غريب أمر حكومة ابن كيران، حكومة لم يسبق لها نظير في تاريخ المغرب، منذ حكومة عبد الله إبراهيم. فبمجرد ظن وزرائها أن المسحوق الذي يمكن من تلميع واجهات وزاراتهم والطلاء الذي يعكس بريق تطلعات المغاربة هو نشر لوائح كيفما كانت طبيعتها، أخذ كل وزير من موقعه الخاص يتسابق لنشر لائحة يبتغي من ورائها تلميع صورته، ومحاولة إقناع الشعب المغربي بعمله الجاد والإيحاء بمثابرته وفضح المفسدين ومحاربة اقتصاد الريع. فبعد نشر وزير النقل والتجهيز للوائح المستفيدين من اقتصاد الريع في شكل المأذونيات أو ما يصطلح عليه لدى المغاربة ب "لكريمات"، وما أثاره ذلك من زوبعة في فنجان، لا شيء قد تغير ما زال المستفيدون يراكمون أرباحهم، والمواطن المغربي لا ناقة له ولا جمل في نشر أسمائهم أوعدمه، لدرجة أن الأمر لا يهم إن عرف صاحب مأذونية أم لم يعرف بقدر ما يتم التوجيه بعيدا عن التفكير الجدي لسن قوانين تعطي للمغاربة قاطبة الحق في الاستفادة من خيرات بلاده على قدم المساواة وتكافؤ الفرص. ليأتي وزير التربية الوطنية بدوره فيطالع المواطنين المغاربة بلائحة المحتلين لمساكن الدولة بغير شرع ولا سند قانوني، دون أن يمس ذلك المنظومة من قريب أو بعيد، رغم أنه صدرت من قبل أحكام قضائية في بعض منها بالإفراغ، والمسطرة القضائية آخذة طريقها، ولا شيء قد تغير. وفي الأيام القليلة الماضية، عادت أسهم وزارة التجهيز والنقل إلى الارتفاع من بين الناشرين، حين نشر الوزير لائحة أخرى وهي المتعلقة بالمستغلين للمقالع بالتراب الوطني، لكن وزير الصحة لم يجد لائحة ينشرها، فعمد إلى نشر لائحة الأدوية التي تم تخفيض أثمنتها، ولم ينشر أسماء الجماعات والأقاليم التي تفتقر إلى مستشفيات ومراكز صحية، ولم ينشر أيضا الإحصاءات المتعلقة بعدد الأطباء المعالجين ل 30 مليون نسمة، وتعميم نظام المساعدة الطبية والبدء بأهل الدار ( الأطباء والممرضون ) الذين هم في أمس الحاجة إلى تغطية صحية بسبب عرضتهم للمخاطر وتدفق كل الأمراض المعروفة في تاريخ البشرية إلى داخل المستشفيات والمراكز الصحية. فموضة اللوائح لم تستثن مجلس النواب؛ إذ أصبحت السنة نشر لائحة النواب المتغييبين على موقع المجلس بعد تلاوتها في بداية كل جلسة. فهل سيطالعنا باقي الوزراء بلوائح تهم وزاراتهم في الأيام القابلة، بعدما أصبح نشر لائحة أو لائحتين موضة وقدوة للديمقراطيات العالمية، أم أن الأمر لا يعدو كونها العاصفة التي تسبق المطر؟ ولست أدري ما إذا كان ابن كيران سيخرج بدوره في الحصيلة الشهرية القادمة لينشر بدوره لائحة أسماء الوزراء الذين نشروا لوائح عن القطاعات التي استوزروا عليها.