محمد الحنفي / الصراع في فلسطين، يعتبر إشكالية، من الإشكاليات التي أصبحت تفرض نفسها على المهتمين بالشأن الفلسطيني: هل هو صراع بين شعب احتلت أرضه، واغتصبت، لتبنى فيها المغتصبات، التي يسكنها صهاينة التيه، الآتون من القارات الخمس، وبين صهاينة التيه، المحتلين / المغتصبين لأرض شعب فلسطين؟
هل هو صراع بين المسلمين، واليهود؟
هل هو صراع بين العرب، وغير العرب؟
إننا، ونحن نطرح هذه الأسئلة، إنما نعمل على إثارة هذه الإشكالية، وإخضاعها للنقاش، من أجل المساهمة في الوصول إلى إيجاد الجواب السليم، والهادف، والمحدد لهوية الصراع القائم على أرض فلسطين، الذي لا يمكن اعتباره إلا صراع وجود، لا صرع حدود، كما قال أحد الكتاب، الذي يحمل كتابه نفس العنوان.
ومعلوم، أن أرض فلسطين، هي لشعب فلسطين، منذ القدم. وشعب فلسطين، ذو هوية عربية، بقطع النظر عن الديانات التي يومن بها الفلسطينيون. وانطلاقا من هذا المعطى، فإن الشعب الذي تم تشريده، هو شعب فلسطين، وليس شعب المسلمين، كما يوهمنا بذلك مؤدلجو الدين الإسلامي؛ لأن الدين الإسلامي، معتقد، كباقي المعتقدات. والفلسطينيون الذين يومنون بهذا المعتقد، أو ذاك، ليسوا كلهم مسلمين، وليسوا كلهم مسيحيين، وليسوا كلهم يهودا، وليسوا كلهم كفارا. وبناء على هذا المعطى، فوصف الصراع بما هو ديني: إسلامي، أو مسيحي، أو يهودي، أو لا ديني، هو صراع غير علمي، وغير دقيق؛ لأن الفلسطيني المومن بالدين الإسلامي، قد يحمل السلاح ضد الفلسطينيين، الذين يومنون بالدين اليهودي، والفلسطيني الذي يومن بالدين المسيحي، أو الفلسطيني اللا ديني، سواء كان الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، واغتصاب الأرض، أم لا.
ولذلك، لا يصح القول، بأن الصراع في فلسطين، هو صراع بين المسلمين، واليهود، أو بين المسلمين، والمسيحيين، أو بين المسلمين، ومن لا دين لهم. وقولنا بأن الصراع القائم في فلسطين، هو صراع بين المسلمين، واليهود، يعطي الشرعية لصهاينة التيه، الوافدين إلى فلسطين، من كل أرجاء العالم، لاحتلال فلسطين، واغتصابها، وبدعم من النظام الرأسمالي، ومن الأنظمة الرجعية العربية، حتى لا تلد فلسطين بعبعا، يشكل خطرا مدمرا للرجعية العربية. ونحن عندما طرحنا هذه الإشكالية للنقاش؛ لأننا لسنا مقتنعين، أبدا، بان الصراع في فلسطين، هو صراع بين المسلمين واليهود، كما يذهب إلى ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي، خاصة، وأن العالم، برمته، أصبح يعرف احتجاجات يقودها حاخامات اليهود، ضد صهاينة التيه، الذين يقتلون شعب فلسطين، في غزةفلسطين.
وانطلاقا من هذا التوجه، الذي نلتزم به في مقالتنا هذه، فإن الصراع على أرض فلسطين، هو صراع، لا يمكن وصفه بالصراع الديني الديني: 1) لأن من يحتل أرض فلسطين، هم صهاينة التيه، وليسوا يهودا بالضرورة، خاصة وأن اليهودية بالنسبة إليهم، ليست إلا أيديولوجية، لتضليل اليهود، ولتضليل الرأي العام الفلسطيني، والعالمي، بأن دولة صهاينة التيه، هي دولة يهودية، وليست دولة صهاينة التيه.
2) لأن من يناضل من أجل نفي صهاينة التيه، من أرض فلسطين، هم أبناء الشعب الفلسطيني، وفي كل مكان من فلسطين، بما في ذلك غزةفلسطين، بقطع النظر عن كونهم مسلمين، أو غير مسلمين، مسيحيين، أو غير مسيحيين، يهودا، أو غير يهود؛ لأن أبناء الشعب الفلسطيني، هم وحدهم الذين يملكون شرعية الصراع، ضد صهاينة التيه، إلى أن تتحرر فلسطينالمحتلة، والمغتصبة.
3) لأن ادعاء مؤدلجي الدين الإسلامي، أنهم يعملون على محاربة اليهود في فلسطين، إنما هو تحريف للصراع، وجعله بين المسلمين، واليهود، لا بين أصحاب الأرض، وصهاينة التيه.
وفي هذا التحريف، تبرير للدعم الذي يتلقاه مؤدلجو الدين الإسلامي، من الأنظمة، ومن الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، ومن الرجعية العربية المتخلفة، بالإضافة إلى سحب الصفة الصهيونية عن كيان صهاينة التيه، التي تفتقد شرعية الوجود.
4) أن توظيف الدين، في الصراع الفلسطيني / الصهيوني، من قبل صهاينة التيه، ومن قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، لإعطاء الشرعية للصراع الديني الديني، الذي يعتمده النظام الرأسمالي العالمي، في إذكاء الصراع الطائفي، الذي يتحول إلى ظاهرة تعرفها كل الأنظمة المتخلفة، التي تتصارع فيها الطوائف، من أجل الوصول إلى السلطة، بقوة السلاح.
5) أن انخراط العديد من التوجهات، كل من موقعه، في مقاومة صهاينة التيه في غزةفلسطين، يبين إلى أي حد، أن الصراع قائم على الأرض، بين الشعب الفلسطيني، بمكوناته المختلفة، وبين صهاينة التيه، المتمثلين في الجيش الصهيوني، الذي لا يعرف إلا قتل الفلسطينيين المسالمين، تحت أنقاض المباني ،وفي الطرقات، وفي الساحات العمومية، وفي المدارس، وفي المستشفيات، بينما نجد أن مقاومة الشعب الفلسطيني في غزةفلسطين، لا تتم إلا مع حاملي السلاح، من صهاينة التيه.
فالصراع، إذن، بين الشعب الفلسطيني المتمثل في مقاومته، التي تتصدى لجيوش الكيان الصهيوني، وليس بين المسلمين، واليهود، كما يوهمنا الإعلام الصهيوني، والإعلام المؤدلج للدين الإسلامي، الذي ينفي كل توجهات الشعب الفلسطيني، المنخرطة في مقاومة صهاينة التيه.
ويجنح الصهاينة، عادة، إلى اعتبار الصراع قائما بين المسلمين، واليهود، كما تذهب إلى ذلك كل التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، في فلسطين، وفي غزةفلسطين.
فصهاينة التيه، بادعائهم أن الصراع القائم بين اليهود، والمسلمين، على ارض فلسطين، التي صارت تسمى، بسبب الاحتلال، والاغتصاب، بأرض إسرائيل، التي توحي في مفهومها، بأنها أرض اليهود، وصهاينة التيه، وعندما يدعون ذلك، إنما يعملون على تحقيق أهداف معينة، تتحدد، بالخصوص، في:
1) اكتساب الشرعية الدينية لدولة صهاينة التيه، القائمة على أساس أدلجة الدين اليهودي، الذي يختصر هويته الدينية، في (شعب الله المختار)، فكان الله اختار اليهود، الذين أتوا من جميع أنحاء العالم، وشكلوا دولتهم اليهودية، التي سموها بدولة إسرائيل الكبرى، التي سوف تحكم من نهر دجلة، والفرات، إلى النيل، حتى تشمل جميع المناطق، التي ظهر فيها الأنبياء، أو الرسل، عبر التاريخ البشري، لتكتسب، بذلك، إلى جانب الشرعية الدينية، الشرعية التاريخية، والشرعية الواقعية.
2) تأكيد تلك الشرعية، باعتبار الصراع القائم على أرض غزةفلسطين، هو صراع بين الدولة اليهودية، وبين دولة المسلمين، الذين يعملون على النيل من هذه الدولة، ليصير ذلك الاعتبار وسيلة لالتفاف اليهود، حول دولتهم، هجرة، وانخراطا في الصراع، ودعما بالأموال، التي لا حدود لها، ووسيلة لجعل الدول الرأسمالية، تضخ المزيد من الثروات، في حسابات الدولة اليهودية عبر العالم، إن لم تعمل على تجهيز جيوشها، للانخراط في الصراع ضد المسلمين، فكان الدول الرأسمالية، دول يهودية، يستفزها ما يقوم به المسلمون، ضد اليهود في فلسطين.
3) تحويل اليهود في فلسطين، وعبر العالم، إلى وسيلة ترهب الفلسطينيين، في أي مكان من العالم، وخاصة المسلمين منهم، حتى يرتدعوا، ويتوقفوا عن مقاومة اليهود في فلسطين. وهو ما يترتب عنه توقف الصراع وهجرة المسلمين، إلى خارج أرض فلسطين، لتتوسع بعد ذلك، حتى تحقيق دولة إسرائيل الكبرى، التي لا تضم إلا شعب الله المختار .
وفي المقابل، نجد أن مؤدلجي الدين الإسلامي، في فلسطين، المدعومين من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومن الإخوان المسلمين، في كل مكان من العالم، ومن بعض دول الخليج، التي تدعم الإخوان المسلمين. فوهم المسلمين، في فلسطين، وفي كل البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، بأن الصراع القائم على أرض فلسطين، يجري بين المسلمين، وبين اليهود. فكأن فصائل المقاومة، غير المؤدلجة للدين الإسلامي، والمعروفة بطابعها العلماني، أو اليساري، غير قائمة، أصلا، على ارض فلسطين.
ومؤدلجو الدين الإسلامي، في غزةفلسطين، عندما يصرون على الطابع الديني للصراع، بين صهاينة التيه وبين شعب فلسطين خاصة في غزةفلسطين، إنما يسعون إلى تحقيق أهداف معينة، نجملها في:
1) إبراز الصراع القائم في الكون، وفي التاريخ، وفي الواقع، بأنه صراع ديني ديني، وأنهم عندما يمارسون الصراع ضد اليهود، لا يخالفون نواميس التاريخ، والكون، والواقع، ولإيهام المسلمين، أينما كانوا، بأن من واجبهم، أن ينخرطوا في الصراع ضد اليهود، الموجه من الله تعالى، الذي يريد للدين الإسلامي أن ينتشر، حتى يصير الدين القوي، والوحيد، في هذا العالم، في مقابل انقراض اليهود، والمسيحيين، الذين يقضي عليهم المسلمون، إن لم يومنوا بدين الإسلام.
ومعلوم أن هذا التوجه، وفي هذا العصر، هو توجه أعمى، يعمل على تقسيم العالم إلى مومنين بالدين الإسلامي، وكفار. والكفر يشمل كل من يومن باليهودية، أو المسيحية، وغيرها من الأديان الأخرى، بالإضافة إلى من لا يومن بأي دين، وإلى المسلمين العلمانيين، والديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين؛ لأن إيمانهم بالدين الإسلامي، لا يعفيهم من القتل، ما داموا لم ينخرطوا في التنظيم المؤدلج للدين الإسلامي، الذي يخوض الصراع ضد اليهود. وهو أمر لا يمكن أن يكون مقبولا، أبدا؛ لأن الصراع بين شعب فلسطين، وبين صهاينة التيه، بدأ قبل قيام دولة الصهاينة، وبعدها، أي قبل سنة 1948، وإلى الآن، أي قبل ظهور الحركة المؤدلجة للدين الإسلامي. وهو ما يجعلنا نشكك في مصداقية مؤدلجي الدين الإسلامي، عندما يدعون أنهم يسعون إلى تحرير فلسطين، في الوقت الذي لا يتجاوزون، فيه، العمل على إقامة إمارة في غزة، كما حصل منذ سنوات.
2) إبراز الصراع القائم في فلسطينالمحتلة، والمغتصبة، بأنه صراع بين اليهود، والمسلمين، وأن هذا الصراع، ينتهي بمجرد رفع الحصار عن المسلمين المتواجدين في قطاع غزةفلسطين، التي تصير مرشحة للانفصال عن فلسطين، ولانفصال مسلميها عن الشعب الفلسطيني، إذا تم رفع الحصار عنهم، والاعتراف بهم كإمارة للمسلمين في غزة.
وهذا التوجه، هو الحاضر في ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يتكلمون عن غزة، مفصولة عن فلسطين، وعن الصراع فيما بينهم، وبين اليهود، مع تغييب باقي فصائل المقاومة الأخرى، مدعومين، في ذلك، من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، في جميع أنحاء العالم، ومن الدول المؤدلجة للدين الإسلامي، سواء كانت هذه الدول عربية، أو غير عربية، حتى يتأتى القول بانفصال غزة، عن فلسطين، وبالتالي: إقامة حكم منفصل عن السلطة الفلسطينية، في غزةفلسطين. وهذا الحكم، لا يمكن أن يكون إلا مؤدلجا للدين الإسلامي.
3) إعداد الرأي العام الفلسطيني، في غزةفلسطين، من أجل القبول بانفصال غزةفلسطين، عن فلسطين، وفي نفس الوقت، إعداد الرأي العام العربي، والدولي، للقبول بالأمر الواقع، من منطلق أن من خاض الصراع ضد اليهود، هو المقاومة الإسلامية، التي ينظمهامؤدلجو الدين الإسلامي، ضد دولة اليهود، وليس المقاومة الفلسطينية.
ونظرا لأن الرأي العام الفلسطيني، والعربي، وفي بلدان المسلمين، ليس مؤطرا، بما فيه الكفاية، فإنه يتقبل، بسهولة، هذا الشكل من التضليل، ويصير معتقدا:
1) أن الصراع في فلسطين، يجري بين المسلمين، واليهود، وهو ما يجعل مقاومة الشعب الفلسطيني، تتوارى إلى الخلف.
2) أن هذا الصراع، يجري في غزة، وليس في غزةفلسطين. وهو ما يبث الوهم الإعلامي: بأن غزة مفصولة عن فلسطين.
3) أن قيادة الصراع بيد مؤدلجي الدين الإسلامي، وخاصة حماس، وليس بيد المقاومة الفلسطينية، التي تختار إطارا تنسيقيا فيما بين فصائلها المختلفة.
4) أن تجسيد الصراع بين اليهود والمسلمين، واقتصاره على غزةفلسطين، التي تذكر، إعلاميا، مفصولة عن فلسطين، وجعل قيادة الصراع بين يدي مؤدلجي الين الإسلامي، يوحي بأن مؤدلجي الدين الإسلام،ي يعدون لشيء غير معلوم. ويمكننا أن نستنتج منه، استمرار حماس بالاستبداد بغزةفلسطين، وإقامة إمارتها هناك، تحت حد السيف، لنفي كل الفصائل من غزة، وخاصة فتح، وجناحها العسكري.
وكيفما كان الأمر، فنحن عندما نتعامل مع الصراع على أرض فلسطين، كل فلسطين، نستحضر في أذهاننا شيئين أساسيين:
الأول: أن فلسطين سلمت، من قبل الاحتلال البريطاني، إلى صهاينة التيه، الوافدين من كل أرجاء الأرض، إلى أرض فلسطين، وعلى أساس تشريد الشعب الفلسطيني، الذي احتلت أرضه، واغتصبت لصالح صهاينة التيه، ولصالح دولة صهاينة التيه.
الثاني: أن الشعب الذي احتل وطنه، واغتصبت أرضه، هو الشعب الفلسطيني، بقطع النظر عن المعتقدات، التي يومن بها أفراده، سواء كانوا مسلمين، أو مسيحيين، أو يهودا، أو غير ذلك، أو لا دين لهم.
وبناء على هذين المعطيين، فإن الصراع بين صهاينة التيه، وبين الشعب الفلسطيني، على أرض فلسطين، هو صراع:
1) بين الفلسطينيين، بقطع النظر عن معتقداتهم، وبين صهاينة التيه، الذين اختار لهم الاحتلال الأجنبي لفلسطين، منذ وعد بلفور، وإلى قيام دولة الصهاينة، أن يكونوا من اليهود، ومن الأفضل أن لا نذكر هويتهم الدينية، على ارض فلسطين.
2) أن مقاومة صهاينة التيه، هي المقاومة التي افرزها الشعب الفلسطيني، من بين بناته، وأبنائه. وقد تجسدت هذه المقاومة، في العديد من الفصائل، التي، من بينها، الفصائل المؤدلجة للدين الإسلامي، التي لا ننكر دورها في مواجهة صهاينة التيه، بقدر ما ننكر عليها فرض وصايتها على مقاومة الشعب الفلسطيني، التي تحولت إلى مقاومة حماس، والجهاد الإسلامي، بدل الشعب الفلسطيني.
فهل يتم تصحيح المفاهيم، في الصراع الفلسطيني / الصهيوني؟
وهل يتم تحييد المعتقدات، في هذا الصراع، حتى تأخذ الأمور مجراها الصحيح؟