عندما نتأمل ملامح مواطنينا – أخي المواطن البسيط مثلي – وهم يتحركون داخل رقعة نسميها وطنا لنا (أتذكر هنا النشيد العجيب الذي ينبغي صياغته على الشكل التالي: المغرب لهم لا لغيرهم !!) وما نملك فيه قيد أصبع : مطالبات ، احتجاجات ، وقفات ، مسيرات ، مظاهرات ، اعتصامات ، إضرابات عمالية ، إضرابات عن الطعام ، عرائض ... وربما نسيت أشكالا أخرى هجرت ذاكرتي الشائخة. مواطنون من كل الآفاق والأعمار : شبابا ونساء وكهولا في البوادي والمدن ، نقابيين وسياسيين وفاعلين جمعويين ومعطلين ... آلاف قطرات العرق المتصببة من جباه وأجساد لم تكلّ ولم تتعب من الحركة لتحقيق حلم بسيط جميل ممكن : العيش بكرامة وتوفير أبسط مستلزمات الحياة الأساسية من سكن لائق وحد أدنى من القدرة الشرائية وتعليم جيد وتغطية صحية ملائمة ! آلاف الصرخات تخرج من حناجر متفاوتة الأعمار دون أن تبح وهي تصيح مطالبة بأن يلتزم المسؤولون الذين ابتلي بهم وطنهم بتطبيق القوانين على علاتها والتي وضعها هؤلاء المسؤولون أنفسهم ، بها قد يقتسمون ولو قسطا بسيطا من خيرات وطن ينتمون إليه كرها ! آلاف الأصوات النسائية الخارجة من عباءات الجمعيات والأندية على امتداد خريطة وطن هن من ساكنته ، طالبت وتطالب وستظل تطالب بمساواة اعتقدن انها قاب قوسين أو أدنى من التحقق بعد نصر جزئي تحقق عبر مدونة الأسرة ، لكن هذا الزمن الأغبر ردهن إلى الوراء بسرعة مذهلة فشمرن عن سواعدهن وشحذن حناجرهن لتعلو أصواتهن فوق صوت المعركة !! آلاف البسمات ترتسم على أفواه مناضلين ومناضلات وهم يستقبلون المعتقلين الذين طالبوا بالإفراج عنهم ، ودقات فرح تملأ قلوب عائلاتهم وأصدقائهم ورفاقهم وهم يعانقون من غيبتهم السجون عنهم لفترات متفاوتة ، لكنه فرح مؤقت إذ سرعان ما تمتلئ نفس السجون بمناضلين آخرين ومناضلات أخريات في عهد سمعنا أنه جديد وما هو في الواقع إلا امتداد لسابقه مبنى ومعنى !! آلاف العرائض والمطالب تدعو لاستتباب الديموقراطية الحقة (هي ديموقراطية واحدة لا ثانية لها ، إما أن تكون أو لا تكون !) تفصل فيها السلط فصلا حقيقيا وتصبح للمؤسسات مسؤوليات فعلية على أساسها تتم المحاسبة والمتابعة ، ومن لا يريد أن يسأل ويحاسب ويتابع عليه أن يبتعد عن تحمل أية مسؤوؤلية وأن ينأى بنفسه عن مجال السلطة ! تأتي بارقة أمل في إمكان حصول تطور ما ، لكن الرياح تجري بمشيئة الملاح ويؤخذ باليسرى ما أعطي باليمنى وتبقى دار لقمان على حالها ، علما أن دوام الحال من المحال !! لكل هؤلاء وأولئك ، لكل حبة عرق ، لكل صرخة ، لكل صوت ، لكل حرف خطّ على طريق النور ، لكل بسمة سرقت منا في غفلة عنا ، لكل سجين قابع في زنازن المخزن رغم أنفه ، لكل أم تنتظر عودة المغيّبين ، لكل امرأة خدعها بريق أمل عابر فانتفضت ، لكل طالب يدافع عن حرمة الجامعة وفسحتها الفكرية أقول : بشرى لكن ولكم فإن الظلام زائل والنور قادم والقيد منكسر لا محالة بثباتكن/كم وصمودكن/كم ، ومن سار على الدرب وصل !!.