزيد من خمسين سنة، ظل هذا المشهد مألوفا وسط حلبة واسعة، كانت توجد حينئذ في أطراف مدينة طنجة، قبل أن تصبح اليوم في قلب المدينة، بفعل التوسع العمراني. في تلك الفترة، كانت أنظار الأوروبين وغيرهم من سكان العالم كثيرا ما تتجه صوب طنجة، ليس لأنها كانت منطقة دولية فحسب، ولكن لأن هذه هذه الحلبة كانت الوحيدة من نوعها في إفريقيا، وكانت مسرحا لمبارايات عالمية في رياضة مصارعة الثيران، خاضها أبطال عالميون أمثال مانويل بينيتز بيريز، الذي كان يقدم عروضه أيضا يقدم في حلبة مدينة قرطبة الإسبانية. وما زالت "حلبة الثيران"، الموجودة اليوم وسط ساحة عمومية حاملة نفس الاسم "ساحة الثيران"، شاهدة على واحدة من أزهى فترات طنجة الدولية، بكل ما حملته من تنوع ثقافي وحضاري، قبل أن يتم إغلاقها رسميا سنة 1971، من طرف السلطات المغربية، بدعوى حرمة ممارسة هذه اللعبة في الدين الإسلامي. عشرون سنة، هي الفترة التي كانت خلالها هذه الحلبة، تحظى بشهرة كبيرة في مختلف أرجاء العالم، ردد خلالها الآلاف صيحات تشجيع للماتادور، بعد أن أسقط الثور تلو الآخر. إلا انه بعد انقضاء هذه المدة، جاء الدور على عملية إسقاط هذه المعلمة، التي صارت في طي النسيان، ، بعد أن تطاولت عليها الأيادي دون أي التفات من الجهات المعنية بالمآثر التاريخية، لتدخل حلبة المصارعة إلى مقارعة الزمن والإهمال، وتتهاوى بطعنات "ماتادور" النسيان المتلاعب بمنديل التسويف نحو مرحلة ما قبل القتل. هاجس الضربة القاضية على حلبة الثيران في طنجة، يخيم بشدة في أوساط الفعاليات الجمعوية بالمدينة، التي سبق لها أن استغربت من استثناء هذه المعلمة، من لائحة المعالم الأثرية تضمنها برنامج لإعادة الإعتبار للموروث التاريخي، في إطار مشروع طنجة الكبرى، لا سيما أمام الصمت المطبق من طرف الجهات المسؤولة عن موضوع هذه المعلمة. ويتساءل فاعل جمعوي في مدينة طنجة، عن الدافع الحقيقي، لاستبعاد "حلبة الثيران" من هذا المخطط المندمج، "هل في الأمر نزولا عند رغبة وحوش العقار الذين يسيل ليجعلو من مساحة هذه الحلبة عبارة عن كتل إسمنتية تنضاف إلى البنايات الشاهقة المحيطة". ويضيف الناشط الجمعوي، " يا حبذا لو يتم إعادة إحياء هذه الحلبة، ليس بالضرورة من أجل رياضة مصارعة التراث، وإنما لفائدة الأنشطة الثقافية والفنية، التي يمكن لهذا الفضاء أن يأويها في ظل افتقار المدينة للنية الثقافية الضرورية". وتقع حلبة الثيران بطنجة، فوق وعاء عقاري مساحته 21.540 متر مربع، ويضم أكثر من 11 ألف مقعد. وقد كلف بناؤها الذي انطلق خلال سنوات الأربعينات من القرن الماضي، ما يناهز 12 مليون "بسبطة" (العملة الإسبانية قبل اعتماد الأورو). ويسجل التاريخ، أن افتتاح حلبة الثيران في 27 غشت 1950، كان يوما استثنائيا في طنجة، بسبب توافد الآلاف على المدينة من مختلف مناطق العالم. حيث تشكلت طوابير طويلة، انطلاقا من وسط المدينة (ساحة 9 أبريل حاليا)، إلى حدود أبواب الحلبة.