بعد الكلمة الترحيبية، التي القاها الزميل "محمد باركا" بضيف الانبعاث، محمد بكريم، بمناسبة زيارته لمدينة اكادير للحضور في الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، تم استعراض أهم محاور هذا النقاش الذي كان مفتوحا وتناول المواضيع المرتبطة بالميدان السينمائي المغربي ومن خلاله علاقة الانتاج السينمائي بالتنمية الجهوية والإكراهات والإنجازات والرهانات المستقبلية للسينما الوطنية ومن خلالها السينما الأمازيغية. وقد عبر محمد بكريم عن سعادته بالحضور بمقر اكادير ميديا، منوها بجدية العمل الذي تتميز به جريدة الانبعاث من خلال هذه اللقاءات، بالإضافة إلى المشاريع الأخرى المرتبطة بالسمعي البصري والتواصل، مؤكدا كذلك على أهمية ودور وسائل الاتصال في التنمية، وأكد من خلال مداخلته أن حلمه بالعمل في الميدان السينمائي كان قديما نظرا لعشقه لهذا المجال وأن قدومه إليه لم يكن من باب التخرج أو التكوين في المجال، وقال أن التجارب الدولية والوطنية أكدت ان الذين نجحوا في مجال السينما هم أشخاص يحبون هذا الميدان ويتفانون في العطاء فيه. واكد كذلك أن جهة سوس ماسة درعة، التي ينتمي اليها، تحمل العديد من المؤهلات التنموية كذلك على صعيد الانتاج السينمائي في ظل الجهوية، واعتبر جريدة "الانبعاث" والشركة التي تصدرها دليلا على الانخراط البناء الذي يحمل في طياته مشاريع ثقافية وفنية مهمة جهويا ومحليا، وتحدث عن اهمية الانتاج السينمائي بمنطقتي ورزازات وزاكورة كرافعة أساسية في إطار الجهوية وهذا هو التفكير الذي يجب الاهتمام به إذا ما تم ربطه بالتنمية الثقافية والبشرية. كنت واحدا من رواد ومنشطي الأندية السينمائية بالمغرب، إلى ماذا تعزو اختفاء هذه الأندية في الوقت الراهن؟ هناك الآن في المغرب بعض الأطر التي كانت تشتغل في الأندية السينمائية، أصبحت مسؤولة كنور الدين الصايل مؤسس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وكانت تنعت حينها بأكبر حزب بالمغرب لعدد منخرطيها بجميع المدن الكبيرة والصغيرة الذي بلغ حوالي60 ألف منخرط، وكانت تلك فرصة لاحتكاك الشباب والأطر، وقدمت الجامعة بذلك تكوينا لعدد كبير في هذا المجال كمدرسة عمومية ثقافية للانفتاح على ماهو كوني من خلال الروائع السينمائية الكبرى، لم تكن هناك وسائل التواصل بالشكل الحالي وكانت الأفلام تزن حوالي 40 كيلوغرام، وكانت الأفلام تأتي من فاس الى مراكش والى أكادير لإيصال الثقافة السينمائية في إطارها الأصيل والأصلي، حيث كانت السينما بمثابة معبد وتابعنا جل الأفلام لمختلف الدول والحضارات المتنوعة. الآن نعيش وضعية أخرى، المجتمع تغير والسلوك الثقافي تغير وتغيرت كذلك العلاقة مع الصورة وأصبحت الصورة منزلية، ونجد حوالي 50 إلى 60 قناة بالبيت بالإضافة إلى الانترنيت والهاتف النقال والأقراص المدمجة، تغبرالسلوك في طريقة التلقي بالبيت، نحن في عالم السرعة وبإمكان أي واحد خلق ناد سينمائي بالبيت. في ما مضى إذا أردت أن تشاهد فيلما ل"ايزنشتاين" ستبحث عليه لسنوات عدة وقد لاتجده، اليوم بأنه بإمكان أي واحد مشاهدة أي فيلم قديم أو جديد من خلال التطور التكنولوجي الذي عرفته العديد من وسائط التواصل. سوسيولوجيا هناك تحولات عميقة خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك لعدة عوامل فبعد السلف لم يتم التفكير في الخلف على مستوى الأندية السينمائية، كما أن هناك دور المهرجانات السينمائية المختلفة والمتنوعة التي تشرف عليها أطر كانت أعضاء بالأندية السينمائية المغربية عادت إلى مسقط رأسها لتنشط في إطار مهرجانات سينمائية وهي شكل متطور للأندية السينمائية محليا وتخلق إشعاعا ثقافيا وفنيا. ونحن نؤكد على ضرورة توفر المهرجانات السينمائية على خصوصية في ما يخص تطبيق مساطر ملائمة، لأن هناك عناصر فنية غير مادية لاتخضع لمنطق المساطر الإدارية، فميزانية إنشاء طريق سيار غير محددة بينما ميزانية المهرجانات دقيقة ومفصلة. الملاحظ في السنوات الاخيرة أن هناك انتقالا كميا ونوعيا في الإنتاجات السينمائية المغربية، وهناك تراجع الإنتاجات المصرية وحضور ثقافات أخرى مكسيكية وهندية وتركية في المشهد السينمائي المغربي، بالنسبة لك كناقد سينمائي ماهي الدوافع وراء هذه الغزارة في الإنتاج التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة؟ وماهي معايير الجودة التي تخضع لها؟ وما حظ السينما الامازيغية في هذا الإنتاج والطفرة التي تعرفها السينما المغربية؟ حقيقة اليوم يمكن القول بشكل موضوعي وصريح أن السينما المغربية تعيش انبعاثا وتطورا على كافة المستويات والأصعدة. وهناك ثلاثة مؤشرات، أولا من حيث الإنتاج فقد وصلنا إلى 15 فيلما طويلا و60 فيلما قصيرا في السنة، وهي أفلام منتجة في إطار مؤسسات إدارية تدعم السينما، أصبحنا اليوم في إفريقيا منافسين حقيقين لمصر وجنوب إفريقيا التي لها خصوصياتها اقتصاديا وتاريخيا وثقافيا ولها ارتباط بالولايات المتحدةالأمريكية وشركات انجليزية تنتج بجنوب إفريقيا، والمغرب من الرائدين إفريقيا وعربيا كذلك، ففي سنة 1998 كنا ننتج فيلمين قصيرين في السنة، الآن ننتج فيلمين قصيرين في الأسبوع ولها انعكاسات على مستوى التكوين والتأطير وخلفت دينامية في الصناعات المرتبطة بالسينما. والعامل الثاني أصبح الفيلم المغربي يشاهد على أعلى مستوى دوليا ووطنيا منذ 2003 ويؤخذ 25 بالمئة في السوق الداخلي، وهو ترتيب دولي محترم مقارنة مع دول أخرى، وعلى مستوى الترتيب العالمي يحتل المغرب المرتبة الثانية من حيث الاستعمال ومشاهدة الإنتاجات المغربية بالقاعات السينمائية الوطنية، وسجلت أفلام كثيرة أرقاما قياسية من حيث المشاهدة ، وعلى المستوى الدولي هناك تمثيلية وحضور للمغرب في المحافل الدولية وتوزيع مجموعة من الأفلام المغربية بالعديد من الدول الأوربية. العامل الثالث للسينما المغربية هي التنوع في المواضيع، من خلال تناول المواضيع الحساسة حول المرأة والمدونة وسنوات الرصاص ومعالجة مواضيع الهجرة، وعلاقة الرجل بالمرأة وتنوع الأجيال من مخرجين رواد وشباب مغربي وتنوع المقاربات السينمائية، ولدينا في المغرب صندوق لدعم الفيلم والإنتاجات المغربية ووجود إرادة عمومية لدعم السينما المغربية، ونحن نعرف مهرجان مراكش الذي يعتبر قاطرة السينما والذي يحظى برعاية وعناية من أعلى سلطة بالبلاد، وهناك كذلك إرادة ملكية سامية لتطوير السينما المغربية على كافة المستويات والأصعدة ، وهناك رغبة في أن يواكب ويتكيف أرباب القاعات والمجالس المنتخبة لدعم القاعات السينمائية وتطويرها، ونحن نرى في إطار الجهوية أن هناك دورا للجهات في دعم السينما والتنمية وهذا جد مهم ويجب خلق علاقات جديدة، وهناك صندوق لدعم الأفلام التي تنتج دوليا وتتهافت عليها مختلف الدول للترويج لإمكاناتها سياحيا وثقافيا كورزازات في ظل منافسة شرسة من دول الجوار كإسبانيا وتونس والخليج العربي، ويجب أن نعلم أن اقتصاد الجهة ينتعش من خلال هذه الأفلام والإنتاجات التي تصور بالمجال الترابي لجهة كسوس ماسة درعة الغنية طبيعيا بشريا وثقافيا وحضاريا من خلال مدينة عصرية كأكادير، وهو تحول في البنية الاجتماعية سيساهم في التنمية الثقافية والسينمائية محليا وجهويا وبالتالي وطنيا، يجب أن يكون في إطار منظم ونعرف ما يتقاضاه الحرفيون من خلال الانتاجات الضخمة، ودور الجهة كذلك التفكير في تمويل ومساعدة هذه الأفلام والإنتاجات لأنها توفر فرص شغل وعمل مباشرة وغير مباشرة، بل الترويج للجهة والمنطقة من خلال المهرجانات العالمية وشركات الانتاج العالمية. السينما الأمازيغية، أوالفيلم الامازيغي، عرف هو الآخر تطورا في السنوات الاخيرة، وهناك محاولات من طرف نخبة من الشباب لإضفاء قيمة نوعية على هذا المنتوج السينمائي المغربي، يجب أن ينتقل من الفيلم الأمازيغي إلى السينما الأمازيغية. الوضعية الحالية للسذفيلم الأمازيغي يجب أن نتجاوزها لأنها عبارة عن فرجة ذات طابع بسيط، ويجب الانتقال إلى السينما الأمازيغية الاحترافية بتوفير الوسائل والأدوات والمواضيع المهمة والتي تستأثر باهتمام الجميع وتطرح الإشكالات والمواضيع الحساسة والجريئة. النقاد السينمائيون يعدون على رؤوس الأصابع بالمغرب، ما سبب هذا النقص؟ هناك ثرثرة يمارسها الشباب ب "الفيس بوك" أو "اليوتيب"، وأعتبر ذلك نوع من اليوتوبيا السينمائية. هذه ثقافة جديدة في أوساط الشباب المغربي خاصة والعالمي عامة، وهناك وعي وحوار بين الشباب الذي يقوم بتحميل الأفلام عبر الأنترنيت ويناقشها من حيث بعض التفاصيل الدقيقة، فالجيل الجديد يجب أن يتعرف على السينما الكلاسيكية ومشاهير الافلام القديمة لبناء الرصيد التاريخي للفيلم واكتساب إمكانات وثقافة بصرية قوية وخصوصا أفلام الستينيات، هناك حرب الصور ويجب أن يكون الإنسان محصنا ومدركا جيدا لما يستهلك من صور مسترسلة.