صرح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، أن توقيع رسالة النوايا المشتركة مع الحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا هو من أجل الإستفادة من تجربة جنوب إفريقيا في التحرر، ومواجهة النظام الإحتلالي العنصري. هذا وقد ثار غضب إسرائيل التي استدعت سفير جنوب إفريقيا لديها، مع إستنكار الأقلية اليهودية عبر مجلسها الصهيوني في جنوب إفريقيا. كما أن غموض الإتفاق ودون الإعلان عن بنود النوايا المُشتركة بين الطرفين لن يُعيقنا في الوصول لفهم ماهية الرسالة بين حماس والحزب الوطني الحاكم، وذلك من خلال قراءة حقيقة الإنزعاج الإسرائيلي من جمهورية جنوب إفريقيا، وما هي مرتبة حماس على سلم أولويات السياسة الخارجية لجنوب إفريقيا؟، والسؤال الأول، من هم يهود جنوب إفريقيا؟. لسنا بصدد الإستعانة بالدلائل الإحصائية الرقمية أو تصريحات كبار المسؤولين لمعرفة من هم يهود جنوب إفريقيا، وإن كانت جميعها تُشير إلى أنهم قوة مُجتمعة فيها، والتي استطاعت أن تكون جزءاً من نظام المُصالحة الوطنية التي قادها الرئيس الأسبق مانديلا بعد أن كانت جزءاً من نظام الفصل العنصري. بل وكان لهم دور بارز في صياغة دستور جنوب إفريقيا. كما أن حزب التحالف الديموقراطي المُعارض للحزب الوطني الحاكم هو الثاني بالقوة والإنتشار على الساحة الحزبية في جنوب إفريقيا، وهو حزب يضم الأقلية اليهودية، وعلى الرغم من بُروز يهود جنوب إفريقيا على الخارطة الحزبية بقوة؛ حَرص الحزب الوطني الحاكم على منح حقيبة وزارية لليهود، ومن أبرزها حقيبة الأمن القومي (الإستخبارات) أثناء فترة تأسيس الدولة بعد نهاية حقبة الأبارتهايد. ليست الغاية من هذه المُقدمة إبراز يهود جنوب إفريقيا لحسابات التقليل من شأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في إستضافته لحركة حماس الفلسطينية، وما ذكرته جزء من الحقيقة لواقع يهود جنوب إفريقيا، والشاهد على قوة اليهود السياسية والإقتصادية في جنوب إفريقيا مُقتبسة من تصريحات الرئيس الحالي زوما، فقد أشاد بدورهم التنموي، وأنهم جزء هام من المجتمع الجنوب إفريقي، غير دعوة الرئيس زوما لليهود للمهاجرين بالعودة لبلادهم، مؤكداً لهم حاجة المجتمع الجنوب إفريقي لعلومهم وخبراتهم، بإعتبار جنوب إفريقيا وطنهم الأم. وبذلك يُمكن قياس مدى الإنزعاج الإسرائيلي من إستضافة الحزب الوطني لحركة حماس، وأنه ليس إنزعاجاً قائماً على الأعراف الدبلوماسية بقدر ما يقوم على قوة الجذور اليهودية في جنوب إفريقيا، والحزب الحاكم يُدرك ذلك جيداً، ووضع حركة حماس على قائمة الأفضليات سوف يحمل نتائج غير إيجابية على الإقتصاد المحلي وإرتباطاته الخارجية، غير النفوذ الإسرائيلي داخل القارة الإفريقية، وبالقرب من جنوب إفريقيا. وبذلك نستطيع القول جزماً أن جميع النوايا المُشتركة بين حركة حماس والحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا خضعت لمجموعة من المبادئ السياسية، والتي تعمل على تنظيم السياسات الخارجية لجنوب إفريقيا وفقاً لعلاقاتها الخارجية، وترتيبات البيت الداخلي للدولة. وهناك الكثير والكثير من المبادئ القائمة عليها سياسات جنوب إفريقيا، ولكن قُمت بإختيار ثلاثة مبادئ فقط، وذلك لإرتباطها بموضوع التقرير، حيث قمت برصدها من خلال تصريحات وتحركات الحزب الحاكم خلال فترة وجود خالد مشعل في جنوب إفريقيا. المبدأ الأول يقوم على أمن الدولة الإسرائيلية، والثاني من أجل دعم اليسارية العالمية، بينما المبدأ الثالث العمل على كبح الدور المصري على الساحة الإفريقية. وحول المبدأ الأول القائم على إلتزام جنوب إفريقيا بأمن الدولة الإسرائيلية، فقد اتضح من خلال تصريح نائب رئيس الحزب الوطني الحاكم (جويدي منتاشي) في مؤتمره الصحفي مع خالد مشعل، بأن جنوب إفريقيا لن تُقاطع إسرائيل، وسوف تكتفي بُمقاطعة منتجات المستوطنات في الضفة الغربية. كما أن البيان الرسمي الصادر عن الحزب الوطني الحاكم حول زيارة خالد مشعل لجنوب إفريقيا لم يتجاوز الورقة، حيث تضمن النصف الأول من الورقة ترحيب الحزب الوطني بإستضافة حركة حماس، وتضمن النصف الآخر ترحيب الحزب الحاكم بالإجتماع مع المجلس الصهيوني الجنوب إفريقي للحديث حول زيارة خالد مشعل. ولهذه الورقة دلائل كثيرة ومعانٍ كبيرة؛ حيث جميعها تُشير إلى أن المجلس الصهيوني في جنوب إفريقيا سوف يطلع على كافة تفاصيل النوايا المُشتركة المُوقعة بين حركة حماس والحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا، وبمعنى آخر؛ أن أمن إسرائيل كان جزءاً من وثيقة النوايا المُشتركة بشكل أو بآخر، وما هو المُثير للإستفهام أن الشعب الفلسطيني لم يطلع على جملة واحدة!. وحول المبدأ الثاني والقائم على دعم جنوب إفريقيا لليسارية العالمية، فقد اتضح من خلال التحركات الأخيرة لجنوب إفريقيا في التواصل مع كافة الحركات النضالية التحررية العالمية ذات الصبغة اليسارية فقط، فطموح جنوب إفريقيا لتكون عاصمة النضال اليساري العالمي لن يسمح لهبوط طائرة خالد مشعل على أرض جنوب إفريقيا دون أن يقولها صراحة أن حركة حماس متوافقة مع اليسارية العالمية. فلا مكان في جنوب إفريقيا لأي حركة تحررية ذات صبغة غير يسارية أو غربية، فجنوب إفريقيا ما زالت ترفض منح الدالاي لاما تأشيرة دخول لحضور مؤتمر عام، علماً أن الدالاي لاما تتوفر في حركته كافة المبادئ العالمية في التحرر الإنساني. وبعد التوضيح؛ نجد أن حفظ أمن إسرائيل كدولة جزء هام من أولويات جنوب إفريقيا الداخلية والخارجية، كما أن الدخول إلى جنوب إفريقيا مرهون بقبول الإندماج مع الحركة اليسارية العالمية، وعليه ولا أرى إنزعاج إسرائيل من دخول خالد مشعل لجنوب إفريقيا كما تصوره بعض العرب، وربما هو ما تريده إسرائيل. ولنعود إلى تسريبات الجارديان البريطانية لبعض وثائق الإستخبارات الجنوب إفريقية في فبراير الماضي، والتي نصت على لجوء المخابرات الأمريكية لنظيرتها الجنوب إفريقية لتحقيق تواصل مع حركة حماس بشكل مُباشر، ومن ثم بشكل غير مُباشر مع واشنطن، وإن صحت هذه التسريبات فسوف تكون تفسيراً واضحاً لجملة صرح بها الحزب الوطني الحاكم، وهو أن حكومة جنوب إفريقيا تشاورت مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء زيارته الأخيرة لجنوب إفريقيا في جميع تحركاتها مع القضية الفلسطينية، والسؤال هل الرئيس عباس مُطلع على تفاصيل وثيقة النوايا المُشتركة قبل زيارة خالد مشعل؟!. والخلاصة فيما ذُكر؛ أن المبادئ العاملة لسياسات جنوب إفريقيا في إفريقيا وتوجهاتها نحو الشرق الأوسط لم تعد خفية بعد تقدم مجموعة بريكس على الساحة الدولية، كما أن المبادئ الثلاثة المذكورة قد تلتقي وتتحقق في نقطة واحدة، وهي قطاع غزة، فإنفصالها عن الضفة الغربية بشكل رسمي وإعلان دوليتها المُستقلة هو طريق إسرائيل لتثبيت أمنها، كما هو طريق جنوب إفريقيا لتحقيق المبدأ الثالث، وهو كبح الوجود المصري على الساحة الإفريقية، ويُمكن تصور المراحل على النحو التالي: أولاً... تفريغ منطقة الشرق الأوسط من مكاتب حماس وقياداتها، وإنهاء تحالف الحركة مع محور المُقاومة والمُمانعة القائم على الصبغة الدينية. ثانياً... إستضافة حركة حماس وقياداتها بشكل رسمي في جنوب إفريقيا، وإنضمامها لمحور جديد ذو صبغة يسارية، وهو محور التحالف الثلاثي (جنوب إفريقيا، إيران والجزائر)، وهو الراعي الرسمي لحركة البوليساريو الداعية لإنفصال الصحراء المغربية. ثالثاً... تسليم جنوب إفريقيا إدارة ملف قطاع غزة بدلاً من الإدارة المصرية، تمهيداً لرعايتها مفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، تنطلق من مقررات اليسارية العالمية في النضال والتحرر، وتحت إشراف مجموعة بريكس. واتضح ذلك من خلال تصريحات (جويدي منتاشي)، فكان تركيزه في الكلام على قطاع غزة في أولوياته تجاه القضية الفلسطينية، وقد قالها بصريح العبارة في مؤتمره الصحفي مع خالد مشعل أنه لا يحب المقارنة بين الدور المصري مع الدور الجنوب إفريقي تجاه قطاع غزة، وأضاف أن البرتقال ليس كالتفاح، أي أن الدور الجنوب إفريقي في قطاع غزة لن يكون كالدور المصري. رابعاً... العمل على "أفْرَقة" القضية الفلسطينية في قطاع غزة فقط دون الضفة الغربية، أي جعل الإتحاد الإفريقي جزءاً من الحل بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وبذلك سوف تسقط أكبر وأقوى ورقة جعلت الحكومة المصرية تقف بقوة أمام الأمريكان والروس، وهي ملف الإرهاب وقطاع غزة، لتتوسع هوة الصراع المصري مع الأفارقة، فمن مشكلة إثيوبيا في مياه النيل، إلى مشكلة جنوب إفريقيا من أجل قطاع غزة ومعابره. ولمعرفة مستقبل وآلية عمل مكتب تمثيل حماس في جنوب إفريقيا، فهو أشبه ما كان عليه مكتب تمثيل حركة تحرير جنوب السودان في جنوب إفريقيا، والذي بدأ بإستضافة مكتب الحركة لتسهيل عمل المنظمات الإنسانية في جنوب السودان، ثم أصبح مقراً للتواصل الجنوب سوادني مع الدول الإفريقية، ثم أخذ يعمل على تمثيل الحركة رسمياً أمام المجتمع الدولي، ثم بدأت جنوب إفريقيا بتدريب كوادر لإدارة دولة جنوب السودان قبل الإنفصال، وأخيراً أصبح المكتب يُمثل سفارة جنوب السودان. كما أن وجود مكتب تمثيل حركة حماس في جنوب إفريقيا هو بمثابة بداية فصل السفارة الفلسطينية القائمة في بريتوريا عن تمثيل قطاع غزة في جنوب إفريقيا، فكيف لسفير السلطة الفلسطينية تمثيل قطاع غزة، وأهل غزة يرفعون علم حماس في سماء بريتوريا؟!. وهذا ما حدث مع سفارة السودان قبل إنفصال جنوبه، غير محاولات جنوب إفريقيا لفصل سفارة المملكة المغربية عن الصحراء لوجود تمثيل رسمي لحركة البوليساريو. وأنه بمجرد إفتتاح مكتب لتمثيل حركة حماس في العاصمة بريتوريا، فهذا لا يعني أن الحركة سوف تكون جزءاً من المجتمع الجنوب إفريقي على العموم، أو على تواصل مع كافة التيارات الفكرية والسياسية في جنوب إفريقيا، وإنما الامر مُقتصر على الحركات اليسارية والعُمالية والطلابية فقط، وهذه الحركات ما بين (الإمتداد والإنسحاب) في علاقاتها مع إسرائيل وأمريكا، وما نعلمه أن الخطاب اليساري لا يخرج عن الأجندة الداخلية لصالح التحالفات الداخلية في جنوب إفريقيا فقط. كما أن الخدمات العلمية والعملية هي المعيار الفاصل عند المجتمع الجنوب إفريقي، وما تقدمه السفارة الإسرائيلية لشعب جنوب إفريقيا يفوق عمل الدول العربية مُجتمعة، وهذا ما أدركته سفارة فلسطين في جنوب إفريقيا، فاعتمدت مبدأ الحوار مع جميع الأطياف الجنوب إفريقية، ونجحت في توضيح القضية الفلسطينية أمام المجتمع الجنوب إفريقي دون التحيز لتيار على حساب الآخر. كما أن إعتماد سفارة فلسطين في جنوب إفريقيا مبدأ عدم الإساءة لإسرائيل أو لليهود بشكل عام، كان له دور في إستقطاب بعض الشخصيات اليهودية الكبيرة لتتحدث عن القضية الفلسطينية أمام المجتمع الجنوب إفريقي، ولكن لا نعلم إن كانت حماس سوف تحذو منهجية سفارة فلسطين في بريتوريا، أم سوف يقتصر دورها فقط على الإنخراط مع الحركات اليسارية!. وفي خلاصة القول مجموعة من الأسئلة، وقد يرى البعض أنها من المُبالغات، أو قد تختلف الإجابة من شخص إلى آخر، ونقول ماذا يعني وجود حماس في جنوب إفريقيا؟، فهل حماس سوف تكون جزءاً من الأجندة اليسارية العالمية إنطلاقاً من اليسارية الجنوب إفريقية؟، أم ستعمل حماس على توظيف اليسارية العالمية لخدمة القضية الفلسطينية إنطلاقاً من جنوب إفريقيا؟، ومع قبول الفرضيتين، فهل إنفصال غزة عن الضفة الغربية وفقاً لليسارية الإفريقية يقع ضمن معايير الفقه الإسلامي التي جعلت من حماس النموذج الإسلامي في المُمارسة السياسية؟!. ثم؛ قول الإستفادة من منظومة المُصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا، فهل يعلم خالد مشعل أنها انطلقت من الكنيسة الجنوب إفريقية، وهل يُعقل أن كنيسة جنوب إفريقيا أصبحت أكثر قدرة وتفهماً للوضع الفلسطيني من الدول العربية والإسلامية؟ أو حتى من الكنيسة العربية؟!، أم أن قطاع غزة أخذ بالفعل يندمج بالمشهد الإفريقي تمهيداً لأفرقته؟. ويجب أن نعلم جميعاً أن يهود جنوب إفريقياً جزء من مقررات المُصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا، ولا يُمكن تهميش وجودهم في حال نقل المُصالحة لتطبيقها في الخارج، وما علمته من وسيلة إعلامية أن خالد مشعل التقى مع الحركة اليهودية التقدمية أثناء زيارته لجنوب إفريقيا، ولا ضير في ذلك، ولكن أليس من باب الأولى أن يلتقي بيهود إسرائيل مُباشرة لدعم موقف السلطة الفلسطينية علانية وبشكل صريح؟، أم هناك معايير تتبناها حركة حماس في التواصل مع اليهود اليساريين دون اليهود الليبراليين؟!. والسؤال الأخير المُوجه لخالد مشعل؛ أنك تعلم أن قضية فلسطين هي قضية عودة الفلسطينين لفلسطين بعد خروج اليهود منها، وأن نظام المُصالحة الجنوب إفريقي ليس له علاقة بتحرير الأرض أو طرد العدو والمُحتل، بل هو نظام دمج اللون الأسود مع اللون الأبيض برعاية الكنيسة المسيحية، فإذا كنت تريد من جنوب إفريقيا تحرير فلسطين لبناء دولة فلسطينية، فهذا صعب عليهم وليس من برنامجهم في المصالحة الوطنية، وإن كنت تريد دولة فلسطينية بعد دمج اليهود مع الفلسطينين، فطريقك لجنوب إفريقيا هو الطريق الصحيح، ولكن عليك أن تعلم أن ثمن هذه العملية هو أفرقة قطاع غزة بشكل قطعي.