أثار نشر قائمة المستفيدين من مأذونيات «الكريمات»، التي كشفت عنها وزارة التجهيز والنقل، استغراب مجموعة من نقابيي قطاع النقل الطرقي، الذين طرحوا علامة استفهام كبرى حول دواعي إقدام الوزارة على نشر هذه اللائحة التي ضمت 4118 مستفيدا، من ضمنهم أسماء وازنة في عالم السياسة والفن والرياضة، إضافة إلى شخصيات عسكرية ودينية، معتبرين أن الأمر له دواع وأسباب يجب على الحكومة أن تكشف عن حقيقتها. كما تساءلوا إن كان سيتم سحب هذه الرخص أم ستظل دار لقمان على حالها. وقد انقسم النقابيون حول المغزى من نشر هذه اللائحة بين مشجع للمبادرة، التي اعتبرها جريئة وتستحق التنويه، وبين من اعتب أنها لن تضيف جديدا في موضوع اقتصاد الريع، الذي له جذور قوية، مازالت رواسبها مستقرة في وزارة الداخلية، التي تعتبر مربط الفرس فيما يخص موضوع «المأذونيات». الأمين العام للفدرالية الوطنية لمهنيي النقل، مصطفى الكيحل، أوضح في اتصال هاتفي ب«المساء» أن هذه الخطوة تعتبر جريئة بالنسبة للحكومة بشكل عام ولوزير النقل عبد العزيز الرباح بشكل خاص، معتبرا أنها أتت في سياق سياسي وليس مهني، لأن الحكومة قبل أن تنشر هذه القائمة قدمت وعودا للطلبة العاطلين بمنحهم رخصا للنقل المزدوج. وأشار الكيحل إلى أنهم طالبوا أكثر من مرة بأن تعطى الأحقية في منح المأذونيات إلى السائق المهني وليس إلى أشخاص عاديين بعيدين عن القطاع، مؤكدا أن منح «الكريمات» يتم في سياق لا تحترم فيه العدالة والمساواة الاجتماعية. وبالنسبة إلى العائلات التي وردت أسماؤها في القائمة، والتي تنتمي إلى الأسر الثرية في المغرب، قال الكيحل إن عليها أن تفهم العبرة من نشر أسمائها وتقوم من تلقاء نفسها بالتخلي عن هذه المأذونيات لمنحها لمن يستحقها من المواطنين. وتساءل المتحدث ذاته: «هل الأسماء الواردة في القائمة هي من حررت المغرب من الاستعمار؟ كل المغاربة قاوموا الاستعمار وغالبيتهم لم يستفيدوا من المأذونيات»، مضيفا «أنا حفيد مقاوم ولدينا الوثائق التي تثبت ذلك، ولكن لم أطالب يوما بمأذونية لأن من توفي في سبيل وطنه مات شهيدا ولم يمت من أجل الحصول على كريمة». ويرى الكيحل أن البرنامج الحكومي لم يشر إلى قطاع النقل، الذي عرف عدة إضرابات للمطالبة بحقوقه، التي يعتبرها مشروعة على اعتبار أهميته في الحياة الاجتماعية، موضحا أن الوزارة عليها إلغاء مأذونيات النقل المسافرين والعمل على تحرير القطاع من اقتصاد الريع. من جهة أخرى، تساءلت مصادر نقابية عن المغزى من نشر القائمة في هذه الظرفية بالذات، التي تعرف على حد تعبيرهم «احتقانا وغليانا» لم تعشه الحكومات السابقة. ولكسب ثقة الشعب المغربي، تضيف المصادر ذاتها, على الحكومة أن تحارب الفساد والمفسدين من الجذور، وليس فقط بنشر لائحة تتضمن أسماء عائلات ثرية وأسماء سياسييين وحزبيين، مؤكدة أن المسألة سياسية بكل المقاييس. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الحكومة يجب أن تكون صريحة بشأن إلغاء المأذونيات، وخوض معركة ضد اقتصاد الريع بكل جرأة وتحدٍّ. مبادرة حسنة وقد اعتبر عدد من النقابيين بقطاع النقل الطرقي أن القرار، الذي اتخذه وزير النقل والتجهيز، عبد العزيز الرباح، كان قرارا شجاعا واستجاب، في رأيهم، للمطالب التي سبق أن رفعتها النقابات المهنية في عهد الحكومات السابقة، ولكن لم يستطع أي وزير الاستجابة لها. وفي هذا الصدد، أكد محمد مطالي، رئيس اتحاد الجامعات الوطنية لسائقي ومهنيي النقل بالمغرب، أن الكشف عن لائحة المستفيدين من امتيازات المأذونيات يعد الخطوة الأولى ضمن خطوات محاربة اقتصاد الريع. وثمن المتحدث ذاته هذه المبادرة، واصفا إياها ب«الجريئة». وقال مطالي في تصريح ل«المساء» إن موضوع «الكريمات» والامتيازات الممنوحة للأعيان والعائلات الكبيرة في المغرب كان يشكل «طابو» لا يمكن الحديث عنه في ظل الحكومات التي تعاقبت على المغرب، موضحا أن إخراج القائمة إلى الوجود واطلاع الرأي العام عليها يعد تنزيلا حقيقيا لمضامين الدستور الجديد، معتبرا أن مطالب تحرير القطاع إذا لم يتم التعامل معها بشفافية ونزاهة فإنها ستكون بداية في طريق استمرار اقتصاد الريع بطريقة أخرى. وحذر المتحدث ذاته من المشاكل التي يعرفها القطاع، سواء تعلق الأمر بالسائقين أو بالمحطات الطرقية، التي طالب بتنظيمها حتى تعطى للمواطنين حقوقهم. كما تأسف على وجود أسماء وازنة من رجال سياسة وسلطة وفن ورياضة في اللائحة، وقال إن ذلك يحز في النفس لأن الواقع يكشف أن مجموعة من المواطنين المعوزين والمعاقين لم يستفيدوا من هذه المأذونيات، علما على أنهم في أمس الحاجة إليها. رخص سيارة الأجرة وفي الوقت الذي كشف وزير النقل والتجهيز عن قائمة المستفيدين من رخص «الكريمات»، طالب النقابيون وزير الداخلية بالكشف عن لائحة المستفيدين من لائحة رخص سيارات الأجرة، التي مازال يطالها، على حد قولهم، «اللبس والغموض». وقد طالب رئيس اتحاد الجامعات الوطنية لسائقي ومهنيي النقل، الذي تحدث بالإضافة إلى مجموعة من النقابيين بلهجة صارمة في موضوع «الكريمات»، بتوزيع خيرات البلاد بشكل عادل ومتساو، وأن يتخذ الوزير قرارا صارما بشأن من استفادوا من هذه المأذونيات عن طريق سحبها منهم. كما طالب أيضا بفتح تحقيق بخصوص المستفيدين من رخص سيارات الأجرة ورخص استغلال المقالع الرملية، التي قال إنها تعرف هي الأخرى عدة خروقات وتجاوزات. من جهته، قال محمد محظي، رئيس اتحاد النقابات المهنية لقطاع النقل بالمغرب، إن استفادة عائلات وأسماء وزانة وثرية ليست في حاجة إلى مداخيل «الكريمات» ليس بالغريب. وهذا الموضوع، يضيف محظي، سبق أن ناقشوه أكثر من مرة مع وزراء سابقين، ولكن قيام وزارة النقل والتجهيز بنشر اللائحة يعد، حسب تعبيره، مبادرة قوية ومقاومة صريحة للمستفيدين من هذه الرخص على مر السنين، لأنهم ليست لديهم الصلاحية في الاستفادة منها، يضيف محظي. وطالب رئيس اتحاد النقابات المهنية لقطاع النقل بالمغرب وزير الداخلية بأخذ المبادرة كذلك، سيرا على نهج وزارة التجهيز والنقل، عبر الكشف عن قائمة المستفيدين من رخص سيارات الأجرة على اعتبار أن وزارته هي الوصية عليها، وأن هناك لائحة ثانية يجب الكشف عنها ليطمئن الرأي العام المغربي، مشيرا إلى أنهم كنقابات سبق أن عقدوا اجتماعا مع وزير الداخلية امحند العنصر، حول هذا الموضوع، لكنه لم يقدم لم جوابا مقنعا في الموضوع. وفي رده على من قالوا إن القائمة لن تضيف جديدا فيما يخص محاربة اقتصاد الريع، صرح محظي بأن الإصلاح لا يأتي بشكل جذري وإنما يأتي على مراحل، ويحتاج إلى الصبر والنفس الطويل، مؤكدا أنه من المساندين للحكومة والداعمين لها فيما يخص محاربة اقتصاد الريع، معتبرا مبادرة الرباح الأولى في تاريخ المغرب.