. ساعتها البيولوجية مبرمجة منذ سنوات علي الاستيقاظ في تمام ال7 صباح كل يوم , الا في ذلك اليوم من كل عام تتعمد تعطيل تلك الساعة وتخريب نظامها , تظل في سريرها تتقلب ,تهرب الي النوم ولكن النوم يأبي ان يطاوعها , فتتظاهر به تغلق جفنيها وكأنها تهرب من شيئ ما تخشي ان يقع عليه بصرها , تود لو لم يكن هذا اليوم موجود او أن يتم إلغائه من التقويم , حتي لا ينكأ جراحها . انتصف النهار نهضت من علي سريرها لتلقي بنفسها علي كرسي في إحدي زوايا الغرفة , التقطت الجرائد لتتصفحها, الجريدة تلو الأخرى تمتعض, تلو شفاهها تحدث نفسها وكأنها تهذي لا جديد اخبار اليوم نفس اخبار الأمس , وستكون هي اخبار الغد, قتل هنا , دمار هناك ,نزاع بين دول, احقاد بين الشعوب , فقر مدقع يطحن الانسان, العالم غابة البقاء فيها لمن يمتلك المال والسلطة, قطع حبل افكارها و همهماتها طرقات خفيفة علي باب الغرفة. الخادمة :الفطور جاهز مدام ((سعادة)) كرّرت الخادمة النداء عدة مرات دون ان تتلقي رد ,خشيت ان يكون مس مخدومتها سوء , فتحت الباب برفق , اطمأنت ها هي السيدة تجلس بخير كرّرت الخادمة النداء مرة اخري الفطور جاهز مدام ((سعادة )) نظرت السيدة نحو الخادمة ب وجه يكسوه علامات الدهشة والاستغراب وكأنها اكتشفت شيئ ما للتو , ضحكت وعلي صوتها بالضحك اكثر وأكثر دخلت في نوبة ضحك هيستيرية , تحولت بعد دقائق الي بكاء , شعرت الخادمة بشيئ من الخوف التصقت بباب الغرفة وهي تتطلع الي مخدومتها بقلق وحذر, اعتقدت لوهلة ان سيدتها قد جُنت! هدأت السيدة قليلاً قالت لخادمتها: لا تخافي أنا لم افقد عقلي ,وان كنت علي اعتاب الجنون من هذا العالم القاسي والنفس البشرية التي فقدت اهم ما يميزها عن غيرها من الكائنات, صفة الرحمة! صمَتت بُرْهَةً ثم واصلت حديثها : يقال أن لكل انسان نصيب وحظ من اسمه, هذا ليس صحيح , اليوم فقط اكتشفت ان اسمي ((سعادة )) واكتشفت ايضاً انني لا اعرف من السعادة او عن السعادة سوي هذا الاسم الذي احمله في بطاقة الهوية و أوراقي الرسمية . عشت عمراً امنح السعادة لكل من حولي ولم اتذوقها . معلمة خرجت اجيال ورجال , تحملت المسؤولية بعد أن فشل قلب الزوج علي تحمل اعباء الحياة وتوقف عن النبض فجأة و للأبد, اصبحت الأم و الأب سافرت احمل اولادي بين ضلوعي, الهث وراء رزق يؤمن مستقبلهم , تحرقني نار الغربة وتقتلني ساعات الوحدة, كبر الأبناء , ووهنت الصحة,ضعف السمع والبصر ,لتنتهي رحلة الحياة بي في تلك الدار الباردة , بعد ان نالني من الجزاء كما نال سمنار! حتي في يوم مثل هذا يحتفل العالم بعيد الأم و لا يتذكر احد _ ممن افنيت عليهم زهرة شبابي _ ربان السفينة الذي ابحر يصارع امواج الحياة ليصل بهم الي بر الأمان وشاطئ السلامة , منحتهم الحياة والسعادة , فامنحوني شقاء وتعاسة ونكران للجميل .