تمثل الثقافة الشعبية رافدا أساسيا من روافد الهوية الوطنية والمحلية ، وتشكل الأهاجيز الشعبية جزءا مهما من الذاكرة المحلية ، فلا يفوتنا ونحن نريد أن نتحدث عن رقصة شعبية كرقصة الهيت بمنطقة الغرب بالمغرب خصوصا أن نتوقف مليا عند الأعمال الجليلة والتوثيقية الرائدة للأخ والصديق الأستاذ الباحث في الثرات الغرباوي بوسلهام الكط الذي أتمنى له بالمناسبة دوام الصحة والعافية خاصة في سلسلته من وحي الثراث الغرباوي الذي نقتبس منه ما جاء فيه حول رقصة الهيت مايلي : رقصة الهيت ظاهرة الهيت هي رقصة شعبية معروفة في منطقة الغرب على العموم وفي مدينة مشروع ابن القصيري على الخصوص وفي كل المناطق المغربية بصفة أعم، وإن كانت تختلف- نسبيا- من منطقة إلى أخرى على مستوى الحركات والوسائل الموسيقية المستخدمة لتحقيق أهداف هذه الظاهرة /الثقافية والتراثية الشعبية البدوية. وهكذا نجد في لسان العرب لابن منظور الجزء السادس ص 4732 :« هيت معناه: هلم ،هلم! وهلم تعال، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر، إلا أن العدد فيما بعده، تقول: هيت لكما، وهيت لكن». وإذن، فإذا كانت سياسة التهميش والاستنزاف –أصبحت تشكل خطرا على واقع المجتمع البدوي ،فإن الثقافة البدوية الشعبية، بما في ذبك رقصة الهيت التي تهمنا في هذه القراءة، لم تسلم هي الأخرى من ذلك، وقد كان هذا عاملا من بين العوامل الأخرى، لمحاولة تغييب هذه الرقصة الشعبية التي لها دلالاتها العميقة على مستوى السوسيوثقافي والانتربولوجي واللسني/التواصلي كما سنرى. إن رقصة الهيت في منطقة الغرب قد شكلت إحدى الوسائل التواصلية التي مارس من خلالها سكان هذه المنطقة – على سبيل المثال – تأثيرهم في الحياة الاجتماعية البدوية بشكل عميق هادفين من وراء ذلك، المحافظة على استمرار الثقافة الشعبية والتراث الشعبي البدوي بصفة خاصة والمغربي بصفة عامة ... في جوانبه التعبيرية الإيجابية الهادفة إلى تحقيق الوحدة والتعاون والتضامن في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية..الخ، ذلك، أن هذه الرقصة ( الهيت) تستمد مشروعيتها وأصالتها من التراث المغربي الأصيل ومن الثقافة الإنسانية التي تعتبر محتوى عاما وأساسيا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية المتنوعة والمتعددة. وبذلك تكون هذه الرقصة هي إحدى المظاهر والعناصر التراثية التي ينبغي المحافظة عليها، وإن تطلب الأمر، إلى تطويرها وتجديدها إلى ما هو إيجابي أكثر مما كانت عليه في السابق.!. وانطلاقا مما قلناه، عن رقصة الهيت باعتبارها إحدى القنوات التي تصب في التراث، فإننا لم ننف عنها البقاء والاستمرار في الحياة الإنسانية والاجتماعية الثقافية والحضارية والفكرية داخل المجتمع البدوي بصفة خاصة والمجتمع المغربي بصفة عامة، باعتبارها كانت– ولازالت نسبيا- ممارسة فعلية ونشيطة، بالنسبة لسكان الغرب على الخصوص، ولمناطق أخرى مغربية على العموم. وإذا كان واقع المجتمع البدوي الغرباوي، هو الإطار العام، لهذه الظاهرة /الرقصة ولغيرها من الظواهر والمظاهر والطقوس...إلخ- كما سنرى- فإن الباحثين والدارسين المهتمين بالتراث المغربي عموما والتراث البدوي الشعبي، خصوصا، سيجدون بأن رقصة (الهيت) قد مورسن بشكل مكثف من طرف هذه المنطقة الغرباوية، لأنها ترتبط بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والحيوية..الخ. وهذا ما يعطي لهذه الظاهرة قيمتها العميقة والمعمقة، مما يجعل الباحثين والدارسين المهتمين بمثل هذه الظاهر،أمام حقائق تستحق الإهتمام نظرا لارتباطها بالواقع المعيش الذي يعتبر مجالا خصبا لكل دراسة واعية وهادفة إلى معرفة بنية المجتمع البدوي المؤسسة على مجموعة من العلاقات والظواهر والمظاهر ، الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية..الخ. إننا لا ندعي في هذه القراءة إعطاء رقصة / شطحة، الهيت تعريفا شاملا ومانعا يحيط علما «كليا» بهذه الظاهرة الإنسانية والاجتماعية والثقافية الشعبية المتنوعة والمتشعبة التكوين، بقدر ما سنعمل على ملامستها كظاهرة قائمة في واقع المجتمع البدوي الغرباوي كما كانت تمارس بكثافة ولازالت تمارس بكيفية أقل مما كانت عليه في الماضي القريب. ومن غير مبالغة، فإن هذه الرقصة الشعبية كانت لها مكانتها وقيمتها في الذاكرة الشعبية البدوية، يحبها ويعرفها ويمارسها.. الكبار والصغار نساء ورجالا وأطفالا، لأنها كانت إحدى الوسائل الهامة في أنشطة البادية حينما ينتهي سكانها من العمل وبالأساس من الحصاد وجمع الحبوب والتبن.. الخ فتقام الأعراس التي تعتبر الإطار العام لظاهرة الهيت المتجسدة في حركات جسمية جميلة تتسم بالخفة وإثارة الإنتباه والأنظار من طرف الممارسين لها الذين يؤدونها بكيفية جماعية وبفنية رائعة تزيدها الفرقة الموسيقية المتكونة في الغالب، من عازفين على الغيطة وضاربين على الطبل، بالإضافة إلى مجموعة من المتخصصين بالضرب على البندير أو (الدف) والمقص والتعريجة منظرا أجمل ومتعة أروع هذه الظاهرة/ الرقصة تتكون في الغالب كذلك، من مجموعة من الناس الراقصين يتوسطهن رجل عارف وتمكن من قوانين فن اللعبة يتحكم بإشارة رمزية في مجرى الحلقة المتكونة من العازفين والراقصين هذه الرقصة التي تتشابه مع رقصات شعبية مغربية أخرى، تتميز بتميز المناطق والعادات والتقاليد المغربية. هكذا يمكننا الحديث بإسهاب عن وجود هذه الرقصة الشعبية من مختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفولكلورية وغيرها.ولا شك أن الاهتمام بهذه الجوانب المتعددة والمتنوعة في الواقع الغرباوي. والعمل على قراءتها بتعمق وتحليلها بدقة وتمعن سيساعدنا على استخلاص مجموعة من الحقائق الهامة للتقرب من معرفة الواقع الغرباوي البدوي – نسبيا – الذي يعتمد في حياته العامة على العمل الجماعي وعلى التعاون المشترك وعلى ربط العلاقات المتينة للسكان الذين يتكونون في الغالب من قرابة دموية أو قبلية أو عائلية أو اجتماعية.. الخ. كما يبدو واضحا في (بلاد الجموع) وكذلك من خلال رقصة الهيت المتميزة والمثيرة هذه الحركات المعتمدة على حركة الكتفين بالأساس وكذلك على اليدين والرأس وحركات الرجلين والردفين...الخ. هذه الرقصة كما قلنا، تكون على شكل دائرة يتحكم في شكلها عدد من المتفرجين والراقصين فالدائرة تكون كبيرة إذا كان العدد كبيرا وإما أن تكون متوسطة أو صغيرة تبعا لجمهور الحاضرين من الناس كما يسودها منطق النظام المحكم والهدوء والتفاهم والتعاون حتى يتم العرس أو الحفل في جو هادئ وممتع جو لحظات التناسق والتفاهم بين الراقصين والعازفين من جهة، وبين الراقصين الذين يكونون الدائرة والموجودين داخلها من جهة ثانية. وهذه الحقيقة تعكس أهمية خصوصية الحياة العامة التي يتميز بها واقع المجتمع البدوي بصفة عامة وواقع المجتمع البدوي الغرباوي بصفة خاصة. إن الحديث عن رقصة الهيث في غياب الجوق الموسيقي الذي تحدثنا عنه، لا يمكن أن يؤدي مهمته الإيجابية والهادفة إلا بتوفير مجموعة من الشروط ذلك لأن الأدوات والآلات الموسيقية النابعة من الواقع البدوي ومن مزاجه المشترك هي التي تؤطر هذه الرقصة البدوية الشعبية وتعطيها مدلولها المتنوع الأهداف والأغراض. من هنا تبدو أهمية الجوق الموسيقي والموسيقى المتناسقة مع الرقصة في شكل علاقات جدلية نشيطة وحميمية وهادفة لأن الموسيقى هي الأخرى، تعتبر جزءا لا يتجزأ من ثقافة الشعوب، لأنها تعكس حياة الواقع الإنساني والاجتماعي المتحرك باستمرار ومن غير شك، فإن نغمة الغيطة تتناغم مع دقات الطبل والبندير والتعريجة والمقص بطريقة مثيرة وجميلة، كما نلمس ذلك أثناء الفرجة، والأجمل من ذلك، كما نرى، هو حصول التناسق الجدلي بين النغمة الموسيقية والراقصين، بطريقة تدل على مدى الانسجام المنظم الحاصل بين العازفين والراقصين، في أبهى صور واقع المجتمع البدوي، لاسيما في الليل حين يحلو السهر والسمر..في المجتمع البدوي الجميل. أن رقصة الهيث، انطلاقا من التصور الذي تحدثنا عنه، تمثل في نظرنا إحدى الرقصات الشعبية الفرعية في المجتمع المغربي،ذلك لاقتناعنا وإيمانا بوجود رقصات شعبية تشبهها من جهة وأخرى تختلف عنها من جهة أخرى. وهذا تأكيد على التنوع الموجود في الثقافة العامة لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية. لكننا حينما نتحدث، هنا، عن رقصة الهيت فإن حديثنا بنصب في عمقه على واقع المجتمع البدوي الغرباوي، الذي يمارس هذه الظاهرة الاجتماعية والتراثية والفنية – التي كانت تؤثر حتى في واقع المدن –بطريقته الخاصة، من أجل تحقيق الأبعاد والأهداف المتوخاة تحقيقها.ونظرا لأهمية ظاهرة الهيث في الواقع البدوي الغرباوي، ولتوضيح ذلك أكثر، يمكن القول بأن هذه الظاهرة تشكل العناصر المشتركة لثقافة هذا الواقع كما سنرى. ظاهرة الهيت ظاهرة اجتماعية: إن انبثاق هذه الظاهرة/ الرقصة الشعبية من الواقع الموضوعي المتحرك...واقع المجتمع البدوي الذي يمارسها بشكل واع وهادف وبنشوة متميزة تجعل الإنسان الراقص يعيش في عالم الأحلام الجميلة عالم الجذبة والشطحات..كما بعيشها المتصوف وإن كان هناك اختلاف بينهما،من أجل ذلك نجد سكان الغرب يسمون « الهيت » ب « الشطيح » وراقص الهيت يرقص بطريقة هستيرية والعرق بتصبب من جسمه بأكمله. أنها رقصة الجماعة الراقصة وليست رقصة الفرد وحده، ومن هنا تكمن أهميتها الاجتماعية والإنسانية والثقافية كما أنها ليست حكرا على فئة دون غيرها، بل للكل الحق في ممارستها بشرط أن لا يخل بنظامها العام، لأنه سيثير غضب المتفرجين والراقصين والعازفين. وعلى مستوى آخر لا يقل أهمية، في الواقع الغرباوي، إنه واقع الأعراس والحفلات في علاقته بهذه الرقصة الشعبية المحلية التي لا تخلو من حركات فنية جميلة هادفة – كما قلنا – إنها الرقصة التي تقدس أيام العمل كما يقدسه الإنسان البدوي المعروف بحبه للأرض وللعمل لكل الفصول والأوقات. هناك علاقة واعية بين القيام بهذه الرقصة أي بإقامة الأعراس والحفلات، وانتهاء العمل في الواقع البدوي الغرباوي، بحيث يستحيل عند الإنسان البدوي الغرباوي أن يقيم حفلا أو عرسا وهو لم ينته بعد من أعماله، حيث يصبح الحفل أو العرس هو عرس الجماعة التي تشارك فيه بالدعم المعنوي والمادي والذي يتجلى مثلا، في الهدايا المتنوعة لأهل العرس من طرف سكان الدوار أو القبيلة. ومن هنا يتجلى التضامن الجماعي واحترام المصالح المشتركة ... الخ. التي تعبر عن النزعة الإنسانية والإجتماعية والجمعية والمجتمعية ..داخل واقع المجتمع البدوي الغرباوي. وهكذا يكون الاهتمام الذي أولي لظاهرة/ رقصة الهيت كرقصة شعبية فنية مشتركة والإحساس بأهمية العمل وتحديد وقت الحفلات والأعراس، كل ذلك يترجم بوضح أهمية الوعي الجمعي بالأهداف المشتركة لدى سكان المجتمع البدوي وهذا تعبير واضح عن التصورات الذهنية والتشكيلات الاجتماعية، التي تتجسد في الواقع الاجتماعي البدوي الغرباوي. فمنطق التماسك والتضامن والتعاون كان هو القاعدة الأساسية للمجتمع البدوي بصفة عامة والغرباوي بصفة خاصة. لكن كيف بدأت تلك الأسس تنهار وتلك الأسس تنهار وتلك العلاقات المتينة تتفكك..وتلك الأهداف العامة تتجزأ وتتمزق تلك هي الإشكالية التي سنتناولها بالتحليل والمناقشة والنقد. قدر الإمكان في كثير من المواضيع التي تهتم بها هذه القراءة. ظاهرة الهيت ظاهرة نفسية وأخلاقية : يمكن أن نتساءل كذلك، بخصوص هذه العلاقة بين رقصة الهيت والظواهر النفسية، في المحافظة على التماسك الاجتماعي والتضامن والتعاون في مجالات كثيرة، منها مثلا، ظاهرة الأعراس وبالخصوص ظاهرة الزواج في المجتمع البدوي حيث تتحول هذه الرقصة الشعبية والتراثية من ممارسة اجتماعية إلى ممارسة فنية ونفسية كذلك. ممارسة تخدم الجماعة كما تخدم الفرد وذلك بمساعدة هذا الفرد/ الزوج على حل مشكل نفسي هو مشكل البكارة أو الإفتضاض حين تعمل هذه الظاهرة على عدم سماع بكاء وصياح العروسة أثناء عملية الافتضاض من جهة، وعلى تشجيع العريس لمواجهة هذا الواقع والتغلب على الخوف، في غياب المتربصين والمتلصصين، الذين يريدون معرفة ما يجري بين العروسة والعريس أثناء لقائهما ليلة الزفاف والافتضاض وهكذا وبفضل تدخل عائلة العريس والعروسة وبعض الأصدقاء المقربين ...يطلب من الكل الالتحاق ب لفراجة أي الهيت / الفرجة التي يقوم بها العازفون والراقصون وذلك لترك عملية الافتضاض تمر في ظروف هادئة وسليمة. وهكذا فلما يتعلق الأمر برقصة الهيت من غير نسيان كل العناصر التي تساهم بالقيام بها من عازفين وراقصين ومتفرجين يتم الحديث عن العلاقات المرتبطة والمتداخلة والمتشابكة...في شكلها الاجتماعي الثقافي والأخلاقي النفسي والتراثي الوعيي والفني الإنساني والمجتمعي...لخ. حيث نجد في مجلة الرائد 1 ص 25 : تضخيم للبكارة الغشاء / اختزال المرأة الإنسان و غشاء البكارة هذا يتضمن أضخم رموز العفة والطهارة والصون. وليس فقط لحاملته ولكن أيضا بالنسبة للأب والعم والخال، للأسرة بأكملها، بل العشيرة والقبيلة إن اقتضى الحال . لكن، وكما قلنا، فبعد الوقوف الضروري على ظاهرة/ رقصة الهيت في شكلها الإنساني والاجتماعي الثقافي والأخلاقي الفكري والفني... الخ. لابد من الإشارة إلى الخطر الذي أصبح ناقوسه يدق من قريب إنه ناقوس إتلاف وتغييب، هذه الظاهرة/ الرقصة الشعبية الهادفة، فالناظر المتعمق والباحث المهتم بالواقع البدوي الغرباوي، سرعان ما يندهش ويصاب بخيبة أمل، حين يحضر عرسا من أعراس هذا الواقع الغرباوي (الآن)، هذه الدهشة الخائبة عادة ما تعود إلى مشكلة أساسية وشائكة..تتجلى في أن هذه الظاهرة الشعبية بمفهومها العام قد حلت محلها ظاهرة «المجموعات» مثل «مجموعة الراي» وغيرها والتي أصبحت تشكل خطرا لا على الأغنية الشعبية الهادفة فقط، بل على التراث الشعبي بصفة عامة والبدوي بصفة خاصة. بطبيعة الحال، هنا، نقصد المجموعات الغير ملتزمة، الهجينة والساقطة، التي لا يهمها التراث ولا الفن، بقدر ما يهمها الجانب المادي. فتلتجئ إلى الأغاني الساقطة والرقصات المبتذلة والمميعة التي تشجع على تعاطي المخدرات وممارسة الفساد بكل أشكاله. هذا التخلي أو الإهمال والتهميش للتراث الشعبي البدوي عموما وللثقافة الغرباوية خصوصا ولرقصة الهيت على الأخص، لم يكن تخليا أو تهميشا بريئا، بقدر ما كان مقصودا وهادفا، بمعنى أن أغلبية هذه «المجموعات» بأغانيها ورقصاتها لا ترتبط بالواقع المعاش للإنسان البدوي على الخصوص، باعتباره إنسانا يعاني من مجموعة من المشاكل ذات الطابع الخاص والعام، بل تساهم في تكريس الوضع المتأزم المفجوع وذلك بتحريفه وتزييفه...الخ.وقد ترتب عن ذلك، نفور من رقصة الهيت في أوساط الشباب البدوي الغرباوي المتأثر بما هو دخيل وسلبيعلى واقعه الموضوعي الأصلي والحقيقي. وإذن، كيف ستكون الثقافة الشعبية الغرباوية على الخصوص والبدوية على العموم، التي أصبحت ترتدي لباسا لا ينسجم مع واقعها الموضوعي والإنساني والاجتماعي والأخلاقي والفني والتراثي ..الخ!؟!. من غير شك سنجد أنفسنا أمام شخصية ممزقة على جميع المستويات لأن تكوينها لم يكن تكوينا واقعيا وسليما وبريئا، هذا ما يجعل الثقافة المحلية تتفكك بتفكك المجتمع البدوي، فتصبح الهجرة ملاذ كل الحائرين والتائهين المجبرين والمعوزين الضائعين في عالم الأوهام والأساطير. يقول القاص إدريس الصغير في روايته« الزمن المقيت »2 ص 58:« كنا نهيت، ليس لي من رقصة الهيت.هذه الرقصة المجنونة التي يرقصها الفلاحون عندنا في موسم الحصاد، فيجذبون في الحلبة حتى تنهار أجسادهم بعد موسم شاق مليء بالأتعاب كنا نوقع على الأرض بأقدامنا بطريقة هستيرية، توقع بقدميك وترقص كتفيك وتصيح دون انقطاع : هاو هاو هاو . فتعرق وترتخي عضلات جسمك، ثم تصعد إلى عالم تتوحد فيه بالآخرين .لا تعود الأجساد في ملك أصحابها، ثم لا تميز بعد ذلك بينها وهي تهتز وترتعش . هكذا ومن خلال هذه الأقوال – وكما هو معروف كذلك – إذا كانت رقصة الهيت هي عبارة عن حركات متنوعة ودالة حركات طقوس معينة، تحمل أصحابها إلى عالم الجذبة والنشوة لا يحس بذلك إلا الممارسون لهذه الرقصة بحب وإخلاص. إنها رقصة منبثقة من عمق الواقع الموضوعي ومرتبطة بالإنسان البدوي من غير نسيان الإنسان الحضري الذي يعرف هذه الرقصة ويمارسها هو الآخر، كلما أتيحت له الظروف إنها الرقصة التي تحول الراقص البدوي المجذوب والمتحيرإلى عالم النفحة الصوفية عالم النشوة والروح ...!. وإذن، إن رقصة الهيت الشعبية في الواقع البدوي الغرباوي هي ظاهرة إنسانية واجتماعية اقتصادية وسياسية تراثية وثقافية نفسية وحيوية إنها ذات وظائف متعددة ومتنوعة رغم بساطة طبيعة نشأتها وبساطة آلاتها وعناصرها ...الخ. وإذا كانت هذه الرقصة الشعبية البدوية، قد تعرضت للغزو والمطاردة والإهمال والتهميش، من طرف عدة عناصر وفي مقدمتها الأغنية الساقطة والرقصات المبتذلة والمميعة نتيجة سياسة التسلط والهيمنة والتبعية في عصرنا المعاصر، فلقد أصبح من الضروري الاهتمام بها . ولعل ما يثير الانتباه والاهتمام بظاهرة الهيت هنا، في مشرع ابن القصيري هو أهمية النصوص التي ترددها الفرقة الموسيقية المتكونة من الغياطة والطبالة والهياتة والراقصين وهكذا في جو جميل ومنظم حين يسكت الغياطة والطبالة بعض اللحظات، نسمع أصواتا تردد هذه الكلمات مع دقات البنادير: اتقب الزرب وادخل هذا الكلام إشارة إلى بعث الحماس والقوة في نفسية العريس من أجل أن يدخل على العروسة ليلة زفافها من أجل افتضاض بكارتها بدون خوف أو خجل ...الخ. وسواء كان ذلك الكلام موجها إلى العروسة أو إلى التعريجة/التعريجات فإنه لا يخلو من رمزية دالة وواقعية هادفة. وهكذا وبطريقة أجمل من الأولى تردد، كذلك مجموعة من الأصوات في تناغم منسق ومضبوط.. مع التعريجة والتعريجات والتي ترمز إلى العروسة وتدافع عنها، وذلك من خلال مواجهة البندير والرد عليه كما يبدو واضحا من خلال هذا الصوت/ الكلام : واللاهلا رشقالك عدة مرات وكأن التعريجة / العروسة تسخر من البندير / العريس وتحاول التغلب عليه بطريقة فنية جميلة. وهذا نوع من الخطاب السخري، الذي يتم بين البندير والتعريجة بين العريس والعروسة على شكل صياغة موسيقى متلازمة ومنسجمة ومتماسكة . ويتجسد هذا الخطاب الرمزي على مستوى الواقع الموضوعي المعيش من خلال مجموعة من الصور والمشاهد التي يمكن استخلاصها ليلة زفاف العروسة وافتضاض بكارتها مثل: إن السباق إلى الضرب بالبلغة بين العريس والعروسة سيحدد مصير المنتصر في الحياة الزوجية ولهذه العملية تأثير بليغ على نفسية العريس، مثلا، حين يعجز على افتضاض بكارة العروسة بالرغم من عريها وإزالة سروالها. وهذه علامة استعداد العروسة وشجاعتها وفشل العريس وانهزامه. وهذا تجسيد كذلك للخطاب الرمزي السابق بين البندير والتعريجة! أما الغيطة والطبل، فالموسيقى الجميلة الصادرة عنهما، هي إشادة بالعرس وكذلك بأهل العريس والعروسة من غير نسيان ترديد اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم كما يبدو واضحا في هذا الكلام الذي يردده الجوق الموسيقي في صباح العرس وكذلك أثناء تقديم بعض الهدايا لا إله إلا الله محمد رسول الله . ولقد جاء في جريدة القنطرة الصادرة بمدينة القنيطرة ، العدد : 4 أبريل 1995 : أنواع الهيت : الهيت ثلاثة أنواع : 1. هيت حسناوي نسبة إلى بني احسن بنواحي سيدي قاسم وهو يتميز بإيقاعه وحركاته المتوسطين . 2. هيت حدادي وهو يتميز بإيقاعه البطيء تتفنن به جماعة الحدادة المحاذية لمهدية ومنها اشتق اسمه. 3. هيت غرباوي ويتميز بإيقاعه السريع ويتمركز بين القنيطرة وسيدي سليمان .