سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. عمار الطالبي ود. عبد الرزاق قسوم في مقابلة مع "التجديد" حول قضايا العمل الإسلامي بالجزائر وقانون الأسرة والفرنكوفونية وآفاق الوحدة بين الشعبين المغربي والجزائري
في رمضان المنصرم استضاف المغرب ثلة من العلماء والدعاة من مختلف بقاع العالم للمشاركة في الدروس الحسنية الرمضانية، "التجديد" انتهزت الفرصة وأجرت ندوة مع عالمين جزائريين تحدثا فيها عن العمل الإسلامي بالجزائر وقانون الأسرة والفرنكوفونية والعربية وآفاق الوحدة بين الشعبين المغربي والجزائري. وقد شارك في الندوة د. عمار الطالبي أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر ومدير جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية سابقا، ورئيس المجلس العلمي لولاية الجزائر حاليا، ود. عبد الرزاق قسوم أستاذ جامعي في شعبة الفلسفة وعميد سابق لأصول الدين بالجزائر ونائب رئيس جمعية العلماء الجزائريين حاليا وباحث في مجال العلوم الإسلامية، وأدارها عبدلاوي لخلافة. مرحبا بضيوفنا الكرام ببلدهم المغرب، سؤالي الأول، عرفت البلدان الإسلامية تنظيم شؤون المرأة والأحوال الشخصية ما هي تجليات المطالب المحلية في هذا الإصلاح والإملاءات العولمية الخارجية؟ د. الطالبي: لاشك أن المرأة في العالم الإسلامي عموما مظلومة، من حيث الأوضاع الاجتماعية والعادات وليس من حيث توجبهات الشريعة، لأنه لو طبقت هذه الأخيرة لكانت المرأة في موقع اجتماعي أفضل ولها جميع حقوقها، وهذه النقطة استغلها كثير من الغربيين، ومن سلك مسلكهم، ليهاجم الإسلام نفسه، وفئة قليلة داخل المجتمع الإسلامي تريد أن تجعل المرأة المسلمة امرأة غربية، فهي غرّبت وتريد أن تغرّب، كما أنها فئة نشطة وتريد أن تفرض رأيها على الأغلبية، ولهذا نجد أن أصحاب هذه الدعوات يركزون على وضع المرأة والأسرة في كل المؤتمرات الخاصة بمشاكل المرأة. ولهذا فإن قانون الأسرة يتعرض لتعديلات وتشريعات من أجل أن تخرج المرأة المسلمة عن القوانين الشرعية الإسلامية وتتبنى القوانين الغربية. ويؤكدون بالأخص على مسألة التعدد، وهو ليس مشكلا أصلا، لأنه غير واجب شرعا، ثم ثانيا هو أمر مباح للضرورة، وثالثا لا يوجد من يعدد الآن، وأغلب الناس بالكاد لا يستطيعون أن تكون لهم امرأة واحدة سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، وبالتالي فهي مشكلة مزيفة. وكنت شخصيا في لجنة وضع قانون الأسرة الجزائري السابق وأرسلت إلينا سيدة تقول: إياكم أن تمنعوا التعدد فإنه أن يكون لي ربع رجل أحسن أن أكون بلا رجل فهي مسألة تخضع للضرورة، وفي الواقع نجد التعدد بنسبة واحد بالألف. د. قسوم: أنطلق من حيث انتهى الأستاذ عمار الطالبي فأقول، إن المرأة المسلمة أنصفها الإسلام وظلمها المسلمون، فهي إذن ضحية جهل مزدوج: أولا ضحية جهل المسلمين بالإسلام وعدم تطبيقهم له، وضحية جهلها هي بالإسلام وعدم فهمها له، فلو فهمت الإسلام كما ينبغي لطالبت بأن يطبق الإسلام عليها. ثانيا، الإسلام يضمن لها استقلالية شخصيتها من ناحية الذمة المالية، ومن ناحية إعطاء رأيها في الزواج أي يتطلب الأمر رضاها ثالثا، أن الولي ليس انتقاصا من قيمتها، كما يزعم البعض ولكن الولي هو ضمان لحقوقها، لأننا عندما نقول لا نكاح إلا بولي، فالإسلام يهدف من وراء هذا أن الولي هو صمام الأمان بالنسبة لهذا الزواج. فمن ضمن غدا للمرأة إذا وقع خلاف بين الزوجين أن يقول: أنا كنت ضامنا أو كنت شاهدا، فنحن عندما نعقد أي عقد اقتصادي نضع عقودا وشهودا، فلماذا نعمل بهذا في المال ولا نعمل به في البيت. والنقطة الأخرى هي أن أعداء الإسلام يحاولون هدم البيت الإسلامي من الداخل، وهدم دعامته الأساسية التي هي المرأة وبالتالي فنحن نقول إن هذه معركة مصطنعة، وأن الحل الحقيقي لمشكلة المرأة يكمن في حل مشكلة الإنسان بجنسيه، لأن وجود التخلف يشمل الجنسين، وإذا كان هناك من إنصاف فيجب إنصاف الجنسين، فلا يمكن أن نقول إن الرجل متقدم والمرأة متخلفة أو العكس، فالتقدم جزء لا يتجزأ وكذلك أيضا التخلف. فنحن متخلفون بجنسينا ومظلومونا بجنسينا، والحقوق التي نطالب بها تكون للجنسين معا في نطاق إسلامي موحد. ما هو دور جمعية علماء الجزائر في معركة الإصلاح هاته؟ د. قسوم: ما يسجل لجمعية علماء الجزائر حاليا ولرئيسها الشيخ عبد الرحمان شبان بالذات هي أنها تقود عملية التوعية بخطورة الموضوع وليس المواجهة، فعندما كانت مشكلة المنظومة التربوية كانت جمعية العلماء هي التي دعت إلى ما يسمى باللجنة التنسيقية الوطنية من أجل مدرسة أصيلة. والآن مع مدونة الأسرة أو ما يسمى بقانون الأسرة كانت الجمعية سباقة إلى دعوة الأحزاب الوطنية على اختلاف انتمائها إلى الوقوف ضد هذا النوع من الاعتداء على الأسرة والأنثى للمطالبة بتنبيه المسؤولين والدولة والشعب والنواب وكافة الفئات الأخرى إلى هذا. وفي هذا عقدنا يوما في المجلس الوطني مع البرلمانيين، وكان يوما للنقاش وإبداء الملاحظات، ونبهنا جميع النواب أن هذه أمانة حملهم الله إياها، فإن هم صادقوا على هذا القانون فإنهم سيسألون عنه يوم القيامة، ومازالت جمعية العلماء تعمل من خلال حزب حماس والإصلاح والنهضة وبعض الوطنيينس من جبهة التحرير الوطني، وحاولنا أن ننبه إلى خطورة الموضوع ونأمل من السلطات العليا أن تستجيب لنداءات المجتمع وقاعدته حتى لا تقع في هذا الخطإ الفادح الذي مآله الوبال على المجتمع بكامله. د. عمار: أشير هنا إلى أن جريدة البصائر كتبت تعليقات كثيرة على مشروع القانون هذا، وبينت ما يخالف الشريعة وما يتفق معها كتعبير منها لجمهور الناس، وكذلك الطرق الصوفية نفسها تجندت ولم توافق على بعض تعديلات القانون، مما يدل على أن المجتمع الجزائري في مجمله وأغلبيته المطلقة لا يمكن أن يقبل أن يكون في قانون الأسرة أي بند يخالف الشريعة الإسلامية، وأما هذه الفئة القليلة جدا، والتي لا تمثل حقيقة المرأة الجزائرية تلح على تلك التعديلات. ولكنها رغم ذلك فهي فئة منظمة؟ د. عمار: لاشك في هذا فهي فئة فعالة وتريد فرض رأيها ولا أعتقد أنها ستنجح إذا تركت الحرية للناس وروعي الرأي العام في الموضوع، هذا ما نعتقده، وبقي رأي البرلمان، الذي له الكلمة النهائية، وأعتقد هنا أن البرلمانيين يمثلون رأي الشعب، ونعلم أن التشريعات أساسها الفلسفة الاجتماعية والعقيدة التي يؤمن بها الشعب وإرادته العامة. وإذا كان غير هذا، فمعناه أن القانون يفرض على الناس رغم أنوفهم وهذا مما لا يقبل في الجزائر التي هي بلد ثورة وحرية ومادمنا ننادي بالديمقراطية فلنترك الكلمة للشعب. وإذا خالفنا الرأي العام في هذه المشكلة فمعناه أن الديمقراطية شعار وكلام لا معنى له. هل قدمتم مشروعا في هذا الإصلاح؟ د. قسوم: لا أعتقد أن هناك مشروعا مضادا للمشروع الحالي لكن هناك مطالبة بالتخلي عن بعض المطالب كتعديل للمشروع أو بتعديل التعديل، لأن المشروع ينصب على ثلاث نقاط أساسية: 1 إسقاط الولي. 2 تعدد الزوجات. 3 التكفل بالأمهات العازبات في نطاق كفالة اليتيم. هذه النقاط الثلاثة، نطالب بإسقاطها لأنها لا تتماشى أولا مع قيمنا وأخلاقنا، ولا تتماشى مع المبادئ الإسلامية الصحيحة، فإذا قبلنا بمبدإ الأمهات العازبات، فمعناه تشجيع الفتيات ليصبحن أمهات عازبات، وإذا شجعنا إسقاط الولي فنحن نشجع الزواج الخفي أو زواج المتعة والخليلات تحت غطاء لا وجود لولي، ومنع تعدد الزوجات يشجع العنوسة وكما يقال: زوج من عود خير من قعود".ونحن نطالب بإسقاطها من قانون الأسرة ليحافظ القانون على إسلاميته. د.عمار: هل يمكن أن تقبل البنت في مسألة تهم الأسرة على شيء مهم من الناحبة الأسرية والاجتماعية والشرعية بانفرادها ولا تستشير أسرتها ولا والديها؟ فالقضية تتعلق بالأسرة كلها، لأنها إذا أخطأت في هذا الزواج، فهذا يؤدي إلى مس سمعة الأسرة نفسها، ولا يقبل أفراد الأسرة بأن تنفرد المرأة بتزويج نفسها في الشارع، ومن الناحية التضامنية والاجتماعية بين أفراد الأسرة لابد أن يكون رضى الأب والأم، لأن رضاهما يدعم البنت وإذا حصل لها شيء تجد من يدافع عنها، أما إذا زوجته نفسها بنفسها ولم تستشر أسرتها، فيمكن أن تقع في زواج خطر عليها وتتحمل المسؤولية فيه ذاتيا وقد يعرضها الأمر إلى التشرد، لأن الأسرة ستقطع صلتها بها لعدم استشارتها، وهذا يحدق خللا من الناحية الاجتماعية والأسرية، والآن البنات يخترن أزواجهن وعلى الأقل أن تستشار الأسرة، وهذه الأخيرة لا تمانع أن تتزوج ابنتها ممن يرضونه خلقا ودينا. وإذا امتنع أحد الوالدين على زواج البنت لغير غرض شرعي فلها أن تلجأ إلى وساطة بينها وبينهما أو القضاء لأن الإكراه لا يوافق عليه الشرع، لكن لابد من رضى البنت، وقولنا بضرورة الولي ليس معناه أن الولي يكرهه ويلزمها بالزواج أو عدمه، بل لابد من رضاه. يتشابه المغرب والجزائر في هيمنة الفرنكوفونية على تدبير الشأن العام، كيف تنظرون إلى هذه الهيمنة؟ د. قسوم: ما يمكن أن نسجله بخصوص هذا الموضوع، هو أن قضية الفرنكوفونية وقضية الأسرة متكاملتان، لأن كل واحدة من هذه القضايا نابعة من محاولة غز ثقافي أو انسلال ثقافي بخصوص هذا الموضوع. إذا سلمنا بأن عملية هدم بيت الأسرة يدخل ضمن نطاق المخطط العالمي (مؤتمر بكين والقاهرة وما إلى ذلك، فإن عملية الفرنكوفونية هي عملية سلخ للذات من هويتها وشخصيتها ومن مكانتها الثقافية والحضارية، لذلك نلاحظ وللأسف الشديد في الجزائر عودة قوة وعنيفة للفرنكوفونية بجميع أشكالها. فقد كنا في بداية الاستقلال عندما يريد الفرد التكلم بلغة أجنبية يطلب العفو من مواطنيه، ويقول: أنا ضحية الاستعمار، أما الآن فالعكس، فأنت تطلب العفو عندما تتكلم بالعربية لأن كل واحد أصبح يتغنى بالفرنسية. نحن لسنا ضد الفرنسية كلغة أو ضد أي لغة كانت، فنحن مع الانفتاح على كل اللغات الأجنبية، ولكن ندعو إلى هذا من دافع الحفاظ على شخصيتنا وثقافتنا أولا، بعد ذلك ندخل الحوار مع الثقافات الأجنبية. ونجد الآن، حتى اللافتات المكتوبة على المحلات أصبحت بلغة واحدة هي الفرنسية، وهذا مخالف للدستور أولا، ومخالف لمبدإ الثقافة، ومخالف للقيم الوطنية. وجمعية العلماء هي حاملة لواء هذا الدفاع الذي وضع أسسه الشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله: الإسلام ديننا والعربية لغتنا، والجزائر وطننا، وهذا الثلاثي المقدس تعمل الجمعية الآن على توعية الناس به، وكل الكتابات المنشورة في جريدة البصائر تجد هذا العمل، وفي المساجد نقول للناس: من حق الدولة أن تعمل كذا أو تقول كذا، ولكن أنتم كشعب لماذا تكتبوا على محلاتكم بلغة أجنبية؟ فمن يأكل عندكم الأكل الخفيف فهل هو مسيو جون أو جاك أم يأكل محمد وأحمد؟ إذن فلتكتبوا له بلغته! ولنتسامح ولنكتب بجواره بلغة أجنبية، أما وأن تكتب بلغة أجنبية لمجتمع مسلم فهذا ضلال. الدكتور عمار بصفتك مديرا لمعهد الأمير عبد القادر ما هي جهودكم في هذا الإطار؟ د. عمار: لاشك أن اللغة عنصر مهم في الحياة الثقافية والاجتماعية وعنصر مهم في تكوين الشخصية المتميزة، لأن الإنسان يكون اللغة وتكونه، ويمتص قيمه الاجتماعية والأخلاقية والدينية من خلال اللغة. فإذا وقع في هذا خلل وزاحمتها لغة أخرى وأزاحتها، فمعناه أن الشخصية وقع فيها خلل، وستخضع لثقافة أخرى وتأثيرات أخرى مما يؤدى إلى ذوبان هذه الشخصية الاجتماعية المتميزة بلغتها ونحن نقول هذا، ولا ندافع عنه بتعصب، بل بطريقة علمية وتربوية ووطنية واجتماعية. فاللغة لا يمكن أبدا التفريط فيها، ولا جعلها لغة ثانوية ولا أن نتسامح مع من يريد أن يدخل عليها ضرتها، وقد قال الشيخ الإبراهيمي رحمه الله: اللغة العربية في دارها حرة ليس لها من ضرة. ونحن اليوم نتعرض في لغتنا العربية لضغوط كثيرة، إما بسبب اللغة الفرنسية أو الأمازيغية أيضا، وبعض الناس الذين يدعون إلى الأمازيغية لا يقصدونها لذاتها وإنما يقصدون الفرنسية ولذلك نراهم يتكلمون الفرنسية في الدفاع عن الأمازيغية، وبعضهم لا يفهم الأمازيغية أصلا، ولا يترك أبناءه للذهاب إلى مدارسها، وبهذا الاعتبار فاللغة العربية مقصودة بأن تزاح عن الحياة العلمية والثقافية، ومع الأسف نجد الذين يدعون إلى هذا هم فئة قليلة، وتقادم بها العهد، ونحن لا ننكر عليهم، لأنهم خضعوا لظروف تاريخية معينة ارتبطت بعهد الاستعمار، ولكن المفروض ألا يتشبثوا بهذا، بل عليهم النظر إلى الأجيال القادمة، ونحن نجد هذه الأجيال تتكلم العربية، بل أصابهم ضعف في الفرنسية ولا يحسنونها، ولا نريد طالبا مذبذبا، لا يحسن العربية ولا الفرنسية، فنحن ندافع عن العربية لا لكونها عربية، بل لأنها لغة القرآن والمسلمين في العالم، ولا يمكن فهم الإسلام إلا باللغة العربية. فالفهم الحقيقي للقرآن والسنة وللدين لا يكون إلا بلغته الأصلية العربية، وهذا ما يمتاز به الإسلام، بخلاف المسيحية التي كانت بالأرامية، والتوراة التي بالعبرية. وهذا ما يمتاز به القرآن لحفظ الله له بلغته وصيغته ومحتواه، وهذا ما يجعل الوحدة بين المسلمين وحدة الفهم والمصدر والاتجاه والشخصية، فالله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وإذا تخلينا على اللغة فإننا تخلينا عن الشريعة. وهذا لا يمنع أن نتبنى كل اللغات الأجنبية، فالإسلام لم يحارب اللغات الأخرى، وإنما حث المسلم على تعلم اللغات الأخرى، ولا يمكن أن يكون المجتهد مجتهدا إلا إذا أتقن اللغة العربية وفهم أسرارها مما يمكنه من أن يفهم التشريع الإسلامي ويفهم القرآن والسنة. ودفاعا على العربية لا من أجل القوميات التي تدعو إلى أن اللغة العربية هي العنصر الأساس للوحدة، وإنما ندافع عنها باعتبارها مصدر شريعتنا وحياتنا الإسلامية مع التفتح على اللغات العلمية الأخرى. ما الذي يميز العمل الإسلامي بالجزائر؟ د. عمار: أصبح العمل الإسلامي بالجزائر يشتغل في صورة أحزاب لها طابع سياسي، ولكنها تدعو إلى القيم الإسلامية، وتمكينها من هذا يفيدها، فالسياسة مجال فعال للوصول إلى تحسين الأوضاع والتقدم بالبلاد إلى الأفضل. فأن يكون الإنسان منعزلا عن الحياة وتجددها ويقبع في مسجده ومنزله ويدعي أنه يخدم الإسلام فلا أعتقد أن هذا مفيد. لكن الأحزاب لوحدها غير كافية، فعلى المؤسسات ومراكز الأبحاث والمؤسسات التربوية العمل على تربية النشء على الإسلام، لأن الأحزاب يغلب على عملها الطابع السياسي على الطابع الإسلامي، وتقع في صراعات سياسية مما يفرض وجود مؤسسات مدنية مثل جمعية المحافظة على القرآن الكريم والمحافظة على السنة النبوية ونشرها، وجمعيات أخرى للبحوث ومقارعة الأفكار التي تريد أن تطبق طريقة نقد الكتاب المقدس على القرآن، لأن ما نجد في الإنجيل هو مجرد قصص كتبها بشر وتنسب إليهم: لوقا ومتى ومرقص... بخلاف تفرد القرآن بهذه الخصائص وهذا ما يجعله يتعرض لهجومات تريد أن تعامله مثل الكتب الأخرى لشعورهم بأن كتبهم ليست أصيلة، ويريدون إلحاق القرآن بها، فلابد من جمعيات بحثية تدرس تلك الاتهامات وتكون لهم مجلات تختص بالدراسات القرآنية أو الحديثية تبين الموضوعة والصحيحة منها. ويجب على العاملين في العمل الإسلامي استغلال الانترنيت في التبليغ للناس، وهذا يتطلب عزيمة كبيرة للدفاع عن الإسلام من اتهامه بالإرهاب والعنف وبيان الحقيقة الإسلامية من خلال نصوص القرآن والسنة الثابتة. وهذا لا ينفع معه التباكي، بل علينا أن نعمل كل من جهته (مؤسسات مدنية ورسمية)، لوجود ضغوط خارجية كبيرة تريد تغيير مناهجنا التربوية وتبعد عنها العنصر الإسلامي. وأقول، شخصيا إن العقول الإسلامية أنشأت ما نلاحظه من عنف، ناتج عن دراسات منغلقة، فيعلم الجاهل صديقه الجاهل، فلا تكون هناك دراسة موسعة ليكون الذهن على دراية حقيقية بالإسلام، ولابد من العمل على نشر ثقافة إسلامية عامة بين الشباب والطلبة لتجنب الفتنة داخل المجتمع وقتل المسلم لأخيه. فلابد أن نبين للناس الحقائق ونحن لم نقم بهذا بفاعلية إلى يومنا هذا بالعمل على توفير نماذج من الدعاة تمثل الإسلام في سلوكها وأخلاقها وطريقة دعوتها إلى الله، وتجاوز التعامل بالجزئيات. الأستاذ عبد الرزاق، ألا يؤثر انخراط المسلمين والحركات الإصلاحية في العمل السياسي على عملها الدعوي؟ د. قسوم: لا مانع أن يشتغل العمل الإسلامي بالسياسة انطلاقا من أن الإسلام دين ودولة، ولكن لاشتغال العمل الإسلامي بالسياسة مجموعة من الشروط والضمانات يجب أن تستحضر في هذا الموضوع، من ذلك عدم تغليب الجانب السياسي على الجانب العلمي والدعوي والثقافي، لأننا مع التنافس السياسي وعدم ترك المجال خاليا للعلمانيين ولمن يناوئون الإسلام، ولكن ينبغي علينا ألا يكون هذا على حساب تكوين العقل والإنسان، لابد من الوعي وإعادة إحياء المؤسسات الخاصة بالقرآن الكريم وتعليمه وإنشاء مؤسسات متخصصة في النشاط الثقافي وفي المرأة والطفل والعناية بهما. والثانية عدم الدخول في خلافات بين العاملين في الحقل الإسلامي وعدم نشر الغسيل بين الناس، فهذا بذلك يسيء إلى الإسلام والعمل الإسلامي. ثم الدعوة إلى الابتعاد بالعمل الإسلامي عن التعصب وأنواع الغلو، فالعمل الإسلامي يتميز بالساطة والتسامح والتفاهم والتكامل، وإذا فقد هذا فقد العمل الإسلامي معنوياته. ثم إعطاء القدوة في كل الميادين، عندما يعمل المسلم في العمل السياسي فينبغي أن يكون نموذجا لمناضلي باقي الأحزاب في النزاهة وحسن التعامل وإيثار الناس والزهد في المصالح الشخصية وتغليب المصلحة العامة، هذه كلها أخلاق يمكن أن يقدمها المشتغل بالعمل الإسلامي، ونحن نقول بالجزائر: الذي يعمل في العمل الإسلامي هو الصابون الذي نغسل به الأوساخ، فإذا اتسخ الصابون فبماذا نغسله؟ فالعامل في هذا المجال الإسلامي له مسؤوليات عظيمة للتوفيق بين ما هو إسلامي وعلمي ثقافي وبين ما هو عمل سياسي استراتيجي مما يمكنه من تحمل المسؤوليات وتغير الأوضاع. ما بعد انتخابات الجزائر، حدثت تغيرات في العمل الإسلامي بالجزائر، ما وضع جبهة الإنقاذ ما بعد الانتخابات الآن؟ د. قسوم: العمل الإسلامي لا ينبغي أن نختزله في الجبهة الإسلامية للإنقاذ فقط، فهي من الناحية القانونية لم تعد موجودة، لكنها عمليا موجودة لأن قواعدها والمنتمين إليها والذين اشتغلوا في وقت ما بحزبيتها، هؤلاء ما زالوا موجودين، لكن يحول القانون دون شغلهم، والذي أعلمه أن هذه القاعدة انتخبت الرئيس بوتفليقة، وأيدته في الانتخابات الماضية على عكس ما كان متوقعا، أي المفروض أن تكون مع الأحزاب الإسلامية الأخرى، لكنها ولأسباب نجهلها ولأسباب تعلمها هي ولمصالح تعلمها هي أيدت الرئيس، ولعل هذا لمصلحتها، ونحن نلاحظ الرئيس بوتفليقة يلوح لما يسمى بالعفو الشامل، لعل هذا نتيجة ذلك التأييد. على أية حال العمل الإسلامي بعد الانتخابات، يجب عليه أن يعيد النظر في كل شيء، في ينيته وقياداته ومنهجية عمله، وفي تعامله مع باقي الأحزاب ومع السلطة، ويخضع كل ذلك للتحليل. ونعتقد أن الأغلبية للإسلام في الجزائر، ولكن فوجئنا في عمل الأحزاب الإسلامية التي دخلت الانتخابات أنها لم تحظ إلابنسبة ضئيلة جدا، وهذا يطرح علينا أكثر من سؤال، فالعمل الإسلامي بالجزائر موجود ولكنه فوضوي ومبعثر، فيحتاج إلى لم الشمل وإعادة تنظيم وإبراز قيادات جديدة تكون قد استفادت من أخطاء القيادات السابقة حتى لا تكرر الأخطاء الماضية. د. عمار: أعتقد أن على العمل الإسلامي أن يتعاون مع الأطراف الأخرى وكذلك العكس من أجل مصلحة البلاد حتى لا يقع الصراع بين الإسلاميين في ما بينهم، أو بينهم وبين غيرهم. فالسياسة هي التوازن بين التيارات المختلفة، والديمقراطية هي آلية إيجاد هذا التوازن من أجل قدر مشترك لمصلحة البلاد وتجاوز ما تعانيه من التمزق وضعف في التوجيه الاقتصادي والاجتماعي والعلمي. وهذا ما يجعل الكفاءات المهمة في معزل، والجزائر تحتاج إلى كل هذه الكفاءات بمختلف اتجاهاتها على أن يكون هدفهم مصلحة البلاد، ولا أحسب أن حزبا واحدا ينبغي أن يسيطر ويبعد من السلطة بقية الاتجاهات فهذا يؤدي إلى تسيير البلاد برأي واحد، وهذا جربناه في العالم العربي، وهو أن الفرد الواحد إذا استبد أدى بالبلاد إلى دمار البلاد مثلما رأينا في العراق، فلابد من تغيير ما بعقولنا إزاء العمل الجماعي وفق ديمقراطية للوصول إلى منظومة مشتركة تجنب الوقوع في أي خلل، والشعب إذا اختار لابد أن نحترم اختياره، وإذا كان هناك حزب يعمل ضد مصلحة البلاد فنحن لا نقبله. توحد المغرب والجزائر في محطات نضالية مشتركة وفي محطات تحررية متعددة، كيف نرى هذه العلاقة حاليا؟ د. عمار: نحن في اعتقادنا منذ شبابنا نعلم أن المغرب يمثل وحدة نضالية واقتصادية وسياسية، مما يفرض الوحدة مع الجزائر وباقي دول العالم العربي ونحن في عصر التكتلات العالمية، وإذا بقي كل طرف منعزلا فلا وزن له، فما زلنا نعتقد هذا الاعتقاد ونعمل من أجله، أن تكون هناك وحدة بين أبناء المغرب العربي، ونبدأ بالنواحي الاقتصادية التي ربما لا نختلف حولها، فبماذا نواجه الاتحاد الأوروبي بدولة منفردة؟ لابد من التوحد كتلة واحدة، ويجب أن نناضل من أجل إعادة هذا الفكر، الذي يربط البلدين كما حصل في بداية التحرر من الناحية الثقافية والمعرفية والدينية، فكل المقومات متوفرة بقي عنصر واحد هو الإرادة السياسية لننظر إلى مستقبل الأمة في بعيد، لا أن ننظر إلى الظروف الحالية المتغيرة، وبهذا فالاستراتيجية تكمن في الوحدة والبداية بالوحدة الاقتصادية، وإذا بقينا هكذا فلا وزن استراتيجي لنا ونحن في عصر العولمة، فكيف نواجه تيارها الجارف الذي يقضي على الأخضر واليابس، وعلى اقتصادنا، أما إذا واجهناه باعتبارنا كتلة واحدة نستطيع أن تكون لنا كلمة أو نص كلمة في المجتمع الدولي. وهي خير من لاشيء. د. قسوم: المغرب والجزائر أعطيا مثلا في النضال المشترك ضد العدوان المشترك وقد أتى هذا التضامن أكله وبنتائج طيبة وهو نيل الاستقلال. لكن لا أجد أي مانع من هذه الوحدة التكاملية بين كل أجزاء المغرب العربي، فنحن نتوق من بنغازي إلى طنجة، أن تزال التأشيرة فيتحرك المواطن ببطاقة التعريف فقط. وعمليا الحدود زائلة بخلاف الحدود المصطنعة، فمن الذي يفرق بين المغربي والجزائري لو لم تبرز الشخصية لتشابه اللغة والدين والمذهب والتقاليد والعادات والتاريخ الواحد والمشاكل، نحن نملك أفضل من أي منطقة أخرى من عوامل الوحدة والتكامل، فنبدأ بإزالة الحدود المصطنعة، ونقيم تبادل اقتصادي. والنقطة الثانية، أننا محتاجون إلى تكامل اقتصادي فنحن ننتج الغاز والبترول والمغاربة يمتلكون الفلاحة، ونحن محتاجون إلى منتوجات الفلاحة وأنتم إلى الغاز، فلماذا تأخير هذا التكامل؟ وكما أن المغاربة يد عاملة فنانة في الزخرفة وعاطلة ونحن محتاجون لعمل هذا، فلماذا لا نتكامل؟ وكذلك بالنسبة للعملة لماذا لا تتوحد إسوة بأوروبا. وهذا يمكننا من مواجهة التكتلات الاقتصادية. والوحدة الثقافية موجودة ولكن يجب أن نجسدها كجامعيين وأن تتم مناقشة رسالة جامعية من الطرفين، أو أطراف المغرب العربي، وهذا يعطي العمل بعده العلمي والعالمي وفي تبادل المعلومات، وهذا له أهمية، لأنه يعمق الوعي بكينونتنا وبوجوب وحدتنا، وإذا تم تجسيد كل ما سبق فالمغرب والجزائر مؤهلان لأن يكونا في مقدمة القاطرة التي تقود باقي القاطرات. د. عمار: أريد أن أضيف أن الأحزاب السياسية كانت تنسق في بداية الاستقلال في عملها لكنها اليوم لا تدعو إلى هذه الوحدة، بل أصبح كل حزب ينطوي على وطنه ويريد أن يصل إلى الحكم، والمفروض عليه أن يمد نظره ويتعاون مع الأحزاب الأخرى للضغط على الإرادات السياسية، وندعوها لتتفطن إلى هذا الجانب، وتتخذ درسا تاريخيا، والعولمة والتكتلات الاقتصادية تدعونا إلى هذا، والمفروض من "التجديد" أن تنبه إلى هذا. نشكر ضيفينا الكريمين