إذا قمنا بعملية فحص للقمم العربية وجدنا أنها استهلكت أموالا طائلة دون أي إنجاز يذكر، وما علينا إلا الرجوع للراهن العربي لنقف على حصيلة هذه القمم التي لم تفلح في حل مشكل من مشاكل الشعوب العربية؛ بل يكفي أن نقارن بين الوضع العربي في بداية استقلالاته الوطنية وراهنه اليوم وسنرى الفرق الشاسع. ظلت الأقطار العربية طيلة استقلالها تعاني من غياب الاستقرار،فالإنقلابات كانت أكبر إنجاز للعصب المتصارعة على السلطة. والراهن العربي اليوم في غاية التشرذم والفوضى: من العراق إلى الصومال إلى السودان إلى اليمن وما تبقى مرشح للانفجار؛ فضلا عن ظاهرة الإرهاب واستشراء الفساد واتساع رقعة البطالة والفقر وانحسار الحريات وتراجع مستوى التعليم.... هذا هو الراهن العربي؛ فكيف يمكن لهذا الراهن أن يفكر في أفريقيا؟ تمر قمة سرت ككل القمم العربية، قمة للثرثرة وقلة الحياء، تمر كسابقاتها خارج التاريخ؛ كما لو أن المؤتمرين لا يجتمعون وهم في كامل غيبوبتهم إلا نكاية في شعوبهم، لايجتمعون إلا ليأكدوا فشلهم الذريع في فض النزاعات العربية، أو بعبارة أخرى ليؤكدوا نجاحهم في تكريس الانحطاط العربي تحت الأضواء الكاشفة، وعلى مرأى من العالم. زعماء ووزراء وخبراء وميزانيات ضخمة ابتلعتها قمة سرت، لا لشيء سوى للاستعراض والفرجة والتبجح. كيف نقرأ المسافة الفاصلة بين قمة سرت ومؤتمر السمارة؟ قمة سرت التي تذكرني بحكاية جحا، وهي قصة جديرة بأن تروى. يحكى أن جماعة اتفقت على التعاون فتقاسمت الأدوار لتدبير شؤونها حيث ارتضى كل واحد منها بدوره وقد استطاعت عبر هذا الاتفاق أن تدير شؤونها بنجاح إلى أن التحق بها جحا، فاتفقوا أن يقوم بجمع الحطب، وفي نهاية النهار تفقدوه فلم يجدوه، فذهبوا يبحثون عنه في الغابة فوجدوه يربط الأشجار بحبل، فسألوه ماذا تفعل؟ فأجاب أنه يريد أن ينقل الغابة بكاملها حتى يحل المشكل نهائيا، فاستغربوا وجمعوا حطبهم وعادوا، وفي اليوم الموالي أعفوه من مهمة الحطب وكلفوه بجلب الماء، وكعادته لم يعد في نهاية النهار فذهبوا للبحث عنه فوجدوه واقفا عند النهر، فسألوه ماذا تفعل؟ فأجاب أنه يفكر في وسيلة يجلب بها النهر كله، عندها أخذوا ما يلزمهم من الماء وطردوه من جماعتهم. هذا هو حال العرب كحال جحا. على الطرف النقيض، كان المؤتمر الصحفي الذي أطره مصطفى سلمى في غاية البساطة مثلما كان في غاية العمق؛ فالرجل لم يبحث عن خلاصه الفردي، ولم يعلن من هناك أنه سيقيم في الرباط لتدارس ما يمكن فعله في المستقبل. لقد قال :" اليوم وبصفتي أحد أطر البوليساريو وابن شيخ قبيلة هي الأكبر داخل الصحراء، وانسجاما مع تطلعات أهلنا في البحث عن تسوية مشرفة، وبالتضامن والتآخي مع جميع القبائل الصحراوية. فإني، وباسم أهلي، أسحب ثقتي وصفة المفاوض مع الأممالمتحدة والأطراف في قضية الصحراء من الأشخاص الحاليين الذين يديرونها في جبهة البوليساريو، وأرجو أن نجد عند السلطة في المغرب الصدر الرحب، قصد التوصل إلى حلّ يحفظ ماء الوجه للجميع. ومن هنا أتجه إلى إخواني أعيان وشيوخ وشباب كل القبائل الصحراوية أينما كانوا، أن يقفوا وقفة رجل واحد، لاختيار الحل المناسب والناجع لأهلهم وذويهم، وبهذا الصدد نعتبر كل الاقتراحات الدولية المطروحة، أرضية للنقاش والتحاور، في إطار التفاوض المباشر، ونرى في مقترح الحكم الذاتي الموسع حلا وسطا ومناسبا لحل هذه المشكلة، كما نطلب من جميع الدول التي يتواجد الصحراويون المعنيون بالقضية على أرضيها، مساعدتنا في التواصل مع أهلنا حتى نصل إلى هذا الحل بمشاركة كل الصحراويين دون إقصاء". إن الإخوة العرب، و الأممالمتحدة لو كانوا قادرين على الحل لحلوا المشكل من زمن. هذا الرجل كان على يقين أن الأنظمة العربية والمؤسسات الأممية التي مسها طيف من التخلف العربي، لا تجيد سوى صياغة الكلام القابل للتحول إلى عقد يستحيل حلها؛ كلام هو أقرب إلى الألغاز والأحاجي مع فرق عميق هو أن الألغاز والأحاجي ابتكرها خيال سليم بينما كلام الأنظمة العربية والمؤسسات الأممية التي مسها طيف من الانحطاط العربي، أنتجته خيالات مريضة ومعادية لكل الحلول الإنسانية. الرجل كان ملتحما بالتاريخ حين قرر أن يعود إلى المخيمات ويفتح حوارا مع المعنيين بالأمر حول مشروع الحكم الذاتي كحل عادل يقي المنطقة مصيرا مأساويا يدق على الأبواب. الرجل تفاعل مع العصر بعد أن أدرك أن القوم الملتفين حول وليمة الصحراء لا هم لهم إلا مصالحهم المشبوهة، وقذف ينفسه وبكل ما يملك من قوة في نار أشعلها غيره وعزم هو على إخمادها حتى تكون على المنطقة بردا وسلاما. ذلك هو مؤتمر مصطفى سلمى، لحظة ملتحمة بتاريخ التحرر الإنساني الذي لاينضب؛ لقد نفّذ الرجل ما وعد، وذاك هو التاريخ الذي يؤكد أن معناه هو:أن تُطابق الأفعالُ الأقوالَ، وذلكم هم عرب قمة سرت الضالون في صحراء اللاتاريخ. لقد تناقلت وسائل الإعلام نبأ إطلاق مصطفى سلمى، لكن لا شيء يؤكد ذلك. بل ثمة أخبار متضاربة حول مصيره. أليس هذا دليل على الكذب والبهتان والجبن يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، يا أمة تقيم الدنيا ولا تقعدها في تفاهات وسفاسف الأمور " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".