الغضب المتفجر في تونس هو غضب كل العرب على واقعهم المزري، هو الرفض الأبي لإذلال قدرات الإنسان، وتسفيه رأيه، وتسخيف إرادته، ولا فرق بين حاله الإنسان العربي في تونس وإخوانه العرب في شرق البلاد وغربها؛ وذلك لأن اليد التي تلهب ظهر العرب بالتمزق، والتفرقة، والتخلف، والبطالة، والفقر، والضياع، هي يد واحدة وإن تعددت السياط، وإذا كانت شرارة الغضب قد انطلقت من تونس الصامتة الصابرة، فمعنى ذلك أن العدوى ستنتشر حتماً إلى كل بلاد العرب، لأن ما يحس فيه العربي التونسي من وجع، يضرب عصب كل الأقطار العربية؛ التي تحس وتتألم مثلما يحس الشارع التونسي. إن الغضب المتفجر في شوارع تونس لا يقف عند حدود الفقر، والبحث عن فرصة عمل، أو الحاجة إلى رغيف خبز، إن الغضب المتفجر لهو همس الحراك المعبر عن الإحساس العربي العام بالدونية قياساً إلى بقية شعوب الأرض، وهو المعبر عن تخلف العرب في كل الميادين قياساً إلى بقية شعوب الأرض التي أخذت طريقها إلى التطور الاقتصادي، والسياسي، والحضاري، ليجد العربي نفسه خارج التاريخ، ويجد نفسه ممزق الجغرافيا السياسية، يلهث كل يومه، وهو يلملم فتات الكرامة العربية المبعثر على طرقات الأمم. وجع المواطن العربي المتفجر في تونس هو وجع كل مواطن عربي، وهو نتاج تآمر "سايكس بيكو" قبل مئة عام، وهو نتاج تحالف قوى دولية تقف على رأسها الإمبريالية الأمريكية، ويهدف إلى شل قدرات هذه الأمة بشكل عام، كي تظل منهكة، ومفككة، وضعيفة، تدوسها القدم الصهيونية، وتعبث في أحشائها في كل زمان ومكان. ليس صعباً على الباحث العربي أن يجد الرابط الوثيق بين الدور الصهيوني العدواني وبين المآسي التي تعصف بأمة العرب، وفجرت في تونس الغضب، والعاقل من يتحسب الأسوأ الذي سيصيب أمتنا بفعل نفاذ المؤامرة الصهيونية كالسهم في هذا الزمن العربي المفكك، والمهان، ومن يرقب الحياة السياسية في تونس يكتشف أنها لا تختلف كثيراً عن مثيلتها في بلاد العرب، والوضع الاقتصادي في تونس يشبه مثيله في كل بلاد العرب، وإن كان لتونس بعض الخصوصية؛ التي أذنت للشارع أن يتحرك، وأن يزيح الغيم عن وجه قمر تونس العربي، فإن نوره سيضيء شوارع كل المدن العربية