تعيش المؤسسات التعليمية والمكاتب الإدارية، التابعة لقطاع التعليم المدرسي محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، حالات ترقب وانتظار ممزوجين بالتوتر والإحباط لما يجري داخل مديرية الموارد البشرية بوزارة التعليم، بسبب نتائج الترقية الأولية التي وصفها المتضررون وبعض النقابيين بالمجحفة. فبعد أن دخلت الأطر التربوية والإدارية في دوامة انتظار ما ستفرزه نتائج الترقية بالاختيار لسنة 2008، التي انطلقت يوم 22 دجنبر الجاري وستستمر إلى غاية 12 يناير من السنة المقبلة، انطلقت شرارات التوتر والاستياء داخل الأوساط التعليمية من بعض النتائج الأولية الخاصة بلجان الترقي التي حسمت أيام الثلاثاء والأربعاء والجمعة الماضية في ملفات المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي وأساتذة التعليم الابتدائي ومفتشي المصالح المادية والمالية وملحقي الاقتصاد والإدارة، فيما لم يعرف بعد مدى ارتياح ما أفرزته هذه اللجان أمس الاثنين بخصوص أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، وما ستفرزه اليوم الثلاثاء بخصوص نظرائهم في التعليم الإعدادي وبعد ذلك باقي الفئات الأخرى. واعتبرت الشغيلة التعليمية، حسب تصريحات متفرقة تلقتها «المساء» من مدرسين ومسؤولين نقابيين، أن النتائج الجاري الإعلان عنها اتباعا لا تسير وفق أهداف وانتظارات البرنامج الاستعجالي، مطالبين بترقية استثنائية تكون بمثابة تحفيز للشغيلة التعليمية، العمود الفقري لكل نهضة تربوية، أو على الأقل الالتزام باتفاق فاتح غشت من سنة 2007 القاضي برفع نسبة المستفيدين من الترقية بالاختيار من 14 في المائة إلى 33 في المائة من مجموع المستوفين لشروط الترقية. إحباط كبير يسود الأطر التي تعول عليها لطيفة العابدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي في تفعيل المخطط الاستعجالي المدرسي خلال السنوات الأربع المقبلة، ليس فقط من النتائج التي اعتبرها البعض منتظرة بسبب تعنت وزارة أحمد اخشيشن ورفضها تليين مواقفها تجاه المطالب النقابية التي أجمعت كلها على ضرورة تخطيط برامج نضالية لاستئصال مكاسب تعليمية، ولكن بسبب اعتماد الترقية بالاختيار على عملية تنقيط لا تراعي كفاءاتهم ولا التنوع والاختلاف الحاصلين بين كل الفئات التعليمية. ولعل التوتر السائد منذ انطلاق الموسم الدراسي الجاري بين وزارة التعليم وشركائها وخصوصا النقابيين منهم، يوضح مدى متانة جدار التواصل الذي نصب بين الوزارة وشركائها، وحد من تكثف وتقنين مفاوضاتهم، بل إن النقابات التعليمية، وضمنها التابعة للأحزاب الماسكة بسير قافلة البلاد، أبدت تحفظاتها وقررت الوقوف إلى جانب الشغيلة التعليمية المتضررة حفاظا على صلابة أعمدتها القاعدية. فالمتضررون يطالبون بتقنين عملية التنقيط وضبطها لكي لا تكون سلاحا عشوائيا يلوح به المدير أو المفتش ونائب التعليم في وجه المدرسين والإداريين والأعوان، ويعتبرون أن العديد ممن تمكنوا من تصدر لوائح المرتقين بالاختيار لا كفاءة لهم في مجالات عملهم، وأنهم يعتمدون على «الولاءات والضغوطات النقابية، الزبونية والمحسوبية»... من أجل تضخيم النقط وتصدر لوائح الترقية بالاختيار. «المساء» التي استقت آراء العديد من الأطر التربوية والإدارية بعدة نيابات تعليمية، تلقت ردودا قوية من طرف إداريين أدت مواقفهم بخصوص بعض القضايا التربوية والإدارية إلى توتر علاقتهم مع بعض نواب التعليم أو مديري المؤسسات التعليمية الذين واجهوهم بنقط سنوية ليس في مستوى تطلعاتهم. كما انتقد آخرون عملية التنقيط التي يسلكها مفتشو بعض المواد المدرسية، مشيرين إلى أنه في الوقت الذي يعمد بعض المفتشين إلى منح نقط التفتيش بسخاء للمدرسين، يمنح آخرون نقطا متواضعة لا يمكنها أن تضمن لأصحابها تموقعا مهما داخل لوائح الترقية بالاختيار. وتساءل آخرون عن قيمة الجهد الكبير الذي يقوم به مدرسو بعض المواد، وخصوصا في التعليم الثانوي التأهيلي والإعدادي مقارنة مع مجهود مدرسي مواد أخرى، وكيف أن مفتشي بعض المواد الدراسية يمنحون نقطا تصل إلى 20 على 20. في الوقت الذي يستحيل فيه أن تمنح تلك النقط من طرف مدرسين آخرين نظرا لخصوصيات تلك المواد الدراسية. وعن النقطة الإدارية التي يمنحها نائب التعليم للمدرسين، تساءل بعضهم عن الشروط والمعايير المعتمدة في عملية التنقيط، وتساءلوا عن مدى قدرة نائب التعليم على تقييم مدرس من بين آلاف المدرسين التابعين لمنطقة نفوذه الإداري والتربوي، وهل هناك لجنة نيابية تؤدي دورها في التنقيط، مشيرين إلى أن النقطة الإدارية للنائب الإقليمي إذا كانت تعتمد على النقطة الإدارية لمدير المؤسسة التي يدرس بها المدرس ونقطة مفتش مادة تخصصه، فإنه من الأحسن الاستغناء عنها، وتبقى خاصة بالإداريين فقط. طريقة التنقيط تثير كذلك إكراهات كثيرة لدى نواب التعليم المنشغلين منذ بداية الموسم الدراسي وحتى نهايته في تنفيذ المذكرات الوزارية التي تأتي من كل الأقسام والمصالح بوزارة التعليم، بعضها يأتي في أوقات جد متأخرة عن تاريخ تفعيلها، مما يحول دون الاهتمام بتنقيط المدرسين، فيعمدون في غالب الأحيان إلى اتخاذ إجراءات في تنقيط المدرسين وفق «عرف» أو أسلوب لين من أجل إرضاء المدرسين. ولعل ما وقع الموسم الماضي من تلاعبات في عمليات التنقيط الخاصة بمفتشي بعض المواد الدراسية خير دليل على أن هذا النمط من التقييم لن يمكن من ترقية المدرسين الذين يستحقون الترقية عن جدارة واستحقاق. فمديرية الموارد البشرية، التي أعادت فتح ملفات المعنيين بالترقية بالاختيار، وجدت أن مدرسي بعض المواد الدراسية (التربية البدنية، التربية الإسلامية،..) منحهم مفتشوهم نقط 20 على 20، فيما ظلت نقط مدرسي مواد أخرى (الرياضيات، الإنجليزية، الفيزياء...) دون مستوى تطلعاتهم في الترقية. كما وجدوا أن مفتشين من شدة غيظهم على تلك النقط العالية التي منحها زملاؤهم لبعض المدرسين، أخذوا المبادرة ورفعوا نوعا ما من نقط التفتيش لصالح مدرسين دون تحرير تقارير في الموضوع، وهم يعلمون، حسب الزيارات الميدانية التي أجروها، أن هؤلاء المدرسين لهم من الكفاءات ما يؤهلهم للترقي قبل غيرهم. لكن الوزارة ألغت تلك النقط وطالبت بقبول كل نقطة تفتيش مبنية على تقرير رسمي. تجاوزات التنقيط جعلت العديد من المدرسين يتم إقصاؤهم من الترقية بالاختيار، وتكفي الإشارة إلى أن بعض أساتذة الثانوي التأهيلي ندموا كل الندم على كونهم ولجوا المدرسة العليا للأساتذة من أجل تغيير إطارهم بعد أن كانوا أساتذة التعليم الإعدادي، فالسنتان الدراسيتان اللتان قضوهما داخل المدرسة العليا لم تمكناهم من ضمان الترقية إلى السلم 11، رغم أقدمية فاقت لدى البعض 16 سنة في الإطار الجديد، في الوقت الذي تمكن فيه زملاؤهم في التعليم الإعدادي، الذين تخرجوا معهم من نفس المراكز التربوية الجهوية وفي نفس المواسم الدراسية، من بلوغ السلم 11 وبعضهم ينتظر حظه في الترقية خارج السلم، سواء باتباع نمط الترقية بالاختيار أو الترقي عبر اجتياز المباراة المهنية التي تعرف هي الأخرى، حسب المعنيين بها، تجاوزات قبل وأثناء وبعد يوم الامتحانات.