بقلم عبد الله النملي يتم تأمين النقل الحضري بالمغرب بواسطة عدة أساليب تختلف حسب المدن، ويتميز السير العام لهذا المرفق بالتعايش بين الفاعلين والمتدخلين في القطاع. وتتوفر حاليا 23 مدينة على مرفق للنقل الحضري، يتم استغلاله في 30 مدينة بواسطة شركات خاصة، وفي مدينتين اثنتين، بواسطة وكالتين مستقلتين جماعيتين للنقل الحضري ( فاسوآسفي) وإن كانت فاس قد صادق مجلسها الحضري مؤخرا على التدبير المفوض للقطاع، لتبقى الوكالة المستقلة للنقل الحضري العمومي بآسفي الوحيدة بالمغرب على قيد الحياة. وقد أنشئت الوكالة المستقلة للنقل الحضري لآسفي بمقرر من المجلس البلدي لآسفي خلال دورته غير العادية بتاريخ 12 أكتوبر 1976 ، طبقا لمقتضيات المرسوم رقم 2- 64 – 394 الصادر بتاريخ 29 شتنبر 1964 المتعلق بالوكالات الجماعية. ويشرف على تسييرها مجلس إداري يتكون من 09 أعضاء، ستة منهم يمثلون المجلس الحضري لآسفي، وثلاثة يمثلون هيآت مركزية، إلى جانب مدير الوكالة، ويحضر أشغالها كرئيس الوالي وعامل الإقليم. وهي بذلك مؤسسة عمومية جماعية نابعة من الجماعة الحضرية لآسفي. ويبلغ عدد وسائل النقل بآسفي أكثر من 27 ألف و539 مركبة. وتعتبر الحافلات وسيارات الأجرة أهم وسائل النقل الأكثر استعمالا على العموم بآسفي. وتبقى حصتها في التنقلات ضعيفة بالمقارنة مع الوسائل الأخرى (الدراجة والسيارة الخاصة والمشي).وتتكون شبكة النقل الحضري العمومي بآسفي المستغلة حاليا من طرف الوكالة 18 خط، وتتعزز بخطوط جديدة كلما دعت الضرورة لذلك، كما أنها قد تعرف تغييرا جذريا على ضوء نتائج الدراسة المتعلقة بمخطط التنقلات الحضرية لآسفي من خلال اتفاقية شراكة بين الجماعة ووزارة الداخلية، حيث صادق عليها المجلس الحضري لآسفي في دورة أكتوبر 2010 مقرر رقم 46/2010، وبموجبها ستستفيد الجماعة من تمويل في حدود 50% من كلفة مخطط التنقلات الحضرية. وقد بلغ عدد ركاب حافلات الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي إلى غاية متم سنة 2009 ما مجموعه 15.7000.000 راكبا، ويشكل عدد الركاب المنخرطين 54 % من إجمالي الركاب. ولمواجهة الطلب المتزايد على خدمات النقل الحضري بآسفي سخرت الوكالة أسطولا يتكون من 50 حافلة، بمعدل حافلة لكل 6000 مواطن بآسفي، تؤمن في نفس الوقت النقل الحضري والمدرسي وكذا الجامعي. وقد مكن اقتناء 20 حافلة في سنة 2005 ، و 15 حافلة في سنة 2008، و06 حافلات في سنة 2010 ،و 10حافلات في سنة 2011 من تقليص حجم الخصاص الكبير الذي يعاني منه القطاع. ورغم انقراض مفهوم وكالات النقل الحضري في المدن المغربية،لازالت الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي تؤمن تنقلات الشرائح الإجتماعية الضعيفة والمتوسطة، وفك العزلة عن مناطق بأثمان مشجعة منذ 35 سنة. ويظل المواطنون الذين دفعتهم ظروف الحاجة وعدم امتلاكهم لوسيلة نقل، مجبرين على خدمات النقل العمومي بآسفي، ويتحولون إلى زبناء قارين لحافلات الوكالة المستقلة للنقل الحضري، من خلال رحلات ذهابهم وإيابهم، يواجهون صنوفا يومية من الإذلال وأنواعا مختلفة من المشاكل، بسبب النقص الملحوظ في حافلات الوكالة. حيث أن السباق في كل صبيحة للحاق بوسيلة نقل أصبح رياضة يومية للمواطنين، وعندما تصل متأخرا فكأنك خارج للتو من حمام ساخن. أما الطلبة والتلاميذ فتستهلك منهم أزمة النقل الحضري بآسفي الكثير من الوقت، ذلك أن التأثير يمتد ليستنزف طاقاتهم، مما يجعل بعضهم غير قادرين على التحصيل بشكل جيد وأداء مهام أخرى. فوضى وطوابير تنتظر، نشل، سرقات، وازدحام.. تلكم هي العناوين البارزة التي تهيمن على قطاع النقل الحضري بآسفي، حيث صار الإشكال اليومي لساكنة آسفي هي الظفر بوسيلة نقل دون تأخير في أوقات الذروة، تفي بالذهاب والإياب، من البيت إلى مقرات العمل والمدرسة والجامعة. وليس ثمة من مبالغة أن أزمة عارمة بدأت تنخر قطاع النقل الحضري بآسفي، حيث يخوض المواطنون بآسفي حربا يومية مع الإكتظاظ والنقص في الحافلات، بالنظر إلى التوسع المجالي والعمراني للمدينة في السنوات الأخيرة، والذي لم يواكبه تطور موازي في أسطول الوكالة، حيث بات أسطول الكراول بآسفي أكبر بكثير من أسطول الوكالة، بالرغم من المجهودات التي تقوم بها الوكالة والجماعة الحضرية لآسفي، غير أنها غير كافية. وتأخذ أزمة النقل الحضري بآسفي طابعا كارثيا في أوقات الذروة التي تتزامن مع طوابير الطلبة والتلاميذ والموظفين، وتحديدا في الثامنة صباحا والثانية عشرة زوالا والثانية ظهرا والسادسة مساءا، حيث نجد أن الفارق يصل إلى نصف الساعة بين الحافلة الأولى والثانية في الخط الواحد، في غياب واقيات بالمحطات يحتمي تحتها الزبناء من الأمطار شتاءا ومن أشعة الشمس صيفا، مما يعني أن من سيحالفهم الحظ في الركوب هم من ستسعفهم سيقانهم وقوتهم البدنية، وهم على كل حال نسبة قليلة، مقارنة مع الطوابير المحتشدة عند كل محطة، أما الشيوخ والمرضى ممن لا قدرة لهم على العراك والركض، فلاحظ لهم في الركوب وعليهم المزيد من الإنتظار. ويترتب عن هذا المشكل التأخر عن المواعيد اليومية للطلبة والتلاميذ والعمال والموظفين وذوي الأغراض، لتجد غالبية المنتظرين نفسها تحت رحمة العربات المجرورة المسماة بآسفي الكراول والطاكسيات والتريبورترات والهوندات والدراجات الصينية، ووسائل نقل أخرى اعتادت نقل الحيوانات، تمت تهيئتها وتجهيزها حتى صارت بآسفي تحظى بشرف نقل الموظفين بربطات العنق والحقائب والطلبة والفتيات الأنيقات، ليمتزج طيب عطرهن برائحة الكلأ ووبر الخرفان، في منظر هو أشبه بذلك الموجود ببعض قرى آسفي المجاورة. وللتذكير فإن الإزدحام والإكتظاظ في حافلات الوكالة بآسفي ينعشان عمليات النشل وسرقة الهواتف والمحافظ والحلي، والغريب أن السائقين والقباض والمراقبين يعرفون هؤلاء المجرمين، فلا يبلغون عنهم الجهات الأمنية. كما أن فوضى الإزدحام تجعل المرء يتقاتل لأخذ مكانه داخل الحافلات، ويتيح هذا الإكتظاظ تجاهل المحطات رغم أن هناك من ينتظر توقفها، علاوة عن أن الإزدحام يتسبب في كثرة الشجارات والسب والقذف، فيصبح ركوب الحافلة كارثة لا تطاق. ولينا ابحال لحوالة.. بلغة غاضبة شبهت سيدة حالة التكدس داخل الحافلات، وأضافت أن أي حركة غير مقصودة تتسبب في العراك والشجار والتشابك بالأيدي، ناهيك عن حالات التحرش التي تتعرض لها الفتيات والنساء. وعلقت سيدة أخرى قائلة: تصوروا معي كيف سيكون الحال لو لم يكن هناك خطافة. واستغرب عدد من المواطنين من كون مراقبي الوكالة على متن الحافلات لا يرتدون بذل تميزهم، ولا يحملون شارة تعرف بأسمائهم ووظيفتهم عن سائر الركاب كما هو حاصل بمدن أخرى، حيث يشتكي بعض الطلبة والتلاميذ من تصرفات بعض المراقبين الذين يحدث أن تتصف تدخلاتهم أحيانا بغياب اللباقة وحسن التقدير، حيث سبق أن تم التعامل بشكل غير لائق مع أحد الطلبة الذي نسي بطاقته بتاريخ 23 نونبر 2010 بسيدي بوزيد، لتتطور الأمور بمحاصرة طلبة الكلية متعددة التخصصات بآسفي حافلات الوكالة. وتزداد معاناة الساكنة مع الحالة الميكانيكية الرديئة لبعض الحافلات التي لم تعد تقوى على خوض غمار النقل الحضري، ومع ذلك تركت تجوب شوارع آسفي رغم فقدانها عنفوان شبابها، حيث يلاحظ أن هياكلها أصابها التلف، ونوافذها هشمت، وكراسيها اقتلعت، وأصبحت في حالة يرثى لها، لا تستطيع الصمود أمام هطول الأمطار وعصف الرياح وأشعة الشمس، وأخرى اضطرت إلى التوقف بعد تخريب محتوياتها، في مشهد يتكرر في كل مرة بواسطة مجموعة من المشاغبين الذين يجدون متعة مرضية في تحطيم الحافلات، وعدم تأدية واجب التعرفة، والنتيجة أن عددا منها توقف بسبب الأعطاب، وما أن تعود عجلاتها للدوران حتى تتوقف من جديد. وبخصوص البنية العمرية لأسطول الوكالة، نجد 35 حافلة عمرها ما بين 2 و6 سنوات بنسبة 61 % ، و13 حافلة عمرها ما بين 7 إلى 10 سنوات بنسبة 23 % ، و 09 حافلات عمرها أكثر من 10 سنوات بنسبة 16 % . وتوضح البنية العمرية لحافلات الوكالة أن 35 حافلة فقط هي التي تتوفر فيها شروط مقبولة، حيث بات أمرا ملحا تقييد عدد السنوات التي يسمح فيها لهياكل الحافلات باختراق شوارع المدينة، كما هو معمول به بالدول التي تحترم مواطنيها، والتي تحدد مدة استعمال الحافلات في خمس سنوات فقط، وحافلة لكل 2000 نسمة من الساكنة، الأمر الذي يفسر اهتراء أغلب الحافلات، وتسببها أحيانا في مجموعة من حوادث السير. وفي السنوات الماضية عرفت الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي عدة صعوبات مالية، تمثلت في ارتفاع حجم الديون، وتواضع أداء الأسطول ومحدوديته، لعدم التجديد المستمر لوحداته، وغياب وسائل تمويل قارة. ومن أجل مواجهة هذه الوضعية تم اتخاذ عدة تدابير، من خلال إعادة هيكلة الوكالة ابتداءا من سنة 2005، حيث عملت الجماعة الحضرية لآسفي على المساهمة بنسبة 80 % في عملية تمويل 20 حافلة، في حين تحملت الوكالة نسبة 20 % الباقية، كما صادق المجلس الحضري لآسفي في دورة يوليوز 2011 على مقرر رقم 16 /2011 بإجماع أعضائه على اتفاقية بين مجلس جهة دكالة عبدة والمجلس الإقليمي لآسفي والوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي وصندوق الضمان الإجتماعي والجماعة الحضرية لآسفي لتسوية وضعية تقاعد العمال الرسميين تجاه صندوق التقاعد، بتكلفة مالية بلغت مليار و800 مليون تتحمل بموجبها الجماعة الحضرية لآسفي قسطا ماليا يبلغ 300 مليون موزعة على ست سنوات. كما أبرمت الوكالة سنة 2007 بروتوكول اتفاق التزمت من خلاله وزارة الداخلية بتمويل جزء من الديون الضريبية عن طريق حصة خاصة من الضريبة على القيمة المضافة، بمبلغ 7.146.742 درهم، وتمويل جزء من الديون المتعلقة بالضرائب في حدود 27.463.926 درهم، مع التزامات للجماعة الحضرية لآسفي بتمويل عملية اقتناء حافلات جديدة، وتحمل جزء من الديون الضريبية برسم سنتي 2008 و 2009 بما مجموعه 1.800.000 درهم. كما ساهم صندوق الدعم في تحديث أسطول الوكالة وإصلاح وتجديد الحافلات . ومن أجل تشخيص وضعية الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي، قامت وزارة الداخلية بتكليف مكتب للدراسات لتحديد نقط ضعف وقوة الوكالة، وكذا تحديد رافعات للتنمية، مع وضع عقد برنامج يربط الوكالة بوزارة الداخلية. وتتمثل الخلاصة التي أفضى إليها المكتب على ضرورة تجديد الأسطول قصد تقليص المصاريف، والرفع من التعرفة لتحسين المداخيل، وتحسين وضعية البنيات الطرقية، وإعادة هيكلة الشبكة، والدعم المالي للجماعات المستفيدة من خدمات الوكالة، وتوظيف عمال جدد من فئة السواق والقباض، من أجل توسيع أنشطة الوكالة. وقد اطلع المجلس الإداري للوكالة خلال اجتماعه بتاريخ 09 فبراير 2010 على التقرير الكامل لمكتب الدراسات وأوصى بضرورة تفعيل مضامينه. وبالرغم من المجهودات المشار إليها، تظل الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي تعاني من بعض المشاكل والصعوبات التي تقف في وجه تحقيق الأهداف الرامية إلى تقويم وضعيتها والرفع من مستوى خدماتها. ومن أبرز هذه الصعوبات: 1 – الركاب: يعتمد النقل الحضري بآسفي على زبناء جلهم من العمال والموظفين والطلبة والتلاميذ، بيد أن القطاعات المهمة والمستوعبة لليد العاملة تعتمد على إمكانياتها الخاصة لنقل مستخدميها، بالإضافة إلى العدد الكبير لباقة المتدخلين في قطاع النقل الحضري ( سيارات الأجرة، العربات المجرورة بالدواب، والنقل المختلط..)، وافتقار المدينة إلى أمكنة جذب متنوعة، جعل أنشطة الوكالة منحصرة في وسط المدينة في اتجاه باقي الأحياء، كما أن الحاجة إلى الربط بين الأحياء تبقى منعدمة. 2 – ضعف مردودية الشبكة: تتسم شبكة النقل الحضري بآسفي باستغلال جملة من الخطوط عاجزة أو ضعيفة المردودية، علما أن هذه الخطوط تتطلب عدد لا يستهان به من الحافلات، وذلك دون مراعاة لمعيار الإنتاجية أو المردودية. 3 – التعرفة: التعرفة المطبقة على التذاكر من شأنها ضمان التوازن المالي، يبد أنه ينجم عن التعرفة المخفضة حسب الوكالة للتلاميذ والطلبة خصاصا ماليا يقدر ب 14.000.000 درهم سنويا. 4 – الضريبة على القيمة المضافة: عدم تضمين نسبة الضريبة على القيمة المضافة بالتعرفة المطبقة على التذاكر، حيث تتحمل الوكالة جراء ذلك ما مجموعه 1.200.000 درهم سنويا. وأصبحت الوكالة منذ سنة 2007 تؤدي بصورة دائمة ومستمرة جميع الضرائب دون استثناء. 5 – الموارد البشرية: يبلغ عدد مستخدمي الوكالة ما محموعه 261 مستخدما وعاملا. وتبلغ التكلفة المالية الإجمالية 12.000.000 درهم، أي ما يوازي 45 % من مجموع المداخيل المحققة للوكالة، حيث ستتم إحالة 67 عاملا ومستخدما على التقاعد خلال الخمس سنوات المقبلة. وتعاني الموارد البشرية للوكالة من ضعف نسبة التأطير 3 %، وضعف المردودية، وذلك لكون 45 % من العمال يتجاوزون 51 سنة، كما أن 60 % من العمال الرسميين يتجاوزون سن 51 سنة، ناهيك عن إحالة العمال على التقاعد دون تعويضهم. 6 – الأحكام القضائية: تواجه الوكالة المستقلة للنقل الحضري بآسفي نزاعات قضائية مع العديد من الدائنين الذين التجئوا إلى المحاكم وحصلوا لفائدتهم على أحكام. ويبلغ حجم هذه الأحكام التي تعتبر نهائية ما مجموعه 3.250.000 درهم. على سبيل الختم.. لقد عرفت مساهمة سيارات الأجرة في تنقلات السكان بآسفي تطورا هاما خلال السنوات الأخيرة من مجموع التنقلات. وتفسر هذه النسبة بالنقص الحاصل في الوسائل العمومية للنقل الجماعي، وغياب استراتيجية واضحة لتمويل مرفق النقل الحضري العمومي بآسفي تسمح بالتوفيق بين التوازن المالي والطابع الإجتماعي للمرفق. وبالرغم من تقادم أسطول سيارات الأجرة بآسفي الذي يتجاوز في معدل عمره 20 سنة، فإن هذه الوسيلة تحظى بإقبال المستعملين نظرا للطلب المتزايد، ولغياب وسائل بديلة لتلبية حاجيات التنقلات الإضطرارية من مقر السكنى إلى مقر العمل. كما يعرف استغلال مرفق النقل الحضري بآسفي تنامي نشاط غير منظم للنقل، يستجيب في أغلب الأحيان لحاجيات التنقل التي لا تتم تلبيتها في بعض المناطق والأحياء و ضواحي المدينة، معبر عنه من طرف بعض السكان الذين يقبلون لدواعي اقتصادية التنقل في ظروف تفتقر لشروط الراحة والسلامة. لذلك تبدو الحاجة ماسة لاتخاذ التدابير الضرورية للرفع من مستوى عدد الحافلات العاملة لتغطية العجز الحاصل في كافة الخطوط، والإستجابة الآنية للحاجيات التي تنجم عن النمو الديمغرافي والتوسع العمراني الذي تعرفه مدينة آسفي.