بين الحين والآخر؛ تُطلعنا الصحف على مجموعة من التقارير العربية، والباحثة في العلاقات الإيرانية والإسرائيلية مع الأفارقة، ويكاد يغلب على بعضها طابع الرسائل التحذيرية، والتي تعرض نتائج هذه العلاقات دون البحث في المقومات التي جمعت بينهم. وقبل الحديث عن الإمتداد الإيراني للقارة والتوغل الإسرائيلي فيها، علينا أن نبحث لماذا الإيرانيون والإسرائيليون هم الأقرب للأفارقة، ودون العرب!. د. بلال الصبّاح لا نقول أن الإيرانيين والإسرائيليين وحدهم في القارة الإفريقية، بل هناك مجموعة من المُعادلات السياسية وضعت الأفارقة على هامش المصالح الدولية، فالولايات المُتحدة الأمريكية تقترب من خط الإستواء الإفريقي، وفرنسا على جوانبه شمالاً وجنوباً، إلى أن أصبح الروس والصينيون أصدقاء أفارقة الجنوب. وكما لا يُمكن القول أن العقيدة الإيرانية والمال الإسرائيلي هما السببان الرئيسيان لوصول تلك الدولتين للأفارقة، وإن كان لهما الدور في ذلك من حيث تطوير العلاقات وترسيخها، وذلك بعد قيامها وليس قبل ذلك. إن الوصول إلى الأفارقة له فهم معين، وينطلق من آلية قد تتشابه إلى حد مُعين مع غير الأفارقة، ويكون ذلك من خلال فهم حقبتين مع النظر لمُستقبل الثقافة الإفريقية. فالحقبة الأولى، يتحدث فيها الأفارقة عن تاريخهم في النضال من أجل الحرية، والتحرر من العبودية والإستعمارية الأوروبية، ومن هم شركاؤهم في هذه الحقبة من الداخل الإفريقي أو من خارج القارة. ومن الجدير بذكره؛ أن التاريخ الإفريقي أصبح كالقصة القصيرة، والتي تبدأ لحظة دخول الإستعمار الأوروبي إلى إفريقيا، فهل تم حذف تاريخ الوجود العربي والإسلامي؟، أم أنه فعلاً لم يكن هناك وجود حقيقي للعرب، وخاصة جنوب خط الإستواء الإفريقي!. والحقبة الثانية، هي الواقع الإفريقي الحالي، والتي دمجت إفريقيا بالمنظومة الدولية، والقائمة على مفهوم الدولة القُطرية القومية، والتي تنطلق من مصالح الدولة السياسية والإقتصادية مع العالم. والآن لو أخذنا بفرضية أن الدولة الإيرانية استندت على الحقبة الأولى (التاريخ المُشترك)، وأن الدولة الإسرائيلية استندت على الحقبة الثانية (المصالح المُشتركة) في الوصول إلى الأفارقة، فإننا نحتاج إلى عينة من الحوار الإيراني والإسرائيلي مع الأفارقة من أجل تأكيد صحة الفرضية. العينة الأولى، وهي مأخوذة من التصريح (الإيراني- الجنوب إفريقي) المُشترك، والذي ينص على أن الإرهاب هو نتيجة التدخل الأجنبي في المنطقة العربية والإفريقية، وأن الشراكة بين الدولتين تنطلق من إستكمال مشروع التحرر من العنصرية والتدخلات الأجنبية. والعينة الثانية، وهي مأخوذة من التصريح (الإسرائيلي- الكيني) المُشترك، والذي ينص على أن الإرهاب هو نتيجة التطرف الإسلامي، وإنتشار المنظمات الإرهابية في المنطقة العربية والإفريقية، وأن الشراكة بين الدولتين تنطلق من أهمية إفريقيا الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل من الناحية الأمنية والسياسية والإقتصادية. إذاً؛ العينة الأولى تقودنا إلى أن الدولة الإيرانية استخدمت مفاهيم التحرر من القوى الأجنبية الإستعمارية بالفكر الثوري كآلية دخول لبعض الدول الإفريقية، ومنها جنوب إفريقيا، ويعني هذا أن إيران وصلت إلى إفريقيا عبر (شراكة الحقبة التاريخية). بينما العينة الثانية تقودنا إلى أن الدولة الإسرائيلية استخدمت مفاهيم المصالح المُشتركة لحفظ الدولة القومية، كآلية دخول لبعض الدول الإفريقية، ومنها كينيا، وهذا يعني أن إسرائيل وصلت إلى إفريقيا عبر (شراكة المصالح المُتبادلة). وقد يعتقد البعض بأن هناك مُنافسة بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي للإستحواذ على بعض من إفريقيا، ومن أجل ذلك ألحقت إيران بكل خطاب لها في إفريقيا عبارات (تعزيز العلاقات الإقتصادية والتجارية)، بينما ألحقت إسرائيل بخطابها الإفريقي عبارات (التمويل المُباشر والدعم السياسي والعسكري) للأنظمة القائمة والصديقة لها في القارة، حيث نجد أن إسرائيل أكثر صراحةً في التعامل مع الأفارقة، وأكثر قدرةً على تلبية المطالب الإفريقية. ويبقى الجانب الأخير من هذه المعادلة التنافسية، وهو جانب النظر إلى مُستقبل الثقافة الإفريقية، وقياس توجهات الشعوب الإفريقية، وعلى الأغلب أن الكثير من الأفارقة يميلون إلى الثقافة الأوروبية، وإسرائيل جزء من هذه الثقافة، ويبدو أن هذه الثقافة كانت عاملاً مساعداً للدبلوماسية الإسرائيلية في الإنتشار بين أوساط الشعوب الإفريقية ووصولاً إلى القرى الإفريقية وأريافها، بينما ما زالت إيران تنحصر دبلوماسيتها بين الأحزاب الثورية واليسارية وبعض من الأقليات المُسلمة على مستوى إفريقيا. وفي خلاصة القول نقول؛ أن (العينة الحوارية) من خطاب طلب الشراكة الإيرانية، وطلب الشراكة الإسرائيلية مع الأفارقة كانت في مجال واحد وهو مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، وهي حوار جزئي من الحوار الكلي، والغاية منها أن نجعل هذه العينة نموذجاً لبقية التفاهمات الإيرانية والإسرائيلية مع الأفارقة، والإستفادة منها في فهم بعض القرارات المُشتركة بينهم في المُستقبل، بل الحصول على التوقعات قبل صدور القرارات المُشتركة من خلال فهم منظومة كل دولة إفريقية وتطلعاتها نحو المستقبل، بين الإرتكاز على التاريخ أو الإكتفاء فقط بمصالح الدولة والنظام.