يعيش إعلامنا العربي والإسلامي صدمة إعلامية على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والفنية، فليس بالأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وأحدث المطابع الصحافية وحدها يحيا الاتصال في عصر المعلومات والتقدم التكنولوجي، بل لا بد من تطوير الإعلام فنيًّا وتنمية الذاتية الإعلامية والتخلص من التبعية وتنمية الحاسة الإعلامية الانتقائية. إن اليابان عندما أرادت أن تبني نهضتها منعت أي إعلان أو خطاب بغير اللغة اليابانية، ومنعت تعليق أي لافتات إلا أن تكون مكتوبة بلغة اليابانيين، فلا بد لإعلامنا أن يعتز بلغتنا العربية ويظهرها في أبهى حلة ويعمل على نشرها. لقد فقد إعلامنا العربي محوره، وأضحى مكبلاً بقيود ارتباطه الوثيق بالسلطة، تائهًا بين التبعية الفنية والتنافس السلبي على سوق إعلامية إعلانية محدودة، شاعرًا بالحرج بين شتى الفضائيات والقنوات؛ فكان نتيجة ذلك أن أصبح إعلامنا رهْن الإعلان من جانب، ودليل الدعم الحكومي من جانب آخر، وصار يتغلب عليه الفكر الرأسمالي، فاهتم بجلب الأموال على حساب النزاهة الإعلامية والخصوصية الفنية، صار إعلامنا شغوفا بالدعاية ونشر صور الفنانين والفنانات واللاعبين واللاعبات لهثا وراء المال والشهرة حتى خوى جوهره من بناء القيم وتنمية أخلاقيات المجتمع وثقافته، وصار لا يتورع عن نشر الصور الفاضحة والإعلانات المخلة دون التقيد بأي قيم ولا أخلاق ولا دين. إن إعلامنا العربي والإسلامي يواجه عصر التكتلات الإعلامية مشتتًا عازفًا عن المشاركة في الموارد، يعاني من ضمور الإنتاج وشحّ الإبداع، حتى كاد -وهو المرسل بطبيعته- أن يصبح هو نفسه مستقبلاً للإعلام المستورَد ليعيد بثّه إلى جماهيره، ولقد أوشكت وكالات الأنباء لدينا -نحن العرب والمسلمين- أن تصبح وكالات تابعة للوكالات الأربع الكبرى في العالم (رويترز- وكالة الأنباء الفرنسية - آسيشتد برس – يونايتد برس)، حتى فيما يخص أخبارنا المحلية للأسف الشديد!! لقد ارتضينا أن نوكل إلى غيرنا نقلَ صورة العالم من حولنا، بل صُنْعَ صورتنا عن ذاتنا أيضًا للأسف الشديد!! فإعلامنا إذن يشكو من تناقض جوهري، بعد أن تخلى عن مهمته التنموية الأساسية ليسوده طابع الترفيه والإعلان على حساب المهام الأخرى، حيث يركز على الدراما والكرة والفن، وتخلى عن التوعية الثقافية، وإعادة إحياء الإرادة الجماعية للمشاركة في العمل الاجتماعي ومن قبيل الإنصاف، فإن إعلامنا، شأنه في ذلك شأن معظم نظم الإعلام في دول العالم الثالث، يعمل تحت ضغوط سياسية واقتصادية تنأى به عن غاياته التنموية البعيدة المدى، ويكمن التحدي حاليًّا في أن التوجهات الإعلامية الراهنة تعمل على زيادة هذه الضغوط؛ مما يتطلب سياسة إعلامية أكثر صمودًا ومرونة وابتكارًا. أبعاد التحدي الإعلامي 1- الافتقار إلى فلسفة اجتماعية تبنى عليها فلسفة تربوية واقعية متماسكة، ولا يخفى على أحد أن ساحتنا الثقافية مشتتة، وأن معظم مثقفينا قد غابت عن وعيهم جوانب عدة من إشكالية التربية، التي تزداد تعقيداً وتشعباً يوماً بعد يوم، وها هم اليوم منهم من يحتارون في كيفية إرسال بريد إلكتروني (إيميل)، ومنهم من يتعثر في الحصول على صورة لشخصية مهمة من هنا أو من هناك. 2- الأسلوب المتبع في ملء الفراغ التربوي يعتمد كلية على الاستعارة من الغرب، حيث نأخذ الفكرة ونقيضها، دون أن يكون لخصوصيتنا دور كبير، ولم نقف منها موقفًا نقديًّا، ولم نقرأ الشروط الاجتماعية التي احتضنت ولادتها. فمثلا يروج إعلاميونا للتهويل والتخويف من الدولة الدينية في الإسلام، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى الجهل البين، حيث إنهم ينقلون الفكرة من الغرب ومساوئ دولة رجال الدين في الغرب وما حدث في محاكم التفتيش وتسلط هؤلاء على مقاليد الأمور، أو ينقلون النموذج الإيراني الفارسي الذي يدعي جهلا العصمة للإمام، فلا هذا ولا ذاك مقبول لدينا، فالأمير في الإسلام محاسب ومراقب من أهل الحل والعقد، وبقاؤه مشروط أن يطيع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما إن عصى فقد حكم على نفسه بالعزل الفوري، وهذا جهر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فيكم فلا طاعة لي عليكم"، وبذلك قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأغاليط التي يروجها إعلاميونا ليل نهار منبعها الضعف والخور والتبعية العمياء للإعلام الوافد والمستورد من الخارج. إننا صرنا نستورد نظمًا تربوية منزوعة من سياقها الاجتماعي، وإن جاز هذا في الماضي فهو يتناقض جوهريًّا مع توجه التربية الحديثة نحو زيادة تفاعلها مع بيئتها الاجتماعية، فلا بد لكل أمة من خصوصيتها الإعلامية. 3- ضعف التنظير التربوي وطغيان الإحصائيات عليها: فقد طغى المنهج على حساب المحتوى، واستهوتنا الإحصائيات وجداول الأرقام والمؤشرات وعلاقات الارتباط، وغاب عنا اختلاف طبيعة التربية عن تلك العلوم الطبيعية؛ فلا يكفي في قضايا تناول التربية، الوقوف عند حدود التحليل الكمي، خاصة في بلدان مثل بلداننا العربية، التي تمتلئ بأمور عدة يتعذر قياسها أو إخضاعها للتحليل الإحصائي الدقيق على الأقل في ظل الظروف الراهنة. 4- الخلط بين الغايات والمقاصد والإجراءات، والوقوف عند حدود العموميات والمبادئ العامة التي لا خلاف عليها، ودليل ذلك وثائق سياساتنا التربوية، ونتائج مؤتمراتنا وندواتنا حول تطوير نظم تعليمنا وتأهيل معلمينا، نحن -بلا شك- أحوج من غيرنا إلى مناهل ومنطلقات جديدة، نقيم عليها فلسفتنا التربوية في عصر المعلومات، ولا يمكن لنا التصدي لما يتعرض له جدل الأصالة والمعاصرة، الدائر على ساحتنا التربوية، دون أن نردّه إلى جذوره التاريخية، استيضاحاً لمصادر نشأته، وما يمكن أن يؤول إليه هذا الجدل.