حسب دليل أنجزته ولاية فاس يمكن تقديم سنة 1990 وما تلاها بمثابة امتداد لمرحلة تميزت بتزامن مجموعة من العوامل المؤثرة على دينامية الوكالة المستقلة للنقل الحضري كقطاع ذي فاعلية مجتمعية ملحوظة ، نجد من بين تلك العوامل، ضعف الإنتاجية المرتبط بالعامل البشري، إلى جانب عدم استغلال عدد مهم من الحافلات، فضلا عن الطريقة غير الرشيدة المتبعة في تسيير الشبكة إبان تلك الفترة، إضافة الى انتفاء البعد الاجتماعي وإهمال الخطوط غير المربحة، وهذه كلها عوامل انعكست على التدهور الحاصل بين معدل عدد الحافلات في ارتباطه بمعدل عدد سكان فاس، وذلك بمعدل حافلة لأكثر من 7000مواطن! إذا كانت مدينة فاس قد شهدت منذ مطلع الاستقلال والى حدود الآن تنمية اقتصادية وصناعية مهمة ، واكبها نمو عمراني و ديموغرافي سريع ومتنام ، فقد ترتب عن ذلك مشاكل عديدة ، انعكست سلبا على قطاع النقل الحضري وأثرت على فاعليته ، نتيجة لتعقد البنية الحضرية وتداخلها ، وخاصة على مستوى النسيج السوسيو قتصادي المتشابك، مما جعل تحسين خدمات القطاع النقل الحضري، لا يعني أكثر من توفير العدد الكافي من الحافلات، وتحسين خدماتها عبر مورد بشري مؤهل، ونشر النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتفريعه عبر شرايين الفضاء الجهوي وفي جميع محاور الولاية ، مجسدا بذلك الدور الاجتماعي الذي رسمته الوكالة مع بداية نشأتها . ولذلك، أصبح التأكيد على ضرورة الوعي بأهمية قطاع النقل الحضري الجماعي وإصلاحه، أمرا ملحا وضروريا وعلى قدر كبير من الأهمية . عرقلة أم ترشيد؟ لما كانت الوكالة المستقلة للنقل الحضري بفاس مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ذات صيغة اجتماعية وتجارية، تم إنشاؤها بتاريخ فاتح يناير 1971 بمبادرة من المجلس البلدي لمدينة فاس، ويسهر على تسييرها جهاز إداري مكون من المجلس الإداري ولجنة التسيير ومدير الوكالة. فهي بذلك تخضع كما هو الشأن بالنسبة للجماعات الحضرية إلى وصاية وزارة الداخلية التي تقوم بالمصادقة على أهم القرارات بما فيها الميزانية السنوية والحسابات الرسمية والترقية والتوظيف، من هنا تطرح أسئلة جوهرية ذات علاقة بالصراع السياسي والنقابي وتداعياته على القطاع . وبالعودة الى الوثيقة الرسمية، فقد حرصت الوكالة باستمرار على تطوير كم ونوعية خدماتها لفائدة زبنائها، والارتقاء بمواردها وتعزيز استثماراتها، يشهد على ذلك الارتفاع المتواصل لعدد الحافلات. فحسب احصائيات رسمية أعدتها الوكالة نفسها، وابتداء من سنة 1990 كانت الوكالة لا تتوفر سوى على 199 حافلة فقط، فيما ارتفع العدد إلى 284 حافلة سنة 1994 . لتنضاف إليها حوالي 40 حافلة ثم 50 مزدوجة بعد ذلك . ويستفاد من أرشيف الوكالة أيضا أنها، تتوفر على عدة منشآت إدارية وتقنية هامة أهمها : 1- المقر الاجتماعي للوكالة بسيدي إبراهيم ، والذي لم يعد يستوعب الحجم المتزايد من الحافلات ومن الإصلاحات المرتبطة بها، رغم انه يمتد على مساحة تقدر بحوالي 4 هكتارات، ويشمل بناية إدارية ومستودع، كما يضم مرافق ومشاغل عامة كمخازن لقطع الغيار ومحطة لتوزيع الوقود، ومرآب إضافة إلى مركز اجتماعي. 2 - ملحقة بنسودة وتمتد على مساحة تقدر ب 1.7 هكتار وتشمل بنايات إدارية ومشاغل عامة مراب ومخازن إضافة إلى محطة لتوزيع الوقود. ويرى المسؤولون عن تدبيرها، أن استثمارات الوكالة خلال الحقبة الراهنة لم يظل محصورا على اقتناء الحافلات ، بل الرغبة في الصعود بالنقل الحضري بالولاية إلى درجات أحسن، لان الرؤية العصرية لتسيير القطاع يفرض دينامية في جميع الاتجاهات، من توسيع الشبكة الذي يخضع لعدة عوامل متباينة أهمها تزايد عدد السكان، واتساع المجال العمراني، إلى غير ذلك من الأسباب. ولذلك عملت الوكالة وباستمرار على مسايرة هذه المتغيرات الهامة، كوسيلة ناجعة لعقلنة أنشطتها على الوجه الأمثل. فأصبح الحاسوب يسهل عملية اقتناء التنابر والبطائق بالنسبة للمنخرطين في ظل إنشاء مجموعة من الشبابيك وضعت رهن إشارة المصلحة المتخصصة، لتفادي عرقلة سير العملية أواخر كل شهر. فيما يرى الملاحظون أن الأمر لا يعدو كونه ديكورا وهذرا للمال العام للوكالة، فالعقلنة تستدعي أولا ترقية الموارد وتأهيلها مجاليا تأهيلا ملائما، لتمارس وظيفتها في تسريع عجلة التطور، والرفع من مستوى تنمية الجهة. في سياق متصل، تفيد تقارير رسمية، أنه تم إحداث 18 خطا جديدا ما بين سنتي 1990و 1994 ليصل بذلك العدد الإجمالي للخطوط التابعة لشبكة الوكالة إلى 50 خطا ما بين خطوط حضرية وبيحضرية، مواكبة امتداد طول الشبكة الذي انتقل من 205 كلم سنة 1990، إلى 407 سنة 1994 ليرتفع إلى ما يناهز 500 الآن . وتتكون الشبكة الطرقية التي يتم استغلالها على تراب فاس من 53 خطا من بينها 43 خطا يغطي المدار الحضري ، وخطين بصفرو ونواحيها، و 8 خطوط تؤمن الربط بين فاس والجماعات المجاورة، إلا أن الخطوط العشرة التي تستغلها الوكالة خارج المدار الحضري، تتميز بمردودية سلبية، حسب الوكالة نفسها ، كما وتشكل 19% من مجموع الشبكة ، لتكرس بذلك دورها الاجتماعي المتمثل في نقل التلاميذ والطلبة ، وفك العزلة عن العالم القروي، وتمتد الشبكة راهنا على طول 450 كلم ، ويتكون أسطول الوكالة من 215 حافلة من بينها 170 قابلة للتشغيل، وأسطول الاحتياط 20، وتتراوح أعمار الحافلات بين 5 10 سنوات، وتشغل الوكالة 1130 إطارا ومستخدما" حول الآفاق المستقبلية للوكالة، فإن التزاماتها المعلنة تذهب في اتجاه المحافظة على مستوى الأسطول المتحرك وتقويته، حيث تم تجديد 10 حافلات خلال المدة الأخيرة ، كما أنجزت الوكالة خلال الأربع سنوات الأخيرة برامج هامة شملت اقتناء 40 حافلة جديدة منها 15 حافلة سنة 2001 و 5 حافلات سنة 2002 كهبة من المجموعة الحضرية، و 20 حافلة سنة 2003، وتنتظر الوكالة استقبال 9 حافلات من جماعة استراسبورغ التي تربطها بفاس علاقة صداقة، بالإضافة إلى 3 حافلات ستستقبلها الوكالة في الأيام المقبلة و 16 حافلة في غضون السنة المقبلة، كما تبرمج الوكالة من ميزانيتها لهذه السنة 10 حافلات مزدوجة و 10 حافلات عادية، وهو ما سيعمل على تقوية الأسطول والمزيد من تقديم الخدمات العمومية والاجتماعية، إلا أن النقل العمومي بفاس يحتاج إلى نقلة نوعية ليواكب النمو الديمغرافي والعمراني لفاس، في إطار مخطط التنقلات الحضرية عبر الترماوي وهو الشيء الذي تعقد عليه الوكالة آمالا كبرى باعتباره أداة أساسية للتخطيط والتدبير المستقبلي لمرفق النقل الحضري"? وعلى الرغم من كل هذه المعطيات المتفائلة ، ما تزال الوكالة المستقلة للنقل الحضري تعرف العديد من العراقيل ويمكن تلخيص أهمها في ما يلي : على المستوى الإداري والتقني: النقص في الموارد البشرية، سوء انتظام التكوين ، عدم احترام التوقيت خاصة للطلبة الجامعيين خلال الصباح والزوال ، التأمينات، نقص في المخابئ، تلاشي بعض الحافلات والتقاعس في إصلاحها، التخلي عن بعض الخطوط لعدم مرد وديتها الشيء الذي يتسبب باستمرار في نشوء بعض التصرفات المعبرة عن عدم رضا الزبناء خاصة على مستوى خدمات الوكالة وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات مادية ومعنوية . بعيدا عن الخوصصة إن التحولات والامتدادات والحركية السكانية ذات النسبة العاليةبفاس فرضت على الوكالة إعادة ترتيب الأوضاع على الأرض ، غذ عمدت بهدف تحسين خدماتها وتوفير الحافلات الكافية بالشبكة دون أن يختل بذلك التوازن الاقتصادي فقد لجأت إلى عملية استيراد الحافلات المستعملة وصل عددها إلى 50 حافلة بغلاف مالي قدره 750000000درهم كوسيلة لتطويق أزمة النقل الحضري وباثمنة جد مشجعة ، وبهذه الطريقة ، بدا معدل توزيع الحافلات على السكان يرتفع تدريجيا ، وتنخفض معه ظاهرة الازدحام بالمحطات الرئيسية. لكن يبقى مع ذلك ، إيجاد الحلول الناجعة لتدبير النقص في الحافلات ، والتخلي عن ربط أحياء شعبية بالكامل ، مشكل التوقيت ما يزال مطروحا ، فالملاحظ هو تنامي مشكلة التأخير غير المبرر في أغلب الأحيان ، مما يجعل العديد من الطلبة الجامعيين والموظفين المنخرطين عرضة للابتزاز من قبل سيارات النقل السري العلني ، متحملين بذلك مصاريف إضافية تثقل كاهل أسرهم . ويرى المتتبعون، أن عدد الحافلات ما يزال قليلا بالنظر إلى الامتداد الجغرافي والنمو البشري الهائل و المطرد لمدينة بحجم فاس التي يصل سكانها إلى أكثر من مليون ونصف نسمة . وإذا كان البعض يرى في الوكالة المستقلة للنقل الحضري بمدينة فاس، وكالة نموذجية على المستوى الوطني ، لأنها ظلت محافظة على خصوصيتها الاجتماعية، إذ تعد الوكالة الوحيدة التي تنقل الطلبة والتلاميذ والعمال وصغار التجار في ظروف جد مقبولة ، وبثمن أقل وطنيا ، فهي بذلك ، تؤكد أنها لا تهدف إلى الربح، بقدر ما تسعى إلى المحافظة على التوازنات المالية، حتى تظل في منأى عن الخوصصة، ولذلك ترى أطراف أخرى "إن الواجب يقضي أن يتدخل مجلس المدينة لمعالجة جزء من مشاكلها، إذ كان من المفروض أن يفكر مجلس المدينة في صيغة مناسبة لمساعدة ساكنة فاس وتحمل قسط من أعباء هذه الزيادة الاضطرارية خصوصا وان مدير الوكالة أكد أنه لم يلجأ لقرار الزيادة منذ سنة 2000 رغم أنه يتوفر على مذكرة من الوزير الأول تخول له زيادة 10 سنتم كل سنة لكونه يعرف ضعف الطاقة الشرائية للفئات الشعبية بفاس بحكم تواجده بكل المحطات وتواصله مع المواطنين، زيادة على ذلك فإن الوكالة تعد قطاعا تابعا للمجالس المنتخبة، وأن هذه الأخيرة تتدخل كلما حاقت بهذه الوكالة أزمة، ولنا في المجالس السابقة خير دليل على ما نقول: إذ سبق للمجموعة الحضرية السابقة أن دعمت الوكالة بهبة مالية تقدر ب 500 مليون سنتم ضخت في ميزانية الوكالة المستقلة لدعم خطوطها بحافلات جديدة، كما ان المجموعة الحضرية ومن خلال اتفاقية شراكتها مع مدينة مونبولي الفرنسية حصلت على 10 حافلات سنة 2003 تعمل حاليا في مختلف خطوط شبكة الوكالة المستقلة للنقل الحضري بفاس. وقد ترتب عن عوامل إقتصادية عالمية متعددة منها ارتفاع أسعار النفط غلافا ماليا إضافيا أرهق مالية الوكالة قدر ب 9,5 ملايين درهم، مما جعل المجلس الإداري يضطر الزيادات في السنوات الماضية ، " كما أن الوكالة سمحت للطلبة والتلاميذ باستعمال بطائق الانخراط أيام الأعياد والسبت والآحاد والعطل المدرسية، إلا أن كل هذا ، لم يشفع للوكالة، حيث كانت هناك وقفات احتجاجية متكررة في مختلف محطات وقوف الحافلات المخصصة للطلبة" المطلوب الآن ورغم خلق خطوط جديدة 33 -35- 36- 37- 38- يتبين أن هذه التركيبة الجديدة لتوزيع المجال ، بان الوكالة لم تعد تحصر نشاطها على المجال الحضري، بل ساهمت في خلق فضاءات خارج المجال الحضري ، هناك مناطق جهوية أوجبت بفعل توسعها حركتها الاقتصادية والعمرانية . يظل إصلاح الحافلات وجعلها مقبولة على مستوى الشكل وطريقة توزيع الخطوط ورفع جودة الأسطول واقتناء قطع الغيار ذات الجودة وتفضيل الحافلات المزدوجة بشكل استعجالي للتخفيف من حدة المشاكل المترتبة عن النقص البين في الحافلات العاملة بالشبكة. واضح أيضا أن عدم إغفال بعض المناطق التي توجد خارج المدار الحضري من طرف الوكالة ، كان بمثابة حافز لسكان الولاية على الإقبال على حافلات الوكالة المستقلة للنقل الحضري وتجاوبها مع تطلعاتهم الشيء الذي يعبر عنه ارتفاع العدد الإجمالي للركاب، وبطبيعة الحال ارتفاع مدا خيل الوكالة، وبالتالي انخفاض العجز . نرجو ذلك أن يكون بداية عهد جديد لتحسين الخدمات ، وتدبير موارد القطاع بشكل يليق بتضحياتهم ، فضلا عن كونه بدابة لاستقرار جيد ، وتطور ملحوظ للقطاع بهذه الولاية.