في ذلك اليوم ، وبالضبط يوم الإثنين 19 فبراير2007 سمع ذوي صوت قوي غريب اهتزت معه ساكنة المنطقة المجاورة للسجن المحلي لآسفي التي هرعت في الحين لمعاينة ما وقع خصوصا منها القاطنة بالقرب من السجن حيث توجهت صوب هذا الأخير وهناك وجدت بعضا من ممثلي السلطة المحلية بالمدينة التي حضرت هي الأخرى إلى عين المكان . فوجئت الساكنة التي حضرت إلى عين المكان بوجود جثة رجل ممدة أرضا بالقرب من إحدى المنازل المشيدة قريبا من الباب الرئيسي للسجن المحلي لآسفي ليكتشف البعض منها على أن الجثة هي للمسمى عبدالكريم أبو السعد الذي يشغل مهمة رئيس معقل السجن المحلي لآسفي والذي يقطن بالمنزل الذي وجدت بمحاذاته ، وكان بجانب الضحية قرصين مدمجين وشهابا اصطناعيا ،حيث وبعد القيام بالإجراءات والتحريات الضرورية بعين المكان تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات .كان خبر مقتل رئيس معقل السجن المحلي لآسفي حديث الساعة في اليوم الموالي من وقوع الحادث خصوصا عندما علم الجميع على أن الأمر يتعلق بجريمة قتل نفذت بواسطة مسدس ،ولم يتم التمكن من إلقاء القبض في الحين على منفذها الذي لاذ بالفرار بالرغم من البحث الشديد الذي أقدمت عليه العناصر الأمنية بمختلف تلاوينها إلى جانب عناصر الدرك الملكي التي حضرت هي الأخرى إلى عين المكان بكلابها المدربة .بقي البحث جاريا على قدم وساق على مرتكب هذه الجريمة الشنعاء التي خلفت ذعرا كبيرا في نفوس الجميع وذلك من خلال تكثيف التحري والبحث بالحواجز الأمنية حيث عرفت المدينة بسبب هذا الحادث المأساوي الذي صنف في خانة الإرهاب حالة استنفار أمني الذي شاركت فيه عناصر أمنية مختصة من خارج الإقليم والتي انصبت بشكل مكثف على التنقيب والبحث في القرصين المدمجين اللذين تركهما الجاني فور تنفيذه الجريمة بمسرح هذه الأخيرة من أجل حل لغزها خصوصا بعدما عثر على أحد القرصين وبه أسماء أخرى لأسماء يرغب الجاني في تصفيتها .كثفت العناصر الأمنية من بحثها على الجاني معتمدة في ذلك على تقنيين مختصين في حل لغز الجرائم حيث كان يوم الخميس أي بعد تنفيذ الجريمة بثلاثة أيام فقط يوم طي صفحة البحث عن مقترف هذه الجريمة الشنعاء وذلك بعدما توصلت العناصر الأمنية بمعلومات دقيقة تفيد أن الجاني يدعى مصطفى سرنان حيث تم التوصل إلى عنوان منزله بأحد الأحياء القريبة من السجن المحلي لآسفي .وحوالي الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم الخميس 22 فبراير 2007 اقتحمت العناصر الأمنية وهي مدججة بأسلحتها النارية بيت مصطفى سرنان الذي كان وقتها غارقا في نومه حيث فوجئت عائلته بهذا الاقتحام المفاجئ لتقوم العناصر باعتقال الجاني مصطفى سرنان البالغ من العمر 40 سنة والملقب بأبي حمزة بعدما تم التوصل إلى حل لغز هذه الجريمة عن طريق التنصت على هاتفه وأيضا المعلومات التي كانت مدونة بأحد القرصين المدمجين الذين عثرا عليهما بجانب الضحية والتي تمت كتابتها بأحد محلات الانترنيت بحي اوريدة بآسفي التي زارها قبل تنفيذه الجريمة حيث استعملت تقنيات علمية حديثة على الحاسوب الذي كتبت عليه هذه المعلومات بالمحل والتي خلصت إلى اكتشاف رقم هاتف الجاني .بعد تنفيذه الجريمة ،لم يغادر الجاني مصطفى سرنان مدينة آسفي بل كان ضمن الحاضرين بمستودع الأموات عندما نقلت إليه جثة الضحية وذلك حتى يتسنى له جس النبض وسط الحضور الذي كان متواجدا وقتها بالمستودع ، بل لم يقف الأمر عند حضوره بالمستودع فقط بل تعداه إلى إقدامه بعد يومين عن تنفيذ جريمته الشنعاء وبالضبط يوم الأربعاء 21 فبراير 2007 على زيارة للسجن المحلي لآسفي في الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال حيث تم تدوين اسمه بسجل الزيارات والتي تأتي لجس النبض والاطمئنان على حالة شقيقيه عبد الهادي المحكوم بعشر سنوات سجنا نافذا بتهمة السرقة وأحمد المحكوم بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة النصب .ونظرا للإهتمام الذي ولاه الرأي العام المحلي والوطني والدولي لهذه الجريمة والتي صنفها الجميع في خانة الإرهاب ،عقد رئيس الشرطة القضائية بآسفي لقاء مع الصحافة الوطنية بمقر الضابطة القضائية استبعد فيه أن تكون الجريمة قد نفذت بدافع إرهابي ، معتبرا على أنه من خلال التحقيقات التي تباشرها الشرطة في هذه الجريمة، تبين لها على أن القرص المدمج الذي عثر بجانب الضحية والذي يتضمن معلومات تدخل في إطار الإرهاب وأيضا كلمة " الله اكبر " التي رددها الجاني ماهية إلا تمويهات ، مشيرا إلى أن المتهم كان من بين السجناء السابقين بسجن عكاشة الذي كان يشتغل به الضحية، مضيفا على أن الجاني أثناء زياراته لشقيقيه بسجن أسفي تلقى مجموعة من الشكايات من قبل بعض السجناء الذين يشيرون فيها أنهم يعانون من قساوة تعامل رئيس المعقل معهم، لتراوده فكرة التخطيط لجريمته هاته وذلك من أجل تصفيته . مقابل هذا الرأي ، لم تستبعد بعض المصادر آنذاك أن يكون العمل إرهابيا ارتباطا بالاستنفار الأمني الذي ظهر على أجهزة الأمن فور اعتقال الجاني الذي نقل على وجه السرعة إلى مدينة الداخلة حيث دل المحققين على بعض المواقع هناك التي تباع فيها الأسلحة المهربة من موريتانيا، كما أن منزله بمدينة الداخلة يعد محج العديد من الملتحين لعقد اجتماعات به ،إضافة إلى امتلاكه لمحل لبيع الأشرطة الدينية بحي المسيرة بنفس المدينة، وتضيف نفس المصادر على أنه صرح أثناء التحقيق الأولي معه بأنه مستعد للجهاد بالعراق ، متطرقا إلى ذكر بعض الجمعيات الإسلامية التي ينتمي إليها.وفورعودة المروحية في اليوم نفسه الذي أقلت الجاني الى مدينة الداخلة ، تم نقله مباشرة من مطار آسفي في موكب كبير من سيارات الشرطة تحت حراسة أمنية مشددة إلى مقلع للحجر الذي لا يبعد إلا بعشرات الأمتار عن السجن المحلي لأسفي وهناك تم العثو على المسدس الذي استعمله في تصفية الضحية وخمسة رصاصات وسكين، ومباشرة بعد ذلك انتقل الموكب إلى مسجد عمر بن الخطاب بسيدي عبد الكريم بآسفي للبحث عن بعض الأقراص المدمجة الدينية التي أكد الجاني على أنه يخبؤها هناك . بعد اعتقال الجاني والاستماع إليه من قبل الأجهزة الأمنية " الشرطة القضائية والاستعلامات العامة والديستي " داخل مصلحة الشرطة القضائية لأسفي كانت ساكنة مدينة آسفي تنتظر بشغف كبير وقت تمثيل الجريمة حيث حدد لها مساء يوم الجمعة 23 فبراير 2007 ،وهناك وأمام السجن المحلي لآسفي، احتشدت جماهير كثيرة بالقرب من مسرح الجريمة التي وقعت قبالة الباب الرئيسي للسجن لمتابعة إعادة تمثيل الجريمة، وقد حضرت عملية إعادة التمثيل إلى جانب المسؤولين الأمنيين والسلطات المحلية ورجال الإعلام والصحافة زوجة الضحية.أحضر الجاني مقيدا بالأصفاد داخل سيارة خاصة في موكب كبير تحت حراسة أمنية مشددة ، وكانت أول الحركات التي صدرت منه وهو يتأهب للنزول من السيارة أمام رجال الإعلام والصحافة تلويحه بيديه بعلامة النصر لتبدأ بعدها عملية التمثيل حيث كان قبل شروعه في تنفيذ جريمته مرتديا لباسا تقليديا" فوقية" ليستبدله بلباس عسكري واضعا حزاما عسكريا على بطنه به جرابين واحد لوضع المسدس والثاني لوضع السكين، ثم وضع قناعا على وجهه وجوارب بيديه ، وبعد عملية تغيير الملابس، ركن بجانب شجرة تبعد بحوالي عشرين مترا عن منزل الضحية مترصدا حضور هذا الأخير مستغلا انعدام الإنارة العمومية بالمكان ، وبعد قليل حضر عبدالكريم ابو السعد رئيس المعقل على متن سيارته من نوع " ميرسيديس " التي أدخلها السجن كالمعتاد ، ثم خرج متوجها صوب منزله الذي لا يبعد إلا بأمتار قليلة عن الباب الرئيسي للسجن وكان وقتها في الطريق الرابطة بين منزله وباب السجن منهمكا في الكلام عبر هاتفه النقال ،وفور اقترابه من المنزل ، تبعه الجاني من الخلف دون أن يحدث حركة إلى أن بقيت بينهما مسافة لا تتعدى خمسة أمتار ليطلق عليه من مسدسه طلقة نارية سقط على إثرها أرضا صارخا بقوة من شدة حر الرصاصة ، ثم التفت الجاني بسرعة خفيفة وبتقنية عالية صوب باب السجن عندما سمع الباب قد فتح موجها فوهة المسدس إلى فاتح الباب ، ثم رمى بقرصين "deux disquettes " بجانب الضحية ، وجرى حوالي عشرة أمتار ووقف ليشعل شهابا اصطناعيا رمى به بالقرب من الضحية مرددا كلمة " الله أكبر" مرتين، ولاذ بالفرار في اتجاه أحد مقالع الحجر الذي يبعد بحوالي كيلومتر واحد عن مسرح الجريمة وهناك غير ملابسه العسكرية بلباسه التقليدي الأول وقام بدفن المسدس والرصاص والسكين تحت التراب.والغريب في الأمر أن الجاني قام بإعادة تمثيل جريمته الشنعاء بدم بارد وصلت إلى حد ضحكه في بعض المشاهد ، كما أنه كان حريصا جدا على إعادة تمثيل الجريمة بشكل مدقق وذلك من خلال تدخله في بعض المشاهد لتصحيح بعض الحركات ،منها على الخصوص تدخله وقت خروج الضحية من السجن وهو يتكلم على هاتفه النقال حيث نبه المشرفين على عملية إعادة التمثيل بأن الضحية كان واضعا هاتفه النقال على أذنه اليمنى وليست اليسرى.بعد مثوله يوم الأحد 25 فبراير 2007 أمام أنظار الوكيل العام باستئنافية آسفي ، أمر هذا الأخير بإحالة المتهم على قاضي التحقيق، ومباشرة بعد نقله إلى السجن المحلي لآسفي تم وضعه في غرفة منفردة بالسجن مع تشديد الحراسة عليه كما وضع رفقته أحد المعتقلين الذي أنيطت له مهمة مراقبة الجاني والتبليغ عن كل " شادة وفادة " يقوم بها الجاني، لكن مهمة هذا المعتقل سرعان ما انتهت بعدما أقدم الجاني سرنان على توجيه ضربة قوية إليه بواسطة إبريق شاي.وفي أول مثول له أمام قاضي التحقيق امتنع عن الكلام وذلك برفضه الإجابة على مختلف الأسئلة الموجهة إليه من قبل القاضي لتبقى الأمور عادية في الجلسات الأخرى أمام قاضي التحقيق حيث كانت كل جلسة تصاحبها حراسة أمنية مشددة على المتهم .وبعد التحقيق الذي دام أزيد من تسعة أشهر سينتهي ملف هذه القضية عندما سينقل الجاني صباح يوم الخميس 29 نونبر 2007 تحت حراسة أمنية مشددة مشكلة من عناصر الأمن الوطني والدرك الملكي إلى محكمة الإستئناف بآسفي لتصدر هذه الأخيرة حكمها على الجاني مصطفى سرنان في ساعات متأخرة من نفس اليوم بالإعدام بعدما تابعته من أجل جناية القتل العمد بواسطة سلاح ناري مع سبق الإصرار والترصد والسرقة وإخفاء شيء متحصل من جناية والتهديد بواسطة كتابات ضد أشخاص وحمل سلاح من شأنه تهديد سلامة الأشخاص وحيازة المخدرات وهي الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 303 و303 مكرر و392 و393 429 و571 و505 من القانون الجنائي وقد جاء الحكم بالإعدام تطبيقا للفصل 83 من المسطرة الجنائية والفصل 1 من من ظهير 21/05/1974 ،وعرفت هذه الجلسة النهائية حضورا مكثفا من مواطنين عاديين وأجهزة الأمن من استعلامات عامة والديستي والسلطات المحلية كما عرفت أيضا مناقشة مستفيضة لهذا الملف الفريد من نوعه في تاريخ مدينة آسفي والتي تمثلت في المشاداة الكلامية بين الجاني والنيابة العامة خصوصا عندما طالبت هذه الأخيرة من الرئاسة إنزال أقصى العقوبات على الجاني وعدم تمتيعه بظروف التخفيف لكونه اعترف أمام الضابطة القضائية وقاضي التحقيق بالتهم الموجهة إليه حيث كان الجاني يروي ببرودة دم كل الوقائع التي جاءت بمحاضر الضابطة القضائية وبمحاضر قاضي التحقيق مصرحا أمام هيئة المحكمة أن جريمته جاءت نتيجة انتقام تم التخطيط له منذ سنة 1993 عندما كان معتقلا بسجن سلا مرورا بسجن عكاشة مشيرا إلى أنه لم يكن ينوي قتل الضحية بل كان يريد فقط تكسير رجليه مبرزا أيضا بعد أداءه للقسم على أن العناصر الأمنية لم تتمكن من الوصول إليه بل هو من هاتفها وأخبرها بالجريمة مقدما نفسه إليها ، وبذلك تكون قضية مقتل رئيس معقل السجن المحلي لآسفي قد طويت بشكل نهائي.