ببالغ حزن ، وكامل أسف ، وشديد تأثر لما آلت إليه أوضاع الشغيلة التعليمية بالمغرب ، تلقيت كغيري من زملائي من المعلمين والأساتذة نبأ الفتح الجديد لوزارة التربية الوطنية ، وهو مسطرة التنقيط للترقي الجديدة ، التي ، وبناء على استنتاجات أولية مما تقاطر علينا منذ أسبوعين تقريبا من بلاغات وبيانات التبرؤ منها من قبل مختلف النقابات ، خصوصا " النقابات الخمس الأكثر تمثيلية" والتي يشتم من وراء سطورما تختطه أيادي صائغي نصوصها الشديدة اللهجة هذه الأيام مشاركتها في التأسيس لهذه الكارثة ، التي وقعت على رؤوسنا هي الأخرى مضاعفة معاناتنا ، ومكرسة مآسينا التي لا تزداد إلا عظمة موسما بعد موسم ، وعاما بعد عام . إن ما يحز في النفس بشدة ، هو الصمت المطبق للشغيلة ، فكم من مشروع مرر ، وكم من مهزلة كنا عليها شاهدين ؟ فبعد مسلسل الزيادات الوهمية التافه ، والذي سوقت له الجهات الوصية ، وشارك " الفرقاء الإجتماعيون " في الإجتماعات الماراطونية الممهدة له - مع عدم إغفال التبرؤ منه - طبعا - بعد أن صار واقعا وعرف طريقه إلى التطبيق - لتتبعه شبكة التنقيط العجيبة ، والتي مررت أيضا أمام أنظار هؤلاء الفرقاء ، الذين يتسابقون اليوم نحو إعلان البراءة من كل ما تم تمريره ، فقط لخشيتهم من سحب البساط من تحت أقدامهم من قبل نساء ورجال التعليم ، الذين- للأسف- لم يستفيقوا بعد من السبات العميق الذي استمر عقودا ، وعسى أن يستيقظوا قبل فوات الأوان. فمادا ينتظر رجال التعليم من أمثالي ، ومن سابقي الذين منهم من رباني وعلمني قبل أزيد من خمسة وعشرين سنة خلت ، ولا زال يقبع في السلم التاسع ، من أفواج السبعينيات والثمانينيات ، وما مصير خريجي المراكز لسنوات 89 و90 ؟ وما مصيرنا نحن المغضوب عليهم من المنتسبين لفوجي 93 و94 الذين يقضون هذا الموسم 14 سنة في نفس السلم ، بعد أن سرقت الوزارة عاما ونصفا من سنوات عملهم ؟ دون أن نغفل أفواج 95 ،96 ، 97 ، 98 و99 ، عشرات الأفواج ، وعشرات الآلاف من المنتظرين ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، لتأتي الوزارة في آخر لحظة ، علما أنها لم تفعل ذلك من جانب واحد كما يشاع من قبل "الفرقاء الإجتماعيين" وتصدر مراسيمها وشبكات تنقيطها ، التي تضيف إلى الظلم الممارس علينا منذ عقود ، جورا آخر أكثر خطورة ، وهو شرعنة الوصولية والمحسوبية والزبونية والتزلف والتسلق ولعق الأحذية وذلك برهنها ترقية نستحقها جميعا كأبرز حقوقنا وضمانا لأدنى درجات العيش الكريم الذي هو أسماها كآدميين بمدى انبطاحيتنا واستعدادنا لطأطأة الرأس حتى نحصل على التشجيعات ونقط المديرين والمفتشين ، ومدى استعدادنا لعدم التأخر والتغيب مهما كانت الأسباب والدوافع وكأننا لسنا بشرا ، مع عدم نسيان أن كل سنواتنا التي سرقت منا وأضعناها في تنفيذ برامج الوزارة التافهة ذهبت سدى ولم يعد لها اي أثر في الترقي ولا الحركة الإنتقالية ، بل صار بإمكان من تخرج في 1999 أن يرقى ، ويحرم من بلغ من العمر عتيا وقذعلمه قبل خمس وعشرين سنة أي أفواج السبعينيات والثمانينيات . فأي ظلم يظاهي ظلم الوزارة وفرقائها الإجتماعيين هذا ، ولماذا لا يتكتل كل المتضررين في برنامج نضالي غير مسبوق يكون آية للناظرين والناضرين على السواء ؟ إن صمتنا ، وترقبنا الذي لن يأتي - حتى لا نجتر العبارات التي توارثناها عن الأسلاف من قبيل الذي يأتي أولا يأتي ،لأن أي شيء لن يأتي - لن يفيدنا في شيء ، وانتظارنا تحرك مختلف الدكاكين النقابية التي تناسلت كالفطر ، التي تبيع القرد وتستهزئ بمن اشتراه ، ونحن من اشترى القرد للأسف ، ولم نفطن بعد للعبة ، إن هذه الحال ، وهذا الإنتظار ، واكتفاءنا بمناجاة أنفسنا وقضم أصابعنا من الأسى ، وترقب تحرك من ممثلينا النقابيين المختلفي الأهواء والمشارب والمثالب والمناقب والمآرب والأهواء، الذين يكتفي كل منهم بنصرة ومناصرة ، تهنئة ، تعزية ومواساة منخرطيه ، والذين ينطبق عليهم "اذهب أنت ونقابتك وقاتلا إنا هاهنا قاعدون" ، في تناف تام مع الأهداف المثلى التي أسست من أجلها النقابات ، والتي تعد مصلحة رجل التعليم أسماها ، والتي حادت عنها كثيرا منذ تدشين ما يسمى بالسلم الإجتماعي الذائع الصيت . إن كل المدافع مصوبة إلى صدورنا ، نحن المنبوذون ، المحرومون من كل حق ، المصادرة أبسط مطالبنا ، المدبجة بها مختلف الملفات المطلبية دون أن يتحقق منها ولو الفتات ، ونحن بناة الوطن ، مربو الأجيال ، منتجو المعرفة ، الذين تكالبت عليهم الألسن من مختلف الأطياف والأصناف ، فألصقت بنا الدولة إخفاقات كل برامجها وإصلاحاتها وإصلاحات إصلاحاتها ، التي تعددت وتناسلت وتضاعفت ، واستعجلت استعجال السلحفاة تقزيم صورة المدرس ، واختزلت فينا كل أسباب فشل تعليمنا ، رغم أن الشمس لا يحجبها غربال ، وأن كل أسباب فشل التعليم يتحملها قبل كل شيء القيمون على الشأن التعليمي ببلادنا ، وهم المسطرون للبرامج ، الواضعون للمخططات ، المفوتون للبنيات والبنايات ، المتقشفون في التجهيزات ، المتلاعبون في المحتويات ، المتاجرون في التكوينات وولوج مراكزها والمقررات ... فما عساني أفعل أنا وأنت أيها المدرس البئيس ، الذي سفه وتفه ، ومسخت صورته وسمعته لدى العامة من قبل وسائل الإعلام الرسمية التي نمولها من عرق جبيننا وقوت ذوينا لتمطرنا بالسباب كل يوم ، ولم تكلف نفسها يوما قول الحقيقة ، حقيقة أن ما يحدث ، وما يخطط له يتجاوز المعلم ، ويتجاوزها هي نفسها ، وهي البوق الأزلي للأوساط المعلومة ، ,ان في نفس يعاقيبنا أغراض شتى ، وما نحن إلا مشجب تعلق عليه الإنتكاسات والعثرات والنكبات ، ولم يعترف أحد قط بحقيقة أوضاعنا التي لا تزداد إلا سوءا موسما بعد موسم ، وحقيقة أننا لسنا إلا حطب جهنم في مخطط خطير لا يفطن لمراميه إلا الراسخون في العلم على الطريقة المغربية ، ومعطى أن 75 بالمئة منا يعيشون معيشة الشظف ، بعد أن استنزفت مؤسسات القروض ما تبقى من مرتباتهم الهزيلة أصلا ، التي تمتص فاتورة الكراء أو قروض السكن ، وسائل النقل ،الهاتف ،الأنترنيت ،الماء ، الكهرباء ، الدواء ، كسوة الأولاد ... دون نسيان الخبز والطاجين اليومي الذي لم يزدد إلا غلاء خلال السنوات الأخيرة جلها ، ليكتفي "مربو الأجيال" من أمثالي بأكل "صاحب الدكان" ... فما أنتم بعد هذا اليوم فاعلون ؟ وما عساكم تنتظرون ؟ يا متحملي الساعات التطوعية جورا ، ويا أيها القائمون بكل شيء في المدرسة الإبتدائية ، ولا أحد اعترف لكم بجميل ؟ عشرات المواد وراءكم ، مئات الكراسات تنتظر الأحمر من أقلامكم ، عشرات الجذاذات يوميا تستنزف أبصاركم ، وثلاثة في الطاولة ، خمسون في القسم أمامكم ، والوزارة والمنتسبون إليها فوق رؤوسكم ، من ورائكم وأمامكم يؤجلون أحلامكم ويصادرون حقوقكم ، فهلا استفقتم وقررتم مصيركم بايديكم ؟