أحيانا تتراكم عوامل الإحباط وتحاول منعنا قسرا من الكتابة بإشعارنا بأننا إنما ننفخ في "قربة مثقوبة"، لكننا نعود لنجد أنفسنا أمام مسؤولية أخلاقية ،تدفعنا دفعا لمواصلة السعي قدر ما نستطيع من أجل نصرة الحق ولو بالكلمة، والخوض في أمور تفرض نفسها علينا فرضا، ولا نستطيع لها دفعا. أحيانا أخرى نُحسّ بأننا أصبحنا نَلُوك كلاما مكررا قلناه ونادينا به مئات المرات ،ولكن لا حياة لمن تنادي ، لكننا عندما نشعر أن المشاكل التي يعاني منها الناس ما زالت قائمة ، وأن النزاعات المدفوعة حزبيا تلقي بظلالها السالبة على المواطنين وهم لا حول لهم ولا قوة، يدفعون ثمنها كل يوم بلا طائل ،نجد أنه لا مفر من الاستمرار في قول النصيحة لعل وعسى. نقول هذا لأنه للأسف ما زالت عملية شد الحبل بين قطبي الجناح السياسي للحزبين المتحكمين في الائتلاف الحكومي مستمرة دون أدنى اعتبار للآثار المدمرة التي طالت حياة المواطنين ،وما تزال تهدد بالمزيد من الاخفاقات التي سيكون وقعها كبيرا وضاغطا على الوضعية المعيشية والاقتصادية. ليس هذا فحسب ،فهناك من يسعى بكل ما يختزن في دواخله المشوشة و المشوهة من كره ومكر وحقد للوقيعة بين الطرفين،ببث أنباء مسمومة لا تخدم أيا منهما ، وإنما تهدد مستقبلهما معا، لأن أي اضرار سياسية أو جماهرية تلحق بهذا الحزب ،سلتقي بظلالها مباشرة على الحزب الآخر، بل وعلى البلاد كلها، كما هو حادث الآن وسط غفلة متعمدة، ومزايدات انتخابوية لا تسمن ولا تغني من جوع، وأعني هنا حرب التصريحات و البلاغات التي احتدمت بين حزبي الاستقلال والعدالة و التنمية ، وخاصة بعد انتخاب أمينه العام الجديد. يعلم أهل الحل و العقد في الحزبين أنه لم يعد هناك وقت للتلاوم وتبادل الاتهامات ،وأنه لا مخرج أمام البلاد والعباد إلا إكمال المشوار الذي بدءاه معا برفقة الشريكين الآخرين، وأنه ليس من مصلحة البلاد ولا العباد التراجع عن الالتزامات والوعود المقدمة للناخبين، بل ولابد من الإسراع في تنفيذها. نقول هذا ونحن ندرك حجم الأضرار التي ترتبت عن التسويفات المتكررة في كل مجالات الحياة ، والتي طالت مجمل الملفات التي ما تزال عالقة إلى حد الساعة، والتي لا تدري الحكومة ما الذي ستفعله بشأنها.. الشيء الذي كلف ويكلف الفئات الضعيفة من الشعب ثمنا باهضا يأخذ الكثير من جهدها ومدخولها، فيما بدا أن الطبقة الوسطى المشكلة من الموظفين ورجال التعليم والأطباء، تتآكل "طبقيًا" ،حيث بدأت في الانحدار نحو مساحة الفقر، وهو ما اعتبره محللون ناقوس خطر ينذر بتوقع ارتجاج قد يهز المجتمع المغربي ،بإمكانه أن يؤدي إلى حالة الفوضى الاجتماعية، على اعتبار أن الطبقة الوسطى في كل المجتمعات تعد ضابطًا اجتماعيًا ومحركًا للاقتصاد، وأن وجودها يشكل أحد العوامل الأساسية لانسجام المجتمع وتوازنه. ثم نقول هذا في الوقت الذي لا تدّخر فيه الحكومة جهدا للتسويق لخطابات تُهلل بنجاعة وتنافسية الاقتصاد المغربي ، وقدرته على مجارات التطورات المتسارعة للمطالب الشعبية ،وقدرته على التصدي لرياح الأزمات التي تعصف باقتصادات أقوى بكثير من اقتصادنا المتهالك..يتم الترويج لمثل هذه الخطابات الحالمة والأرقام "المموهة" في سياق يعاكس كل الوقائع المعيشة على الأرض ،والنتائج الملموسة لسياسات الهروب إلى الأمام، وإدارة الوجه عن الحلول الحقيقية التي من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. إن الخروج من النفق الذي دخله المغرب على جميع الأصعدة، يستدعي الترفع عن الحسابات السياسوية و الانتخابية التي لم تجر على البلاد والعباد غير الويلات والمآسي الاجتماعية والاقتصادية،وما التقهقر المتزايد وغير المسبوق للقدرة الشرائية للمواطن إلا مؤشر من مؤشرات الأزمة التي أحكمت قبضتها على كل مناحي الحياة.. نحن لا نقول هذا لتشاؤم مَسّنا في عقيدتنا التي تتأسس على التفاؤل كأساس للحياة والعمل ،ولكنها الوقائع والأرقام تنضح بالحقيقة التي لا ينبغي الخجل من الاعتراف بها وتقبلها. إن قبول الحقيقة و الاعتراف بها ،هو أول الطريق الذي سيقودنا بدون ريب إلى وضع القدم الأولى على درب الخروج من الأزمة،ولنا في ما يجري الآن بالولايات الأمريكيةالمتحدة العبرة،فقد اتفق الجميع بما فيهم الجمهوريون و الديمقراطيون على ضرورة التحرك وبأقصى سرعة، من أجل إنقاذ البلاد من كارثة اقتصادية هي آتية لا محالة إن لم يتم التصدي لها بتضافر الجهود ، بعيدا عن الحسابات السياسية والحزبية، وكانوا من قبل ذلك قد قرروا بإجماع الحزبين الزيّادة في الضريبة المفروضة على الثروة والتخفيض من نفقات البروتكولات الوزارية و الدبلوماسية، في الوقت الذي كنا نحن فيه نقررالزيّادة في المحروقات، ونتراجع عن مشروع الضريبة على الثروة، والتلويح برفع الدعم عن المواد الأساسية وإلغاء صندوق المقاصة و و. ينبغي أن نَدَع للبلاد فرصة الاستفادة من خدمات كل أبناءها كل من موقعه،لا إقصاء بسبب الانتماء السياسي أو العرقي ، ولا حتى الطبقي..ولن يتسنى ذلك سوى بتحييد المصلحة الحزبية والفردية جانبا، ووضع مصلحة البلاد و العباد فوق كل اعتبار .. نصدح بهذا بملء أفواهنا ، لعل صوتنا لا يرتدّ إلينا ككل مرّة، و لعله يجد له صدى لدى كل من يعنيه الأمر.