انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و"طرد البوليساريو".. مسارات وتعقيدات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    هاريس وترامب يراهنان على المترددين    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    الشرطة توقف مروج كوكايين في طنجة    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة        وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تاريخ أدب السجون أو ملائكة الجحيم


[ من تاريخ أدب السجون أو ملائكة الجحيم]
أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر نعم أنا مشتاق و عندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر إذا الليل أضناني بسطت يدي للهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر الأدب فضاء للحرية والانعتاق والانفتاح، وتكسير لجدار الصمت وخلخلة للطابوهات.لذلك، فهو يأبى القيود والأصفاد والأغلال.انه عشق مستمر للحياة وتمجيد لها رغم المعاناة النفسية المصاحبة له، مما يمنحه وهجه وتألقه وبريقه.غير أن السجن مصادرة لأبسط حقوق المبدع المتمثلة أساسا في تمتعه بمشترطات هويته وكينونته وكيانه باعتباره منتجا للأفكار،مولدا للتصورات، مدافعا عن قيم العدالة الاجتماعية ،منافحا عن حسن تدبير ثقافة الاختلاف في إطار الصراع التاريخي بين الضحية والجلاد(أو الجلادين بصيغة الجمع).ولذلك، فنحن أمام بنيتين مصطلحيتين متعارضتين:الأدب والسجن ،الحرية والقمع ،الانفتاح والانغلاق.... وأدب السجون ليس وليد اللحظة التاريخية الراهنة،بل هو نتاج سيرورة زمنية متلاحقة1وقد"تكوّن لدينا في المغرب تراكم في النصوص التي تتحدث عن تجارب الاعتقال السياسي، وتنوعت ما بين سير ذاتية وروايات ودواوين شعرية ونصوص سردية وفنية مختلفة. سنسمي هذه النصوص كتابات الاعتقال السياسي التي تشمل بالنسبة للمغرب حوالي أربعين نصا مكتوبا بالعربية والفرنسية والأمازيغية، حقق بعضها انتشارا واسعا على المستوى الوطني والدولي، وترجم إلى عدة لغات. تُوفّر هذه الكتابات وثائق غنية تفتح آفاقا خصبة لفهم الأشكال المتشابكة للعنف الذي تمارسه الدولة على الأفراد، ومخلفاته الجسدية وأبعاده النفسية، والكيفية التي تلقى بها المعتقلون هذا العنف، والأساليب التي دبروها لتحمله ولمقاومته".ولذلك، فأدب السجون يحاول توثيق الأحداث وصيانة الذاكرة من الضياع.ذاكرة الأمة لا تعني الاحتفالية والتمجيد وصقل الأساطير المؤسسة.الذاكرة تعني كذلك ،وربما خاصة،الاعتبار من الانتكاسات والمآسي. "انطلاقا من هذه الاعتبارات،نقول أدب السجون يطرح بالنسبة للمؤرخ والمهتم بالتاريخ المغربي مجموعة من الإشكاليات الفلسفية والمنهجية والعملية.أول الإشكاليات،نحن أمام مادة أدبية:الأدب ،كما لا يخفى عليكم ،فن يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق التأثير الفوري"الصعقة أو "النشوة".فعبر اعتماده مجموعة من الآليات الجمالية والبلاغية،يصبو إلى تحقيق البطولة الفردية،وهي عملية يتوخى من خلالها صاحب النص"الضحية" التخلص من هول وهوس تجربة مريرة.النص في حد ذاته متواضع الأهداف.في المقابل،تراكم النصوص أهدافها ليست متواضعة،إنها تصبو إلى تخليد التجربة الفردية ووضعها في إطاراتها الطبيعية(...)الإشكالية، إذن، تتلخص في ترجمة المميزات الاستيطيقية إلى حقائق تاريخية...ويتضمن أدب السجون رافدا عسكريا وآخر مدني،هذا الأخير كتب تجربته بنفسه،أما الأول فكتب تجربته صحفيون.لن افصل كثيرا،الكتابة الصحفية لها شجونها ،ولها كذلك حساباتها(...)الشهادة الشخصية تخلق دوما مشكلا بالنسبة للمؤرخ،لأنه يعتبرها شخصية،ولا تعبر بالضرورة عن حقيقة جماعية. "* . 1–في سؤال الماهية: أدب السجون هو أدب المقاومة والممانعة والرفض،انه أدب إنساني نضالي وليد أقبية السجون والزنازن والقضبان الحديدية،"خرج من رحم الوجع اليومي والمعاناة النفسية والقهر الذاتي ، والمعبّر عن مرارة التعذيب وآلام التنكيل وهموم الأسير وتوقه لنور الحرية وخيوط الشمس ففي جحيم السجن ودياجير الظلام الدامس، يمتشق السجين قلمه ليحاكي واقعه وحياته الجديدة ويغمسه في الوجدان ليصور تجربة الأسر والمعاناة اليومية، ويسطر ملاحم الصمود والتحدي والبطولة، في نصوص لا أصدق ولا أعذب ولا أجمل منها .ويتميز الأدب الاعتقالي بصدق التجربة وغناها، وبالعفوية والرمزية الشفافة والصور الإيحائية"2.بمعنى آخر فأدب السجون يتميز ب: . "-تصوير المعاناة القاسية التي يعيشها السجين، والآلام الحسية والمعنوية الهائلة التي تستبد به، وتحديد أبعاد العلائق بين المسجونين وحكام السجن والمهيمنين عليه.. -تصوير بعض النماذج والأنماط البشرية التي يرصدها السجين ،ويصورها بقلمه وخصوصًا الشخصيات السيكوباتية الغريبة الأطوار.. -الربط بين حياة السجن والأوضاع السياسية القائمة، وما فيها من اختلالات ومفاسد ومظالم قادت صاحب القلم إلى هذا المصير المظلم. » -ومن ناحية الاستشراف النفسي المستقبلي، تتراوح نظرة الكاتب بين أملٍ مشرقٍ يتدفق بالحرية الشاملة، وبين يأسٍ مطبق يصبغ كلماته بلونٍ قاتم حاد، بيد أن كثيرًا من هذه الكتابات تنزع نزعةً أيديولوجية روحية في تبرير محنة السجن وعذاباته، والنظر إلى كل أولئك على أنه ابتلاء وتربية نفسية وروحية بعيدة المدى."3. 2-السرد الواقعي في مذكرات محمد الرايس: محمد الرايس من المعتقلين الناجين من جحيم تزمامارت4بعد أن قضى أكثر من ثمانية عشر سنة من الاعتقال التعسفي في إطار ما سمي في المغرب بسنوات الجمر والرصاص" وأصدر كتابا عام 2001 بعنوان: "من الصخيرات إلى تازمامارت: مذكرات ذهاب وإياب إلى الجحيم"، ويروي فيه تفاصيل عن الحياة داخل هذا السجن الذي كانت زنازينه عبارة عن مجموعة قبور، وكان القتل بعد التعذيب هو المعتاد . . وقد شكلت مذكرات الرايس، بداية جديدة لولادة نوع آخر مغاير من الحكي، الذاتي الواقعي، عن تجربة الاعتقال والتعذيب، وتحديدا منذ أن نُشرت تلك المذكرات مسلسلة في جريدة "الاتحاد الاشتراكي. وأثار نشر تلك المذكرات مسلسلة، في البداية، دهشة كبيرة لدى الرأي العام المغربي والدولي ، حيث تتبعها الكل باهتمام كبير، ليس فقط بالنظر إلى استثنائية مضمونها العام وخصوصيته، في الآن ذاته، والى مباشريتها وجرأتها، ولكن أيضا اعتبارا للحقائق المروعة التي تكشف عنها هذه المذكرات، بعد أن ظلت تلك المرحلة، وتلك الواقعة، يكتنفها الكثير من الغموض والتباين في الروايات، وخصوصا لدى الأجيال الجديدة التي لم تعاصر أحداث تلك المرحلة.تقول أمينة أمسلوات في هذا السياق: "وأنا أقرأ تلك المذكرات الصاخبة ...و المثيرة...والعنيفة ..والمرعبة ...والدامعة... والدامية ... والضاجة بالأحداث... والأمكنة.. والتواريخ...والمواقف.. و الشخصيات..و الرائعة فوق كل ذلك بأسلوبها العميق، روعة آلام لاتفرزها سوى شدة المعاناة الحقة.. قلت، طيلة تلك المدة ،كنت أتوقف بين صفحة وأخرى وأحيانا كثيرة بين سطر وسطر عشرات المرات، وقلبي يعتصر ألما ، متسائلة ألا يمكن أن تكون في هذه اللحظة بالذات التي أقرأ فيها هذه المذكرات، مشروع مذكرات أخرى لمعتقلين آخرين في معتقل رعب وبشاعة كتازمامارت، مشروع مذكرات ، يكتب الآن،ذهنيا، بدموع وعرق وأوساخ ودم وصديد...لتظهر بعد سنوات صارخة على الورق. تؤكد أن أ صحابها ورفاقهم عاشوا أحداثها المرعبة والمأساوية خلالا السنوات الأولى من الأ لفية الثالثة ، 2002 أو 2003، سنة قراءتي ،أو قراءة غيري لمذكرات الرايس أو غيره من المعتقلين .. بغرفنا الدافئة بعد عشاء لذيذ...وكأس شاي منعنع... في حين كانوا هم وآدميون آخرون،مرضى ومشوهون غارقين في بحر من الظلم ...والقذارة ... والأمراض والجوع... والأوساخ... والظلمات... السؤال يقض مضجعي، رغما عني ،دائما وأبدا.. أتمنى أن يكون ما أفكر فيه مجرد هلوسة، ووهم.. السؤال يقض مضجعي ،لأني عشت القهر... والذل... والرعب... مع الرايس وأصحابه بتازمامارت،من خلا ل مذكراته صفحة... صفحة .. وسطرا ...سطرا... وكلمة كلمة...يخجلني أن أقول هذا، فأين أنا من أولائك الرجال الأقوياء، أنصاف الأحياء منهم والأموات..وأنا التي ككل امرأة عادية لم يغلق عليها باب زنزانة قط...ولكن الذي يشفع لي ...ويجعلني أأكد أني عشت مع محمد الرايس وأصحابه محنتهم، دموعي الحارة التي كانت تغلبني ،وأنا أقلب الصفحات..."5. إنها شهادة وإدانة ،شهادة على وعمق الأزمة التي عاشتها فئة من المجتمع المغربي خلال فترة عصيبة من تاريخ المغرب الحديث والمعاصر،وإدانة لواقع متأزم درامي وفجائعي مازالت آثاره وتداعياته عالقة وموشومة في ذاكرة جيل من المغاربة اللذين اكتووا بنيران التعذيب والاعتقال التعسفي.ومن خلال هذه المذكرات الصادمة اشتغل المرحوم الرايس على مخزون الذاكرة لاستدعاء وتذكر وتحيين مرحلة سوداء ومظلمة مليئة بالمعاناة والمآسي والكوارث الجسمية والنفسية والاجتماعية والحقوقية،مرحلة عنوانها البارز ماضي الاختطافات و الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات الصارخة لحقوق الإنسان .فهل يمكن جبر الضرر الفردي والجماعي واستعادة الإنصاف والمصالحة؟ألا يمكن أن يتكرر ماضي الانتهاكات في الوقت الذي مازال فيه الجلاد حرا طليقا والضحية يئن تحت وطأة القهر والمعاناة والضغط النفسي؟ «"إن ما حصل في جحيم تازمامارت، من شرور وآلام وتجاوزات وعذاب وانتهاكات جسيمة وأهوال وجرائم وفظاعات على امتداد أكثر من 6600 ليلة ونهار .. إن جحيم تازمامارت كان يقتل المرء، ليس مرّة واحدة، ولكن عدّة مرّات، كان يقتله في كل يوم، وفي كل لحظة وحين مرّة. لأن موت تازمامارت لم يكن موتاً واحد وانتهى الأمر كما هو معروف، وإنّما موته كان موتاً مستديماً إن صح التعبير. إنه موت دام بالنسبة للناجين من الجحيم 18 سنة و19 يوماً، 6619 يوماً 158 ألف و 856 ساعة، 9 ملايين و531 ألف دقيقة. تازمامارت كان الفضاء الذي يتكرر فيه الموت إلى ما لا نهاية. لذلك كان تازمامارت فضاء الموت البطيء الممنهج، إنه آكل البشر بامتياز(...) من قلب جحيم تازمامارت، ظلوا(أي نزلاء وضيوف تازمامارت)) يحملون جزءاً من الصفة الإنسانية، بما لها وما عليها. منهم محمد خربوش والعربي اللويز ومحمد المحجوبي والعربي أمزيان. لكن يظل على رأسهم محمد شربادوي إذن كان هؤلاء أناس، قلائل جداً حقا، قاموا بما لم يتمكن القيام به غيرهم، حتى زعماء الأحزاب السياسية والمسؤولين الكبار وذوي النفوذ والمواقع. إنهم ملائكة جحيم تازمامارت الذين لولاهم لما نجا 28 من ضيوف الجحيم..."6 . . يثير أدب السجون، إذن ،مادة مزعجة تخلق توترا حادا لأنه يقدم أطروحات في الاتجاه المعاكس،ويفضح بعض الأساطير المؤسسة والمشرعنة القمع الممنهج،وروجت لها قنوات التأثير الجماعية،الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتقاد الجازم بأن التاريخ المغربي مليء بالمغالطات والتحريفات والتضليلات ، مما يقتضي إعادة كتابة التاريخ المغربي الحديث .ولذلك، فنحن" شعب مخدوع"غيبت الكثير من حقائق تاريخه وماضيه ،وبالضرورة مستقبله في إطار التعالق المنطقي الجدلي بين الماضي والحاضر والمستقبل :فما نعيشه اليوم هو مستقبل لماض ولى وانقضى بغير رجعة،كما أن ما نحياه اليوم هو ماض لمستقبل لم تكشف حجبه بعد ،ولذلك، فمن لا ماضي له لا حاضر له ،ومن لا حاضر له لامستقبل له.وعليه، فأدبيات السجون تؤرخ للذاكرة الفردية والجماعية من خارج القنوات الرسمية الشيء الذي يجعل أدب السجون يتأطر داخل أدب المقاومة التي كتبها الغالي العراقي، والمرحوم أبو بكر القادري والفقيه البصري التي تتحدث عن ذاكرة الآخر،الآخر المقصي .وفي هذا الصدد، يندرج كتاب l مومن الديوري "ذاكرة شعب" في إطار الصراع بين ذاكرة المخزن وذاكرة المحزن المضادة. وبهذا المعنى،فأدب السجون يشكل ثورة حقيقية، وانتفاضة عارمة لوفرة المعلومات والوقائع التي يسردها المعتقل في إطار مواجهة تعنت الجلادين.إن أدب السجون صناعة فكرية سياسية جمالية تؤسس للذاكرة المنشقة،فالمؤرخ "ليس قاضيا أو محاميا ،وظيفة المؤرخ الأساسية هي التأسيس لذاكرة جماعية سليمة على أسس سليمة.".ومن ثم،" يمكن النظر إلى كتابات الاعتقال السياسي من زوايا متعددة ،فقد تشكل في أحد أبعادها فرصة مؤجلة للدفاع عن النفس،الدفاع الذي لم يكن ممكنا لحظة الاعتقال.كما يمكن أن يكون فرصة لاستعادة الذاكرة واتخاذ قرار تعميمها،مع الأخذ بعين الاعتبار أن الذاكرة باسترجاعاتها واستشرافاتها ،استنادا باستمرار إلى الماضي،قد شكلت عنصرا أساسيا لتنظيم المقاومة من أجل البقاء.هذه الكتابات هي فرصة أيضا تتخذ عبرها الضحية الإجراءات المناسبة للوعي، وتدارك وتمثل نوايا وأفعال الجلاد.لكن كلما اتخذ هذا الوعي صفة التوثيق كلما بدأ الجلاد أيضا ينظر إلى فعل الضحية على انه اعتداء.من هنا يبدأ سياق من الأفعال وردود الأفعال يعتبر فيها الجميع في وضعية الدفاع عن النفس.من جهة ثانية،يمكن القول بأن كتابات الاعتقال السياسي تكون مليئة بالشحنات العاطفية،ولكنها تظل تحتاج إلى
أبعاد أخرى تدعم الإنصات لمختلف مساحاتها."7. الهوامش 1-كثيرة هي الكتابات التي تناولت تيمة أدب السجون بغض النظر عن السياق الثقافي والحضاري والديني:فقد أفرد القرآن الكريم مجالا واسعا للحديث عن السجن (سورة يوسف نموذجا)قال تعالى:"و اسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(الآية/25).كما أن مصطلح السجن ورد لأول مرة على لسان حكام مصر في شخص فرعون قال تعالى: "َ. فرعون قال (قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) سورة الشعراء آية 29 كما تناول الشعراء موضوعة السجن،فهذا الشاعر الحطيئة(راجع ديوانه) يقول مستعطفا عمر ابن الخطاب وقد حبسه بعد أن هجا الزبر قان بن بدر: ماذا أقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحوا صل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر أنت الإمام الذي من بعدك صاحبه ألقى إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الأثر ومن ذلك نذكر روميات أبي فراس الحمداني(بعد أن وقع في اسر الروم سبعة أعوام): أسرت وما صحبى بعزل لدى الوغى ولا فرسى مهر ولا ربه غمر ولكن إذا حم القضاء على امرىء فليس له بر يقيه ولا بحر وقال أصيحابى : الفرار أو الردى فقلت : هما أمران أحلاهما مر ولكننى أمضى لما لا يعيبنى وحسبك من أمرين خيرهما الأسر كان فى سجن الأسر فرأى حمامة تقف غصن شجرة قرب أسوار السجن فقال : أقول وقد ناحت بقربى حمامة : أيا جارتا هل تشعرين بحالى؟ معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالى أتحمل محزون الفؤاد قوادم على غصن نائى المسافة عالى؟ أيا جارتا ماأنصف الدهر بيننا تعالى أقاسمك الهموم, تعالى تعالى ترى روحى لدى ضعيفة تردد فى جسم يعذب بال أيضحك مأسور وتبكى طليقة ويسكت محزون ويندب سال؟ لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعى فى الحوادث غال هذا بالإضافة إلى سرندبيات البارودي، وأندلسيات شوقي، وديوان "وراء حسك الحديد" للشاعر العراقي "محمد بهجت الأثري" ،و"أغاني الغرباء" لنجيب الكيلاني، و"عالم السدود والقيود" للعقاد ،و"مذكرات واعظ أسير"للمرحوم أحمد الشرباصي، و"سنة أولى سجن"و"سنة ثانية سجن"وسنة ثالثة سجن" لمصطفى أمين. و"حياة عراقي من وراء البوابة السوداء"للمناضل العراقي محمود الدرة، و"في الزنزانة"لعلي جريشة ،و"أيام من حياتي" لزينب الغزالي. و"كان وأخواتها "لعبد القادر الشاوي و"مذكرات محمد الرايس.ومادام "أدب السجون والمعتقلات والمنافي"يرتبط بالأدب الملتزم فليس من العدل في شيء أن لا يعرف المهتم بهذا اللون من الأدب ماعاشه شاعر إسبانيا العظيم «روفائيل البرتي» الذي عاش منفياً عن وطنه إسبانيا لمدة تزيد على تسع وثلاثين«39» عاماً. وألا تعرف المعاناة التي عاشها شاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، وألا تكون قد قرأت كتابه ذائع الصيت آنذاك «أعترف بأني قد عشت".والأمر ذاته كان ينطبق على الكتاب الأمثل عن أدب السجون الذي كتبه الروائي الروسي دوستفيسكي والموسوم ب«مذكرات من بيت الموتى»، والذي يتحدث عن عذاب المعتقلين الروس في منطقة سيبيريا. هذا علاوة إلى ما كتبه الروائي عبد الرحمن منيف روايتي"شرق المتوسط" والآن هنا" عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته" القلعة الخامسة" وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم"الفاجوجي".ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة"أخبار الثقافة الجزائرية" والمعنونة ب"أدب السجون في رواية"ما لا ترونه"للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح )، و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ). http://adabalmoatakalat.maktoobblog.com/// *ندوة كتابات الاعتقال السياسي:أدبيات السجون كمصدر تاريخي:الإشكاليات والمقاربة،د محمد خاتمي،20ماي 2004(هيئة الإنصاف والمصالحة). 2-راجع في هذا الباب: قراءة عاجلة في أدب السجون لشاكر فريد حسن. 3- راجع :د.جابر قميحة http://adabalmoatakalat.maktoobblog.com 4- بعد كل من عبد الكريم المسعودي وعبد الكريم الشامي وإدريس الدغوغي وأحمدالرجالي. 5-مذكرات الرايس ..معتقل تازمامارت...واحتمالات أخرى...أمينة أمسلوات الحوار المتمدن ع1986.(24/07/2007). http://www.ahewar.org -تازمامارت آكلة لحم البشر.http://www.bramjnet.com6- 7-ندوة كتابات الاعتقال السياسي :سؤال التوثيق في كتابات الاعتقال السياسي م.س ،ذ خديجة مروازي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.