قلة من العامة من يفكر في الوضعية المأساوية التي آل إليها تعليم القرن الواحد و العشرين بالمغرب ، بينما نجد جل العامة الرعاع يتسابقون نحو مدح المشاريع الفاشلة و المبادرات التافهة ، التي تخسر المغرب و تكلفه أكثر مما تفيد ابناءه و نخبة ناشئته.فبات التعليم واقعا يحتضر بين أيدي وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الاطر و البحث العلمي التي زادت الطين بلة بعد جملة التدابير و القوانين الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ و أخرى أصبح يتغاضى عن تطبيقها بالشكل المطلوب ، فمع منع تأنيب التلميذ و معاقبته بإخراجه من فصل الدرس و منعه من متابعة الحصة في حالة قيامه بأي قبح أو موقف خارج عن نطاق أخلاقيات التلمذة ، بات هذا الأخير يخال نفسه في موضع قوة ، يحيله الى ارتكاب ما يحلو له دون ارتقاب المساءلة أو الهلع من العواقب . و قد واكبت القوانين المستحدثة المستقدمة أساسا من تجارب اروبية نجحت في بلدهم ،لكنها لن تفلح يوما في مغربنا الغالي مادام على حاله و بمنظوماته الرتيبة و ايدولوجياته المتناقضة ، مظاهر خلل علنية تأبى الوزارة الوصية الاعتراف بها و الخضوع للفشل الذريع الذي يمكن التنقيب عنه ما بين صفوف تلاميذ متسكعين بين الأقسام ، يشوشون على زملائهم و كأنهم بذلك يفعلون مقولة الشارع " علي و على أعدائي" و غالبيتهم تلاميذ أعيد ردهم الى المقعد المدرسي بعد الفصل أي التكرار لثلاث سنوات متعاقبة . و هنا نطرح قضية شائكة باتت متفشية بشكل مخيف ، فمع أنها ممارسة تربوية تتيح للتلميذ فرصة جديدة للمعاودة الى التعليم و مباشرة المستقبل ، الا اننا في هذه الحالة نتحدث عن "تلميذ رجل" يتجاوز سنه العشرين ربيعا ، بفكر مختلف و رؤى متباينة ، تستفزه آراء الأساتذة و تدخلاتهم ، فلا يقبل منهم تأنيبا و لا نصيحة ، و يصبح بذلك متمردا على واقعه ، الذي يشتركه مع استاذ يتحمل نتائج طيش مراهقة متاخرة ، و عواقب قرار وزاري لا يراعي قدرات الاستاذ و لا أوضاعه الاقتصادية ، الاجتماعية ، النفسية.... ، خاصة بعدما أصبح التلميذ يمارس عاداته السيئة داخل الفصل الدراسي ، بل و أمام الملأ ، و يلج القسم و هو في حالة سكر أو تحت تأثير أقراص الهلوسة ، دون اغفال التدخين الذي ما فتئ يتملك من براثين المراهقة بما في ذلك العنصر الذكري و الانثوي...الشيء الذي يصب في حوادث تقع داخل المؤسسة التعليمية ، تخلف خسائر مادية و معنوية ، يجبر ضررها باستدعاء ولي الأمر و الحديث معه قليلا في الحراسة العامة ، ينتهي المطاف عند كم من التوسلات و التبريرات ، أو إذا اقتضى الحال انتقاص نقطة او اثنتين من السلوك .لقد أخذنا الحديث عن المقاربات التعليمية الجديدة ، الى اجمال بعض من المظاهر المنتشرة بشكل كبير بين المؤسسات التعليمية المغربية ، و التي مازالت الادارات و المؤسسات التابعة لهذا القطاع "النيابات و الاكاديميات" متغاضية عنها ، "لا عين شافت ، لا قلب وجع" ، فجلها يدور في فلك التلميذ والمؤسسة و لا تتسع رقعة النقص لتثير زوبعة الرأي العام ، و هنا يكمن مشكل المغرب،فهو يتماطل و يتناسى و يغض عينه الى المشكل مادام لا يوجد من يبحث فيه و يلتمس حلا له. من عجائب التعليم في عصرنا ، قضية التقاعد ، حيث أن الاستاذ يحمل على عاتقه مسؤولية قسم الى حدود انقضاء فترة خدمته ، فيفسح المجال لغيره ، و الى حين التحاق الاستاذ الجديد بمقر عمله ، يبقى التلميذ ضحية ارتجال الوزارة ، و اجراءات النقل المتباطئة ، و سياسات التوظيف المباشر الذي أدخل حيز التنفيذ مؤخرا ، بلا تكوين و لا منح للاستاذ فرصة الادماج و هيكلة المهارات و توظيفه ضمن فترات التدريب القانونية . اقرار نجاح التلميذ بمعدلات ناقصة ، منع العقاب ، سن قوانين صارمة بحق الاستاذ في حالة محاولته معاقبة تلميذ أو تحريضه على الجري وراء مصلحته ، السماح للتلميذ بممارسة حرياته على حساب أخلاقيات الطالب المتعلم ، تغاضي الاطر عن تصرفات التلاميذ داخل المؤسسة ،المتنوعة ما بين استهلاك المخدرات و التدخين بشكل علني ، العلاقات المراهقية و التحرشات الجنسية , طالب جامعي لا يقوى على كتابة طلب ، تلميذ في الباكالوريا يرتكب أخطاء املائية فادحة.. .. هي نبذة مصغرة عن المفاوتات و ووجهات الخلل في التعليم المغربي رغم سياسات الاصلاح الجائرة على حقوق الاستاذ و التلميذ ، و التي لا تصلح معها الحلول الترقيعية و لا المنهجيات العليلة . لاعادة هيبة زمن التعليم و التربية ، لا بد أولا من اعادة النظر في القوانين ، و لتطالب الوزارة الاساتذة بتلاميذ أكفاء و كوادر مستقبلية ، لا بد عليها أولا أن توفر المناخ و تصلح الاخطاء السالفة ، و تصرف النظر عن الديداكتيكيات المتلفة، التي جعلت من التعليم بالمغرب واقعا محتضرا قبل أن يصبح فعل ماض ناقص أو ربما مشروعا مبنيا للمجهول ، في كنف تماطل المسؤولين ، تضارب المصالح و الرؤى ، و انسياق هياكل الدولة وراء سيول اروبا و استقدام تجارب طبقت في دول متقدمة و من المستحيل تعميمها على أخرى مازالت تنعت بالمتخلفة .