تعيش الصحافة المغربية أحلك أيامها، اتهامات ، رفض ، إقصاء و محاكمات ، فبقدر ما يتحدث الإعلام الرسمي عن الديمقراطية و حرية التعبير ، بقدر ما تكال الضربات تلو الأخرى لرجال الصحافة آخرها الحكم على مدير نشر جريدة المشعل بسنة سجنا نافذا و ثلاثة أشهر نافذة لصحافيين من نفس . الجريدة مع غرامة مالية قاسية ، و لا زلنا ننتظر محاكمة أخرى آتية في الأفق تدان فيها جريدة أخبار اليوممن المفروض أن يفتح هذا الوضع الحرج نقاشا واسعا و عميقا بأبعده السياسية و الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية و لا يقتصر الأمر على البيانات الحكومية و غير الحكومية أو المقالات التي تنشر في الجرائد الإلكترونية و قليلا ما نجدها في الصحف الورقية فهل نحن أمام تصفية حسابات ؟ و هل نحن أمام الوجه الحقيقي لما نسميه في المغرب المخزن ؟ ألا تمثل محاكمة الصحف و الجرائد تراجعا خطيرا في حرية التعبير ؟ الوضع يكشف عن أزمة خانقة قد تهدد السلم الاجتماعي و تعيد المغرب مرة أخرى إلى سنوات نعتها الإعلام الرسمي بسنوات الرصاص ، و حاول النظام الحالي أن يجبر أكبر قدر من الضرر تسببت فيه تلك السنوات ، تفسير ما يحدث للصحافة المغربية في أيامنا هذه ارتبط بطبيعة التساؤلات المطروحة و زوايا النظر المختلفة لمناقشة القضية و هي زوايا تعبر عن قناعات سياسية تمليها انتماءات حزبية معينة ، هناك من يقول إن الصحافة المستقلة المحاكمة تجاوزت الخطوط الحمراء ، و هناك من أصبح يتحدث عن سقوط إعلامي بسبب عدم انضباط الصحافة المستقلة و هناك من يرى أن الإعلام الحزبي و راء ما يقع و لا يعدو الأمر أن يكون تصفية حسابات قديمة و هناك من يرى أن المخزن غاضب من تجاوزات الصحافيين ، إذن التبريرات كثيرة و أرى أن ما يحدث ناتج عن ضعف الصحافة ،فهي لا تتوفر على قاعدة شعبية ،إحصائيات القراءة التي تمثل الدعامة الأساسية للمشهد الإعلامي تنبئ بوضع كارثي , لا يتجاوز مؤشر طبع الصحف المغربية 350 ألف نسخة يوميا ، أما اقتناء الجريدة و قراءتها فهذا حديث ذو شجون ، مادام أن نسبة كبيرة من المغاربة اختاروا ممارسة التغيير في المقاهي أمام فناجين القهوة ، فإن الاعتداء على الصحافيين سيستمر و سيكون بشراسة أقوى في المستقبل القريب . طبعا لا نتفق مع اختيارات العدالة المخزنية في حكمها بالسجن على الصحافيين و إغلاق مقرات الجرائد بدون موجب حق ، نرفض هذه الاختيارات و نندد بها و لكن في نفس الوقت نرفض اختيارات الفئة المثقفة السلبية نرفض اختياراتها لأنها ركنت إلى الظل و لم تتحمل مسؤوليتها في بناء المغرب الجديد ، اختارت التفرج عن بعد أو الخوض في مهاترات لا قيمة لها و لا فائدة ترجى منها ، تمارس رقابة على التعبير و الإبداع أكثر مما يمارسه المخزن أحيانا ، تظن أنها تمتلك كل الأجوبة لكل التساؤلات ، بل أصبحت تكن عداء مقيتا للسؤال ، نمطت الفكر و أرشفته في خانة الثوابت و المقدسات ،وهي تحارب كل فكر متنور بتصنيفه ورفضه و تكفيره ، المخزن يرحب بهذه الفئة لأنه يجد فيها تبريرا لمواقفه العدائية الطبيعية لحرية التعبير، ضعف الصحافة الذي يزكيه ضعف مستوى الكثير من الصحافيين و ميلهم للارتزاق المجاني سيجعل من الحديث عن حرية التعبير بالمغرب ضرب من الخيال العلمي ،علينا جميعا أن" نشدوا حزام السلامة ولا الندامة"