الحسين ساشا / كلنا يسمع عن ظاهرة التصحر بالمجال القروي أو ما يعرف بزحف الرمال على المناطق الزراعية، لكن الذي لم نسمع عنه بعد هو التصحر بالمجال الحضري الذي هو زحف الباعة أو ما يسمى بالفراشة على الأرصفة والشوارع معا.. إذ كلما استيقظ المواطن أو الساكن المغربي من نومه في كل صباح إلا ويفاجأ بتناسل العربات والأكشاك الحديثة وهي تكتسح الشوارع والأزقة، للاستيلاء على الأملاك العمومية بشكل رسمي. وبين عدم اهتمام الدولة بمعالجة هذه الحالة وتراخي السلطات المحلية أصبح هؤلاء الباعة مستقرين ولم يعودوا متجولين كما يقال عنهم. هذه الفوضى التي أصبح حلها مستعصيا على الحكومة المغربية أو بمعنى أصح فشلها في ضبط وتسيير المهام الموكول إليها ومن ضمنها إخلاء الشوارع والحفاظ على جمالية المدن من هذه العشوائيات التي تتفاقم يوما بعد يوم. لنجد العاصمة الاقتصادية تحتل الصدارة بين المدن المغربية، وذلك من حيث الرتب الفوضوية التي يتصدرها احتلال الأرصفة والشوارع بربوع المملكة. وهذا أحد النماذج من حي سيدي مومن بالدارالبيضاء الذي هو مثال لباقي شوارع المدن المغربية التي تعاني من نفس الحالة. هذا وبالرغم من رفع عدة شكاوى لكل الجهات التي لها صلاحية التدخل وأولهم عامل المنطقة، من طرف السكان الأكثر تضرراً من هذه الفوضى، بما فيهم تجار السوق البلدي بأكمله، من أجل رفع الضرر الذي أحل بهم بعدما سئموا من وعود رئيسهم الكاذبة الذي كلما قصدوه لحل مشاكلهم وإذا به يزيد من تفاقمها مع كل موسم انتخابي حل، بمزيد من العشوائيات.. ثم نشرت شكاوى حول هذه الحالة بمختلف الصحف المكتوبة، إلا أن ذلك لم يجد نفعا أو يحرك ساكن المعنيين بشؤون هذا الحي الذي طالما تغنى المعنيون كثيرا بمعالجة مشاكله التي مازالت عالقة ومن ضمنها هذه الفوضى. لذلك نتساءل هل الجهات الوصية لا تتصفح الجرائد لمعالجة هذه المعضلة أم أنها تعتبر الصحف عبارة عن مناديل لتجفيف دموع الذين يلجئون إليها ليس إلا.!؟ وأرى أنه من أكبر أخطاء الجهات الوصية أن تنصب مسؤولا ما على منطقة ما ثم تنساه دون رقابته وكأنه امتلك تلك المنطقة فيتصرف فيها كمالِك لها وليس كمسؤول عن حل مشاكلها.. كما لم يقتصر الأمر عن الفراشة المحتاجين والعاطلين فحسب، بل أصبحت الحالة تأخذ شكلها الاحترافي والمهني الموسع. لنجد معظم أسر المهاجرين يركنون سياراتهم وسط الشوارع لعرض الخردوات التي يجلبونها لهم أهاليهم من مزابل أوروبا، حيث يفضلون هذا الوضع المجاني تهرباً من تابعات مصاريف الدكاكين وواجباتها الضريبية. هذا بالإضافة إلى الطبقة العاملة التي أصبحت هي الأخرى تزاول التجارة في الشوارع بعد انتهائها من عملها في المساء نتيجة الحرية الفوضوية التي تعرفها شوارع المملكة.. والغريب في الأمر هو أنه حينما حل قائد جديد بالمنطقة لاحظنا بعض التحركات فتم إخلاء الشوارع جزئيا من هذه الفوضى وفرح السكان، إلا أنه للأسف لم تلبث فرحتهم أكثر من 24 ساعة ثم بدأت الشوارع تستعيد شكلها الطبيعي، ولم تكن تلك الهجمات الترويعية سوى مجرد بهارات لفتح الشهية. وبعد ذلك تم الصلح والمصالحة بين الفراشة والدوريات المحلية فعادت الفوضى من جديد إلى الأحسن.. أما دوريات القوات المساعدة "المخازنية" التي تزودت بها المنطقة مؤخرا، أصبحت تتقاعس ولم تعد تجوب الشوارع لضبط وتخفيف على الأقل من هذه الفوضى كما في السابق وهذا ما يشير إلى أن فريقها يقتسم حصة البنزين فيما بينهم فيقومون بركنها في زاوية ما طوال النهار.. أما يومي السبت والأحد فافعل ما تشاء ولا حرج حيث الحرية المطلقة لأن المصالح الأمنية وبعض الدوريات تكون في إجازتها الأسبوعية مما يفسح المجال أمام اللصوص لتشتغل بحريتها المطلقة. وللأسف الشديد فالمغرب الوحيد أو البلد الوحيد في العالم الذي تغادر مصالحه الأمنية أوكارها طيلة 48 ساعة فيتعرض المواطن خلالها إلى مشاكل واعتداءات عدة نتيجة فقدان الأمن خلال هذه الفترة. والسؤال المطروح هو أين وصل مشروع المطويات الذي قيل عنه أنه سيعمم على جميع ولايات الدارالبيضاء بعد تجربته بولاية آنفا للحد من الاحتلال الذي تعانيه شوارع وأزقة العاصمة الاقتصادية فهل ذلك كان مجرد كذب على الأذقان أم هو تخطيط فاشل وتنفيذ أفشل لحكومة فاشلة!؟ وكما نرى فالصورة تبرهن عن الحالة المزرية التي يعيشها محيط السوق البلدي بحي سيدي مومن والذي هو عبارة عن نموذج لباقي الشوارع والأزقة التي تئن هي الأخرى أكثر من نفس الحالة تحت وطأة التعاطف وسكوت السلطات المحلية على هذه التجاوزات المضرة بالسكان وتتسبب في إغلاق الأزقة فيصعب على قاطني هذه الشوارع المحتلة، الوصول إلى منازلهم أو الخروج منها مما يجبرهم على ترك سياراتهم بعيدة عن منازلهم.. السؤال المطروح هو: أين هؤلاء الذين يدعون أنهم يخدمون البلد بمحاربة كل ما هو عشوائي، ويهدمون المنازل فوق رؤوس المواطنين. أليست هذه الفوضى الواضحة من ضمن العشوائيات العظمى لتكون في المقدمة.؟؟ أما إذا أصيب أحد السكان بمرض ما فيضطر أهاليه لرفعه على النعش وسط هذه الفوضى للوصول إلى سيارة الإسعاف التي لا تستطيع الوصول إلى المريض بسبب هذه الفوضى.. بل وأكثر من هذا أن أرباب بعض المقاهي والمتاجر قد استغلوا الفوضى القائمة فأخذوا يكترون بقعا وسط الشوارع للقادمين من مناطق أخرى، ثم تقام عليها براريك وأكشاك تجارية ومثبتة بشكل رسمي. وبهذا فإن سكان حي سيدي مومن وتجار السوق البلدي المتضررين من هذه الحالة المزرية التي أخذت تتفاقم كل يوم، يوجهون نداءهم عبر هذا المنبر للجهات الوصية قصد التدخل العاجل للحد من هذه الفوضى التي تلحق بهم أضرارا عدة وخصوصا أصحاب الدكاكين. لأنه من غير المنطقي أن يدفعوا الواجبات الضريبية ومصاريف الدكاكين والآخرون يتاجرون أمام محلاتهم بالمجان الشيء الذي يؤثر سلباً على تجارتهم. هذا ويؤكدون على أنهم في حالة عدم استجابة المعنيين لمطالبهم بإيجاد الحل لهذه الفوضى، فسيضطرون لإغلاق متاجرهم ويتاجرون هم الآخرون في الشوارع كغيرهم وقد أعذر من أنذر.