بقلم:عبدالصادق عبادة لقد جرت انتخابات 25 نونبر الأخيرة في ظل أجواء جهوية تميزت بمجموع المتغيرات التي عرفتها بلدان شمال إفريقيا،كما تميزت وطنيا بالحراك الاجتماعي،وحالات الاحتقان والقلق والحيرة وحتى الغضب في أوساط مجتمعية مختلفة.وقد حقق حزب العدالة والتنمية فوزا كبيرا فيها لأنه عرف كيف يستفيد من هذا السياق وهذه الأجواء،ويمارس أساليبه في القرب من الناس وخصوصا المحتاجة من المعوزين والفقراء،وحتى من الغاضبين على الأحزاب السياسية،وهذا الفوز الذي لم يكن محسوبا عند العديد من السياسيين عبرا بكل وضوح عن حقيقة التحول الذي يريده المغاربة الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليصوتوا،حيث رسمت هذه النتائج خريطة سياسية جديدة يتزعمها حزب عبد الإله بنكيران المعين من قبل ملك البلاد كرئيس للحكومة المقبلة،ليكون بذلك ثاني رجل سياسي تفرزه صناديق الاقتراع إعمالا للمنهجية الديمقراطية المنصوص عليها بالدستور المغربي الجديد،كلف بتشكيل حكومة وسيقودها.والموكول إليها البدء في مسلسل التغيير وتنزيل مضامين الدستور المغربي الجديد إلى أرض الواقع تنزيلا ديمقراطيا وتفعليه إن لم نقل الانطلاق منها سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. العدالة والتنمية الحزب ذو المرجعية الإسلامية أعطى أمينه العام المعين كرئيس للحكومة إشارات سيعمل في ظلها وعلى تحقيقها في مجالات الحكامة الجدية وتخليط الحياة العامة،ومحاربة الفساد، ومكافحة الفقر والهشاشة،والحد من الاختلالات الاجتماعية والمجالية وفي ظل تكريس المكتسبات والحريات الديمقراطية،وتوسيعها وتطويرها وهي مجالات ركزت عليها بعض أحزاب اليسار في برنامجها الانتخابي وكأنه بهذه الإشارات يستعطف أحزاب اليسار الحداثية وهو الذي كان بالأمس القريب ضدها وعلى طرفي نقيض لها على سبيل الذكر والمثال،فلازال الكل يتذكر المحاربة الجنونية لخطة إدماج المرأة في التنمية،كخطة جاءت لتعيد للمجتمع توازن الطبيعي وتحقق بمشروعها قفزة نوعية في اتجاه مجتمع المناصفة هو الآن يراهن عليها ويضعها ضمن أولياته في برنامجه الانتخابي وليس غريبا أن نستفيق في يوم من الأيام فيقولون لنا أن هذا الحزب أصبح حزبا اشتراكيا إسلاميا، وهو الذي كان في الأمس القريب حركة مثل حركة أحرضان... وليس غريبا لأن هذا عصر التحولات ألم نسمع في هذه الأيام أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي يضم بين أعضائه العديد من سماسرة الانتخابات ومفسديها سيعقد مؤتمره قريبا وسيتحول إلى حزب اشتراكي ديمقراطي. مستعطفا بذلك حزب الاتحاد الاشتراكي ربما يكون حليفا له مستقبلا في المعارضة. وليس غريبا أن يجد حركة العدل والإحسان تتبنى الخط الإيديولوجي للنهج الديمقراطي الذي يقود معها حركة 20 فبراير.وحزب الأحرار يتبنى موقف الحزب العمالي والحزب الاشتراكي ويتوحدا في إطار مرجعية إيديولوجية جديدة تمزج بين الاشتراكي والليبرالي والكل تحت مظلة الحداثة والديمقراطية التي تم ذبحها والتجني عليها في هذه الاستحقاقات التشريعية الأخيرة.العدالة والتنمية كحزب محافظ ذو مرجعية إسلامية سيتحمل في الآتي من الزمن المغربي مسؤولية التدبير والتسيير للشأن المغربي العام،وهي إشارة أساسية يقدمها الشارع المغربي الذي صوت ليؤكد من خلالها تراجع اليسار وتردي شعبته وكذا الليبراليون الجدد،إنها نتائج يتحمل فيها المساهمون في التجارب الحكومية السابقة مسؤولية كبرى ما دامت تجارب لم تساهم في الإجابة على أسئلة وانتظارات المواطنين. اليسار اليوم أصبح مشتتا بين من تحتضنه وتسانده في حركية المقاطعة لكل شيء قوى ظلامية متطرفة وهي التي وفي غفلة من يسار الحركة هبت إلى صناديق الاقتراع في العديد من المدن المغربية لتساهم بتصويتها في فوز العدالة والتنمية(رِجل هنا ورجل هناك).وبين من يحتضنه التحالف الهجين للبيراليين وأحزاب الإدارة (ج 8)،وتبقى الكتلة لوحدها وقد تمزقت هي الأخرى،لتكون نتيجة الانتخابات إعلان كبير عن موتها وعدم قدرتها على المواصلة،وفي ظل هذا المناخ الجديد هاهي القوى الإسلامية المحافظة وبعض الليبراليين ينضاف إليهم حزب يصنف ضمن خانة اليسار والحداثة فيشكلون حكومة ما يسمى بالتغيير في الوقت الذي يخرج فيه أكبر أحزاب اليسار الموكول إليه وحدة قطب اليسار ولملمة شتاته... وكل هذه (خيلوطة) والتقاطبات المصلحية والتوجهات الانفرادية ستعيش بين ظهرانينا خمس سنوات يعلم الله وطابخوا (الخيلوطة) كيف ستستمر وهل سترمى إلى مزبلة التاريخ.إن مغرب اليوم،مغرب التجديد والتغيير والحداثة والديمقراطية من أجل أن يكون فاعلا في التاريخ البشري كنموذجا يحتدى به،محتاج إلى أقطاب واضحة وقوية تمارس مسؤوليتها كل في استقلاليته وانطلاقا من موقعه،فاليسار يجب أن يكون يسارا،واليمين يجب أن يكون يمينا،والوسط وسطا،ولا شيء غير ذلك. لأنه سيقود إلى الوضوح في البرامج والأفكار والتصورات،وسيقود بالفعل إلى الغد الأفضل الذي يصبح فيه المغرب هو هو ومتغير في نفس الوقت،يعني ثابت ومتحول في نفس الآن يتطور ويبني ويتقدم، وكل واحد يساهم في هذه الحركية من موقعه ومسؤوليته.شيء طبيعي أن يتحالف حزب الاستقلال والعدالة والتنمية ومعهما بعض الأحزاب المحافظة لتكون قطبا منسجما، والمنطقي أن يتحالف حزب الأحرار والأصالة والمعاصرة ومعهما بعض الأحزاب التي تسير في اتجاه اللبراليين الجدد. يمكن أن يكون قطبهما قطبا ليبراليا كيمين أساسي أما اليسار فمن الطبيعي أن يتوحد في بوثقة جديدة ستدمج معهما الفعل النضالي للحركات الاجتماعية والثقافية الوفية لقيم الحداثة والتحرر والمساواة لكن الذي ليس طبيعيا أن يتشتت اليساريين كل هذه التحالفات. وحتى حركة 20 فبراير تضيع تحت سيطرة العدل والإحسان... إنه مشهد سياسي ضبابي يسود العبث والتضارب والتناقض والتوزع. وكأن الحالة تندر بعودة إلى بداية البدايات وصولة المخزن من جديد هذه المرة أكثر حدة من السابق.الآن وقد أعلن حزب الاتحاد الاشتراكي خروجه إلى المعارضة بحجة لملة جراحاته ويعيد الثقة إلى الجماهير الشعبية التي احتقنت وتحول اغلبها إلى العدالة والتنمية أو إلى المقاطعة، في الوقت هرول فيه حزب الاستقلال مسرعا إلى العدالة والتنمية لتحالفها معها متنكرا لكل أصدقاء الأمس والى ميثاق الكتلة ضاربا أول مسمار في نعشها، في الوقت الذي بقي فيه تيار قوي وربما تقوى في المستقبل اغلبه يتشبثون بخيار المقاطعة وبعض منهم لينوا موقفهم إلى المساندة النقدية من خارج التجربة... وفي الوقت كان مطروحا في التحالف مع أحزاب الكتلة ستصوت الكتلة أولا بخروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة والذي فرض فيه تيار المستوزرون القدامى موقفهم على باقي التنظيمات والتيارات التي كانت تدعو إلى المشاركة، وتموت الكتلة ثانيا بتلقف حزب الاستقلال دعوة المشاركة والمصادقة عليها في حينها موضحا ان شهيته متفتحة على عشر وزارات، وتموت الكتلة للمرة الثالثة بالموقف الذي أعلنه حزب التقدم والاشتراكية بشروط تعني عدم التخلي عن المبادئ وعدم التنكر للمرجعية الإيديولوجية، كعدم التخلي عن مشروع الهوية... فهل يستطيع الاتحاد الاشتراكي لوحده أن يلملم جراحات اليسار ويجمع شتاتها؟... وأين هو اليسار الآن؟... وهل سيتحالف الاتحاد الاشتراكي مع الأصالة والمعاصرة إذا أصبح حزبا اشتراكيا ديمقراطيا؟... وإذا تم ذلك ماذا سيكون مصير (ج8)؟... أسئلة كثيرة تناسلت وتلد أسئلة أخرى. والمغرب الحديث ما بعد استحقاقات 25 نونبر ومشهده السياسي يوحي بالكثير من الفضول ويفتح شهية الحديث. وكل المتتبعين إما صامتون ينتظرون أو يتنبأون بأشياء قد تقع أو لا تقع... على العموم فهذه ليست إلا البداية والبقية ستأتي فأمامنا منعطفات كثيرة وهذا الراهن لازلنا بعد لم نفهمه بشكل كامل مادمنا لم نبحث في كيفية تشكله.