قرأت هذا المساء خبرا بجريدة المساء - ليوم الاثنين 7فبراير2011 - العدد:1361 - يبدو طريفا للغاية بركن سري للغاية ،غير أن المتأمل في المقال والوضع يشد فكره وغيرته على البلاد والعباد فيتأسف على أحوالنا وأخلاقنا ودرجة النفاق الذي وصل إليه الكثيرون وخاصة خاصة الناس ، من مثقفين و مسيرين و أصحاب القرار النافذ وغيرهم إلى درجة صعوبة تصديق الخبر المكتوب أو المنطوق في بعض الأحيان عند العامة ، فبالأحرى عند المتشكك ، أو الذي لا يصدر حكما حتى تثبت التهمة انطلاقا من القاعدة : المتهم بريء حتى تثبت تهمته ، وما لفت انتباهي هو تناقض السلوك لدى الشخصيات المغربية الوازنة والاستخفاف بالمسؤولية . يقول الخبر بجريدة المساء : (أن صحافيا من جريدة - الأحداث المغربية - تسبب الأسبوع الماضي في تأخير رحلة جوية كان وفد وزاري متكون من ...وكانت شرطة المطار قد اعتقلت ... الصحافي العامل ...الذي كان يرافق وفدا رسميا ... بعدما تبين لها في الحاسوب أن الصحافي متابع بتهمة إصدار شيك بدون رصيد قدره... غير أن تدخلات قام بها أعضاء من الوفد الرسمي انتهت بإخلاء سبيله ... ويشغل...بالإضافة إلى ... منصب رئيس الرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين ...) لا أريد أن أعاود الخبر ولا أن أشوه بالصحافي باعتبار ما حدث له يمكن أن يحدث لأي منا لسبب من الأسباب أو لطارئ ما ، ولكن ما لا يقبله العقل ولا يريده أحد ولا يرضاه لا لنفسه ولا لغيره ، هو السلوك المتعمد من ورائه حاجة في نفس يعقوب ، كسلوك النفاق ، واستغلال النفوذ ، والتقصير في المسؤولية ، وعدم الاكتراث بحقوق الآخرين ، وهي أوصاف وممارسات لا يحس بها من تعود عليها وألفها . إن المبادئ هي شعار المثقف المرشد والتربوي والناقد والداعية والصحفي وما إلى ذلك ، وهي ثابتة عند صاحبها ولا تتغير في الغالب بتغير الأحوال ولا بتغير الوضع ، والأقوال يجب أن تطابق الأفعال في مختلف المواقف والأمكنة بما في ذلك الظروف الصعبة أحيانا ، والأفعال هي حركات وتحركات الشخص في كل تنقلاته وترحاله على أساس الوعي بأن كل ما يقوم به فهو للآخر ، بغية التأثير فيه إما غيرة أو قناعة أو تشبها ، وهي أفعال موجهة عمدا لمن في المحيط من الناس صغارا أو كبارا ، ذكورا وإناثا بهدف الاقتداء بها ، فنحسن مظهرنا وصورتنا لغيرنا وأخلاقنا لمن يقرأ لنا أو ينظر إلينا ، أو ينقل أخبارنا ، وبذلك ربما نساهم بالقدر الذي يتطلبه منا الواجب الوطني والديني في التربية كما في التوجيه وليس من المبادئ الثابتة أن نضع المادة فوق كل اعتبار ونوظف ألسنتنا وأفكارنا لذلك ، ونطلق العنان لقلمنا فنكتب بدون مراقبة الذات ، لأن ما هو سرا سيصبح جهرا ، أي ستكتشف حقيقتنا بمجرد تعاملنا مع غيرنا ، نعم في بعض الأحيان تصبح المبادئ سلوكات متغيرة ، أي قابلية الإنسان لتصحيح ما اعوج فيه ، وما يراه أحسن له ولغيره ، وبالتالي فإن المبادئ مسألة أخلاقية ومعنوية لها دلالات تعكس الهدف الأسمى الذي نريد أن يتطبع عليه الفرد والمجتمع عموما . فما كان لي أن أخوض في هذا ، لو أنني لم أقرأ الموضوع بكامله وهو يقدم كل أسبوع كما ذكرت الجريدة ، نقدا لبعض السلوكيات السلبية في المجتمع ، لذلك أتساءل باحثا عن شيء ما بداخل الإنسان يجعله يقدم نصحا للآخر، ونقدا لاذعا أحيانا أخرى ، والمحب لذاته ، ولا يثق في غيره إلا من زاوية لذة الاستغلال ، بدون توجيه نقد ذاتي ولا محاسبة نفس ، فكيف هي نظرته للمجتمع ، وهل يدرك كيف ينظر إليه المجتمع ، ألا يعلم أن ما كان سرا أصبح جهرا لأن الأفعال لا تتطابق مع الأقوال ، ويظهر هذا جليا في التحركات والمعاملات مع الآخر ، فهل يملك الشجاعة لإعلان التوبة ويكتب ما يطابق الأفعال لأن الشجاعة آخر ما يتعين على المخطئ التحلي به ؟ من الجانب الآخر من الذي فوض للبعثة الوزارية أن تتدخل لدى وكيل الملك لإخلاء سبيل صاحب الشيك بدون رصيد ولو بضمانات ، ومن الذي أعطى الحق للسيد الوكيل لقبول الضمانات ، باستثناء إذا كانت مبلغا نقديا موافقا للرصيد يودع في حساب المعني ورهن إشارة صاحب الحق ، وإن كان القانون يسمح بذلك أم لا ، فمن وجهة القانون على ما يبدو فإن مصير صاحب الشيك بدون رصيد هو الأداء أو الأمور واضحة ، لأن القانون لا يسمح بالتلاعب في المعاملات التجارية ، خاصة وأن هذا المبلغ يدر على صاحب حيازته أرباحا هامة ، فأين هي مسؤولية الحفاظ على حقوق الآخرين ، ومن يحافظ عليها إذا اجتمع السادة الوزراء والصحفي والقاضي ، ومن يرافق من ؟ أولى لهم أن يخلوا سبيله ، ويتركوا القضاء يقوم بواجبه ، أم أن القضاء غير مستقل فنستغل نفوذنا ووضعيتنا الاجتماعية فنميز بين أفراد الشعب ولا نحترم تخصصات الموظف ونتحداه ، فنذل الشرطي والقاضي مثلا ، وندفعه أو نساعده على إهمال واجبه ، ونشجعه بالتالي على الرشوة ، صحيح أن هناك اعتبارات ، تفرض واقعا ما ، لكن في جميع الأحوال لا يمكن أن يكون ذلك على حساب المبادئ ، ولا على حساب حقوق الآخرين . كما أفادت معطيات أخرى من نفس الجريدة والتاريخ التقطها عيناي تفيد أن ( التحريات الميدانية ، التي باشرها قضاة مجلس الحسابات ببلدية أسفي أوصلتهم إلى اكتشاف تورط أسماء وازنة في صفوف قيادات حزبية ونقابية ورجال أعمال ومنعشين وعقاريين ... وأشارت نفس المعطيات إلى أن قيادات حزبية ...كانوا يوقعون دوريا في كناش خاص بقسم الميزانية ، ويستفيدون بموجبه من سيولة نقدية عبارة عن التعويض على "مهام وهمية"... واستنادا إلى نفس المعطيات فقد وقف قضاة مجلس الحسابات على إعفاءات ضريبية "سرية"... بتصرف) وهكذا فإن المتتبع لمثل هذه الأخبار والأحداث وهي سلوكات مسئولين بإدارة البلاد ، وفي مختلف المناطق ، والذي يعيش بالقرب من هؤلاء ، أو متضررا من تدبير الشأن المحلي بالمنطقة ، يحمل هما ثقيلا يزداد ثقلا مع تزايد فساد أخلاق المسئولين الذين لا يكترثون بمصلحة الجماعة ولا الدولة ، ولا هم لهم إلا ما يدخرونه في جيوبهم ، يتمنى رؤية كفاءات وأطر وطنية صادقة بنية خالصة تعمل جاهدة لخدمة البلاد ، لكنه يدرك أن ذلك المنال لا يتحقق إلا مع التربية في الصغر وجهاد النفس في الكبر ، والقناعة بالرزق الحلال والمقدر له ، وينتظر بشوق يوما ما تسند فيه المناصب الحساسة على أساس التصريح بالممتلكات بما في ذلك المقربون ، والمحاسبة الصارمة بعد ذلك ، كما يتوق من جهة أخرى إلى الاستقلال الفعلي للقضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وتطبيق العدالة والاستفادة من خيرات بلاده . إن المتتبع لحركات وتحركات وترحال المسئولين الحكوميين ، وهي عبارة عن أفعال تتبعها الأقوال أثناء ممارساتهم لعملهم ، يتبين له في الوهلة الأولى العمل المضني الذي يزاولونه ، أما حينما يستمع لتصريحاتهم يشفق على حالهم ، ويقتنع من جهة ثانية على ألا أحدا يمكنه أن يقوم مقامهم ، وذلك بفضل أسلوب الإقناع والتلاعب بالألفاظ ، وكأنهم يرفضون تسليم أي سلطة لأي كان ، غير أن العارف بتأويل الخطاب يقارن مشبها تزوير الكلام بتزوير الانتخابات في الوقت الذي يجب اتباع منهج خطابي صريح وواقعي . لماذا لا نستقيم في عملنا ومع غيرنا ونركز في تعاملاتنا على أساس التقدم بحيث نعمل في اتجاه القضاء على مشكلة البطالة ونمنع الرشوة ، وإرساء قواعد الانتخابات النزيهة ، وبذلك نكون قد قدمنا خدمة عالية لقائد البلاد والعباد . بدل البحث عن الغنى الفاحش وركوب اليخت والساعة القادمة أدهى وأمر . حسين سونة