بصدور الحكم بالسجن ثماني سنوات لصحافيين مغربيين وغرامة بأكثر من 400 الف دولار، يأخذ النقاش حول العلاقة بين السلطات المغربية والصحافة المستقلة شكلا جديدا بعد ان توالت على الصحافيين الاحكام بالسجن والغرامات المالية الباهظة . وقضت محكمة مغربية من الدرجة الاولى بالدار البيضاء يوم الجمعة الماضي بأربع سنوات سجنا موقوفة التنفيذ بحق كل من توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة 'أخبار اليوم' وخالد كدار الكاريكاتوريست ورسام الصحيفة على خلفية رسم للامير مولاي اسماعيل ابن عم الملك محمد السادس، نشرته الصحيفة في عددها الصادر يوم 26 ايلول / سبتمبر، رأت فيه السلطات اهانة للعلم المغربي لانه تضمن نجمة غير مكتملة قرأتها كنجمة سداسية واعتبر الامير الرسم الذي نشر بمناسبة زفافه على شابة المانية إساءة له بقراءته لطريقة رفع يده بالرسم كتحية نازية. واعلن القاضي نور الدين قاسين رئيس هيئة المحكمة التي نظرت بالملف عن سنة سجنا موقوفة التنفيذ لكل من بوعشرين وكدار في دعوة تقدمت بها وزارة الداخلية تتهمهما ب'إهانة العلم الوطني والمُشاركة' بناء على الفصل 267 من القانون الجنائي المغربي كما قررت المحكمة اغلاق مقر الصحيفة وإفراغه نهائيا، مع أداء غرامة مالية حددت قيمتها بمئة ألف درهم (14 الف دولار)، مع تحميل الصائر. وفي مساء نفس اليوم وفي نفس المحكمة اصدرت هيئة برئاسة القاضي حسين جابر الحكم الثاني بحق الصحافيين بوعشرين وكدار على نفس الخلفية التي رفعها الامير مولاي اسماعيل التي طالب فيها بمبلغ تعويض عن 'الإساءة' يصل إلى ثلاثة ملايين درهم (400 الف دولار) جراء نفس الرسم موضع المتابعة الأولى، وهي المُحاكمة التي استندت إلى الفصل 41 من قانون الصحافة المرتبط ب 'الإخلال بالاحترام الواجب للملك وأفراد الأسرة الملكية' وقضت المحكمة بثلاث سنوات موقوفة التنفيذ في حق كل من بوعشرين وكدّار، وغرامة مالية تضامنية محدّدة في مئة ألف درهم، وتعويض مدني للأمير مولاي إسماعيل استُجيب له بالكامل في ثلاثة ملايين درهم. واقتحمت الشرطة المغربية مساء يوم الاثنين 28 ايلول / سبتمبر الماضي مقر صحيفة 'اخبار اليوم' وطلبت من العاملين بالصحيفة مغادرته وصدر بلاغ من وزارة الداخلية اعلن سحب اعداد الصحيفة من الاكشاك ومنع صدورها ومتابعتها قضائيا، وهو ما اعتبره الصحافيون مخالفا للقانون حيث ان سلطات وزارة الداخلية تقتصر على سحب عدد واحد من الاكشاك فيما منع الصدور واغلاق المقر رهين بحكم قضائي الا ان النيابة العامة ابلغت الصحافيين اثناء المحاكمة ان قرار المنع والاغلاق صدر عن الوزير الاول الذي كان صرح قبل ذلك بان لا علاقة له بالقرار ولم يتابع الملف. وأتى الحكم ضد صحيفة 'اخبار اليوم' بعد احكام صدرت الاسبوع الماضي ضد 'الجريدة الاولى' التي قضت بسنة سجنا موقوف التنفيذ بحق مديرها علي انوزلا وثلاثة اشهر سجنا موقوفة التنفيذ بحق بشرى الضو الصحافية بنفس الصحيفة على خلفية تقارير نشرتها نهاية آب (اغسطس) الماضي حول فيروس يروطا الذي كان تقرير طبيب الملك الخاص اعلن عن اصابة العاهل المغربي به، كما قضت محكمة بالرباط على نفس الخلفية بالسجن النافذ لمدة سنة بحق ادريس شحتان مدير اسبوعية 'المشعل' وادخل السجن مباشرة بعد صدور الحكم بالاضافة الى ثلاثة اشهر سجنا بحق صحافيين اعدا التقارير للصحيفة. واثارت هذه المحاكمات والاحكام قلقا في اوساط الصحافيين المغاربة الذين حملوا يوم الجمعة الشارة الحمراء في أماكن عملهم، للمطالبة بطي صفحة الخروقات القانونية والتجاوزات التي سجلت في الأسابيع الأخيرة ووقف المتابعات، وأساسا إغلاق مقر جريدة 'أخبار اليوم' واستعمال مسطرة استثنائية للزج بمدير جريدة 'المشعل'، الزميل إدريس شحتان، في السجن، بالإضافة إلى المبالغة في المتابعات والمحاكمات. كما اعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي دعت إلى حمل الشارة هذا الاحتجاج استمرارا في المطالبة بفتح حوار وطني جدي وفاعل من أجل إصلاح قانون الصحافة ووضع آليات تنظيم وتطوير المهنة واحترام الأخلاقيات. ودعت النقابة إلى إطلاق نقاش شامل داخل المؤسسات الصحافية والإعلامية لوضع الهياكل الضرورية مثل مجلس التحرير، للسهر على احترام أخلاقيات المهنة، وتطوير الديمقراطية الداخلية، ومخاطبة الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، في هذا الشأن، والاتصال بالأحزاب السياسية والفرق البرلمانية لتحمل مسؤوليتها تجاه تجميد أوراش إصلاح قانون الصحافة وكل القضايا الأخرى المرتبطة بهذا الإطار. وسجلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بعد نجاح الاحتجاج 'الإرادة القوية التي أبان عنها الصحافيون في فتح ورش الإصلاح الشامل للقطاع سواء تعلق الأمر بقانون الصحافة أو بموضوع أخلاقيات المهنة'. ووجهت النقابة، في بلاغ لها، بمناسبة حمل الصحافيين المغاربة شارة حمراء تحت شعار 'لا رجعة عن حرية الصحافة، نعم لأخلاقيات المهنة'، تحية تقدير واعتزاز للجسم الصحافي معتبرة أن نجاح 'اليوم الوطني الاحتجاجي' يعد 'دليلا على رفض الجسم الصحافي لكل الإجراءات الاستثنائية التي طالت جريدة (أخبار اليوم) واعتقال مدير أسبوعية (المشعل) إدريس شحتان.' ودعت 'كل الفاعلين الآخرين من جهات رسمية وناشرين ومديري مؤسسات الإعلام إلى إطلاق آليات الإصلاح والحوار من أجل تعزيز الحريات وتطوير الممارسة المهنية'. وحسب البلاغ فإن النقابة 'تابعت من خلال لجان المؤسسات ومكاتب الفروع مدى نجاح هذا اليوم، وسجلت باعتزاز كبير، تجاوب الصحافيات والصحافيين المغاربة الذين عبروا بذلك عن نضجهم ومسؤوليتهم وروحهم التضامنية العالية'. وحثت منظمة 'مراسلين بلا حدود' وزيرة الخارجية الامريكية التي وصلت الى مراكش للمشاركة في الدورة السادسة لمنتدى المستقبل على الضغط على المسؤولين المغاربة لوقف التضييق على الصحافة. وقال جان فرانسوا جويار الأمين عام لمنظمة 'مراسلين بلا حدود' في مذكرة وجهها الى هيلاري كلينتون ان منظمته المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة تأمل 'لفت انتباهكم إلى وضع حرية الصحافة المتدهور في هذه الدولة بعد مرور عشرة أعوام على تربّع محمد السادس على عرش المملكة المغربية في العام 1999'. واوضح جويار ان 'حصيلة وضع حرية الصحافة في المغرب تبدو متباينة. وبعد إحراز بعض التقدم الفعلي في بداية عهده، ازدادت النكسات وارتفعت حدة التوتر، لا سيما بدءاً من تموز/يوليو 2009. فمنذ العام 1999، حكم على الصحف المغربية بتسديد غرامات تتجاوز المليوني يورو فيما حكم على الصحافيين بعقوبات بالسجن يتخطى مجموعها ثمانية وعشرين عاماً. واضاف 'مع أنه بدا أن (الخطوط الحمراء) قد تراجعت في السنوات الأخيرة بفضل مثابرة الصحافة المستقلة وسعي محمد السادس إلى التهدئة، نشهد منذ بضعة أشهر إعادة تأكيدها في القصر الملكي ولا سيما حول قضية صورة الملك وشخصيات الأسرة المالكة. وبين تعدد الدعاوى والغرامات الفادحة الإدانات بالسجن، لا يوفّر القضاء المغربي أي سلاح من ترسانة كاملة لتخويف الصحافة المستقلة وكمّ أصواتها'. وناشد الامين العام لمنظمة 'مراسلين بلا حدود' الوزيرة الامريكية تذكر الصعوبات التي تواجهها الصحافة المغربية المستقلة، وأن تتطرّق مع السلطات المغربية إلى هذه المسألة الملحّة. وقال 'إن منتدى المستقبل الذي أرسته الإدارة الأمريكية في العام 2004 يهدف إلى تعزيز نشر الديمقراطية في (الشرق الأوسط الكبير) ومن المعلوم أن حرية الصحافة هي من العناصر الأساسية المكوّنة لهذه العملية'.