إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    تمارة.. حريق بسبب انفجار شاحن هاتف يودي بحياة خمسة أطفال    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    "مهندسو طنجة" ينظمون ندوة علمية حول قوانين البناء الجديدة وأثرها على المشاريع العقارية    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربة وأنواع الأراضي من خلال اللّغيّة(1)التقنية الفلاحية لقبيلة عبدة.
نشر في آسفي اليوم يوم 31 - 05 - 2020


أستاذ وباحث في التاريخ.
مقدمة:
يمكن تعريف التربة بالمفهوم العام، بتلك القشرة المرئية من سطح الأرض المتصلة مباشرة بالركيزة الأرضية الأم. وتشكل هذه الطبقة الرهيفة وسطا إحيائيا مفضلا لعيش عدد من الكائنات الحية والنباتية، في إطار من العلاقات والسلاسل الغذائية.
سنتخذ من منطقة عبدة فضاء للبحث، ومن جزء من معجم ساكنتها الفلاحية – تحديدا-مجالا للاشتغال، من أجل تحديد أسماء التربة والأراضي وما يرتبط بها من مميزات زراعية ومائية ورعوية وغير ذلك علما أن بعض هذه المسميات التي استطعنا جمعها قد حظيت بإشارة بعض المستكشفين الأجانب(2)، ضمن بحوثهم عقب الجولات التي قاموا بها بالمجال المعني خلال فترات متفاوتة، وإن كانت دراساتهم قد غفلت عددا من ألفاظ المعجم العبدي المرتبط بالتربة. وجلي أن التربة بمجال عبدة -التي شبهها غير واحد من الأجانب بمنطقةLabeauce الفرنسية، لاعتبارات طبوغرافية وأيضا بالنظر الى خصوبة ومردودية تربتها الزراعية-تتوزع إلى عدة أصناف، تحمل أسماء محددة ضمن لغية تقنية فلاحية خاصة بساكنة عبدة، بعضها تنحدر من لغتهم الأصل وأخرى يستمدونها من لغات اعجميةأخرى، كما سنأتي على بيان ذلك. ويتعلق الامر بالأتربة التالية:
-بياضة.
-التيرس.
-الحروشة.
-الحصبة/الحصباء.
-الحمري.
-الحمري-امتيرسة.
-الرمل.
– الضرس.
-الفكرون.
-المرس.
بياضة/Biada:
واضح أن هذه الوحدة اللغياتية تنحدر من اللون الأبيض الذي هو عكس اللون الأسود. ومن جهة ثانية، فقد ورد في معجم “تاج العروس”:” البيضاء: الخراب من الأرض،لأن الموات من الأرض يكون أبيض،فإذا غرس فيه الغراس اسود واخضر”.إن هذا المعنى لايبتعد عن المتداول في اللغية التقنية الفلاحية العبدية، بحيث تعتبر التربة البيضاء غير ذات جدوى في المجال الزراعي، إلا في حالة تخصيبها عن طريق استعمال فضلات البهائم. كما أن هذه التربة غير ذات قيمة مادية في سوق العقار، وأن أغلب الفلاحين يضطرون إلى استخدامها في مجال الغراسة فقط.
وينتشر هذا النوع من التربة-في الغالب-بالطرقات والمسالك التي تجردت من القشرة الزراعية السطحية، جراء المرور المتكرر للبهائم ذات الحوافر أو العربات المجرورة أوالذاتية التحرك.كما توجد هذه التربة بأماكن محددة من الأراضي الزراعية الموجودة بالتلال المسماة محليا ب “الظهورة”، وكذا بالأماكن شديدة الانحدار الذي يؤدي الى التعرية المائية المتكررة، ولنا في منطقة “بياضة ” بشمال مدينة آسفي القديمة خير مثال، حيث نالت هذه الناحية طوبونيم “بياضة” عن جدارة واستحقاق، نظرا لما تعرضت إليه من عمليات الحث والتعرية الهيدرولوجية القوية منذ أزمنة خلت، بسبب جريان مياه الامطار المتجهة صوب وادي الشعبة ومنه الى البحر المحيط.(3)
التيرس/tirs:
تنحدر كلمة “تيرس” من اللغة الفرنسية، فهي من”Terrasse” التي تعني حسب معجم “Micro ROBERT” الأرض المستوية. وقد حافظ الفلاحون العبديون على نفس المعنى ضمن خطابهم الفلاحي اليومي، فأراضي “التيرس” في لغيتهم تعني تلك المساحات الشاسعة المنبسطة، التي لا تتخللها سوى عقبات متموجة وخفيفة الانحدار. لقد حافظت هذه الوحدة اللغياتية على معناها الأصلي، واكتسبت بذلك مدلولا تقنيا راسخا في الميدان الفلاحي في عبدة وفي المجالات الترابية المشابهة، “كما حافظت على جميع حروفها ما عدا حذف بعض الصوائت وسط الكلمة”(4).
من جهة اخرى، فقد درج على ألسنة عموم الناس استخدام هذه الوحدة اللغياتية بمعنى السواد، وهي من الأخطاء الشائعة التي نبه إليها المستكشف “إدمون دوتي”، بقوله:” كلمة “التيرس” لا تعني من الناحية الاشتقاقية ‘التربة السوداء'، فلا وجود لفكرة السواد في جذر هذه الكلمة”(5). وتأتي لفظة “التيرس” في صيغة الجمع كقول العبديين:”التوارسغير امشقلبة في فرطميس” وهي ذات الإشارة التي لم يفت “إدمون دوتي” أن ذكرها بقوله:”…. فقد سمعنا بعض الأهالي ممن انتزعت أراضيهم في منطقة سيدي بلعباس( الجزائر) يقولون :” خذاو لينا التوارس”(6).
وتمثل تربة “التيرس ” السوداء أغلبية مساحة قبيلة عبدة، فهي حسب تقديرات “ارمان أنطونا” المراقب المدني لآسفي وعبدة خلال الفترة الاستعمارية،” تمتد حوالي000 70 هكتار(7) وتضم مساحة كبيرة ومتصلة شمال شرق القبيلة وبالأخص سهل سحيم حسب “جورج إيميل” (8). وتتميز بمردودية عالية تتراوح مابين 20و30 قنطار للهكتار الواحد حسب “جورج إيميل” نفسه(9). ليس بأراضي “التيرس” غطاء نباتي، والفرشة المائية بها غورها بعيد، إن لم نقل إنها منعدمة حسب خلاصات دراسات المهندس “روسو”، اللهم وجود بعض الفرشات الصغيرة المنعزلة هنا وهناك فيما يصطلح عليه محليا بالمحاقن.
الحروشة/Hroucha:
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة أن ” أحراش(جمع)، مفردها حرش وحرش، أراضي تغطيها الأشجار…."، وهو تعريف يتقاطع -إلى حد ما-من حيث الدلالة مع معنى “الحروشة” عند فلاحي عبدة، الذين دأبوا على إطلاقه على الأراضي التي بها خشونة، أي الأراضي "الحرشاء” ” التي ليست في الحقيقة إلا أراضي “الرمل” أو “الحمري”،متناثرة على سطحها حجارة مختلفة الأحجام”،(10)مع غطاء نباتي متنوع قوامه أشجار متوسطة مثل الرتم والنخل القصير (الدوم) والبرواكوالجرنيج والطلح وأنواع كثيرة من الشوكيات. ولذلك فإن أراضي “الحروشة” لا تشجع على استخدام الآلات العصرية في الزراعة، بحيث يكتفي مالكوها باستعمال الوسائل التقليدية كالمحراث الخشبي أثناء عملية الحرث، والمنجل أثناء عملية الحصاد وغير ذلك.
وعلى الرغم من أن أراضي” الحروشة” تهيمن أساسا على المجال الانتقالي الفاصل بين أراضي بلاد الساحل الصخرية وبين أراضي بلاد “التيرس”، إلا أننا نلاحظ وجود بعض جيوب “الحروشة” المنعزلة في عمق بلاد “التيرس”، ذلك ما تؤكده طبوبونيميا المجال بوجود أماكن تحمل أسماء من قبيل:”الحرش” و”لحريش” أو “الحروشة”.
الحصبة/الحصباء:
الجذر اللغوي لهذه الكلمة هو (ح ص ب)، وتعريفه حسب معجم "الغني”،” كثر الحصب في الساحة: صغار الحجارة. ألقى الحصب في النار: ما يلقى فيها من حطب ووقود”، وكما في محكم التنزيل:” إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون” (الأنبياء، الآية 98). أما معجم “مختار الصحاح” ” الحصباء بالمد، الحصى ومنه المحصب وهو موضع الجمار بمنى، والحاصب الريح الشديدة تثير الحصباء….”.
وسواء تعلق الامر بالحصبة أو الحصباء، فكلتا الوحدتين اللغيتين لهما نفس المعنى وهو الحجارة الصغيرة، التي يعبر عنها لغة تارة بالحصبة وتارة أخرى بالحصباء. ويطلق سكان عبدة اسم الحصبة على منطقة موجودة بالجماعة الترابية لمول البركي، بعيدة عن مدينة آسفي بحوالي 35 كلم. ويبدو أن العبديين من العرب الأوائل، دأبوا على استخدام هذا الاسم على جزء من تلك المنطقة، منذ أن استوطنوا المجال عقب التغريبة الهلالية زمن الحكم الموحدي، وهو ذات الجزء الذي اكتفوا بتخصيصه للرعي والانتجاع فقط، نظرا لكونه غير ذي جدوى في المجال الزراعي. وهناك، وراء قطعان الأغنام “شكلت (الحصبة) ولاتزال مشتلا وخزانا مهما لعيوط الحصبة، بل وحتى لباقي أصناف العيطة بالمغرب” (11).
الحمري/Hamri:
نسبة الى اللون الأحمر وإلى الحمرة التي اكتسبها هذا النوع من التراب، نظرا لكونه غنيا بالحديد والطين نتيجة لسلسلة من العمليات الجيوكيماوية التي ظلت تشتغل وتتفاعل منذ الزمن الرابع حسب خلاصات بعض الدراسات، مما دفع بكثير من العلماء الى تصنيف هذه التربة ضمن الأتربة القديمة. وهو نفس ما أكده “ارمان أنطونا” في مونوغرافيته بقوله:”…تتكون من فلزات طينية مختلطة بالكلس والرمل، حسب ظروف متنوعة، بحيث إنها تتميز بوجود أملاح الحديد التي تضفي عليها لونا أحمر فاتحا نسبيا….”(12).
ويطلق فلاحو عبدة اسم “الحمري” على الأراضي الموجودة في شرق القبيلة انطلاقا من منطقة “العكلة” الواقعة بجماعة سيدي التيجي، والتي تصل مساحتها الاجمالية حوالي 80000 هكتار(13). وهذا لايعني انعدام بعض الجيوب “الحمرية ” في باقي مساحة عبدة وبالأخصعلى واجهتهاالأطلسية. وتتميز تربة ” الحمري” بكونها لا تتطلب كميات كبيرة من الماء، كما أنها تتلاءم وزراعة جميع أنواعالحبوب، كالقمح والشعير والذرة والجلبان والعدس وكذا مختلف أنواعالأشجار كالتين والزيتون.
الحمري-امتيرسة:
واضح من خلال تركيبة هذه الوحدة اللغياتية القليلة الانتشار -إلا فيأوساط من يستقرون بالقرب من هذا النوع من التربة أويمتلكون بعض الفدادين منها-أنها عبارة عن أراضي تتكون من تربة وسطى، ناجمة عن الاندماج بين تربة “التيرس” وتربة “الحمري”،بمعنى أنها مجال انتقالي يفصل بينأراضي “التيرس” وأراضي “الحمري”، وهي تربة قليلة الخصوبة خصوصا لما يتعلق الامر بجزء منها يسمى “الرمل-لمتورسي” بسبب صعوبة الاندماج.
الرْمَل/R'mel:
يتألف الجذر اللغوي لمفردة “الرْمل” من الأحرف (ر م ل)،” وهو نوع من التراب، واحدرملة، والقطعة منه رملة،وجمعه: رمال وأرمل “. ويلاحظ بأن فلاحي منطقة عبدة يستخدمون هذه الكلمة مع الحفاظ على المعنى الذي يتضمنه جذرها اللغوي الفصيح، ذلك أن “الرْمَل” عندهم هي الأرض المكسوة بالرمل أو التي يغلب على تربتها الرمل، مما يجعلها صلبة وصعبة الإنبات، وهي من أصناف الأراضي المبتذلة”(14).
وتنتشر أراضي “الرْمَل” المكونة أساسا من رمال كلسية رقيقة، على طول الساحل العبدي في شكل تلال ساحلية، بمثابة حاجز طبيعي يفصل بين البحر المحيط وشواطئه والساحل الصخري الفاقد لتربته بسبب عوامل التعرية التي تعرض لها خلال ازمنة غابرة. وتتميز أراضي "الرمل” بكونها لا تتطلب تساقطات مطرية كبيرة، كما أن غناها بالعيون المائية شجع الساكنة المستقرة بها على مزاولة أنشطة زراعية سقوية في إطار ما يسمى محليا ب “الولجة”، وذلك باستخدام غبار البهائم الذي يجعل من تربة “الرمل” تربة خصبة تعطي مردودية عالية على مستوى مختلف أنواع البقول والمغروسات المتنوعة، التي تمتد إلى أن تلامس الشاطئ مستفيدة من رطوبة البحر الأطلسي.
الضرس/Addarss:
من الناحية اللغوية استخلصنا إجماعا معجميا على أن كلمة الضرس تعني”السن ، وهو مذكر مادام له هذا الاسم ،لأن الأسنان كلها إناث إلا الأضراس والأنياب وربما حمع على ضروس . والضرس أيضا: أكمة خشنة…”. أما عند فلاحي بلاد عبدة-مجال اشتغالنا-فتحمل هذه الوحدة اللغياتية معنى لا يبتعد عن المعنى اللغوي الفصيح،فهو يتصل بطبقة ترابية متميزة توجد مباشرة تحت الطبقة الترابية الزراعية،ويسمونها بالضرس نظرا لكونها تحتوي على أحافيرFossiles مكونة أساسا من أضراس وأنياب وقواقع لحيوانات بحرية مندثرة.
والضرس طبقة ترابية صلبة جدا، وكأنها متماسكة بغراء اسمنتي، طالما حطم كبرياء البيارين وحفاري النطفيات والمطامير والكهوف والقبور وحفر الاغراس، مما كان يدفعهم إلى استخدام الماء كي تتصبح تلك الطبقة سهلة التفتيت Friable.
الفكرون/Fakroun:
يتعلق الأمر بمفردة مزدوجة المعنى في الوسط العبدي، فهي عند الشباب والأحداث تدل على السلحفاة، لكن عند العارفين من الكبار فهي تحيل –إضافة إلى ذلك -على نوع من الأراضي بالقبيلة. وفي كلتا الحالتين، فليس لهذه الوحدة اللغياتية أصل في لغة الضاد، لكن الأستاذ محمد شفيق يلتمس لها أصلا في اللغة الأمازيغية، بقوله:”الفكرون،السلحفاة/أفكرون،أفشرون/ج/ تفكران،تفشران،ومن ذلك واد بوفكران/بويفكران= ذو السلاحف…”(15).
ويقترن معنى هذه اللفظة في اللغية التقنية الفلاحية لقبيلة عبدة-كما أسلفنا-بنوع من الأراضي،تتميز بوجود حائل صلب مباشرة بعد الترية الزراعية يسمى “الصفية” أو “الفكرون”(16)، على اعتبار أن هذا الحائل/الدرع،يشبه من حيث الشكل المحدب والصلابة قوقعة السلحفاة، والتي يتطلب من الحفارين نقرها بعناية باستعمال الفؤوس الحادة، في أفق الاستمرار في عملي الحفر، وذلك عكس أراضي “المرس” أو “الضرس” حيث تغيب هذه الصفيحة الصلبة.
المرس/Marss:
لم يسعفنا المسح المعجمي المتواضع الذي أجريناه بين مختلف معاجم لغة الضاد، الورقية منها والالكترونية، في العثور على المعنى الذي يستجيب لما نطمح اليه في سياق تفكيك هذه الوحدة اللغياتية والتعرف على أصلها ومعناها. ذلك أن المفردات المشتقة من الجذر المشترك (م ر س) متعددة على مستوى الرسم والمدلول. لكن ثمة معنى طريف لكلمة “المرس” أورده الأستاذ محمد شفيق في معجمه، حيث ذكر:” المرس، النزل والمحلة، مكان النزول والحلول = أمريسيو، وقد صار للفظة المرس معنى متجمع المطامير، لأن المطامير لا تحفر إل في أماكن النزول والحلول”(17). إنه المعنى الأكثر تطابقا مع الذي يتداوله فلاحو عبدة بشأن أماكن مخصوصة ضمن أراضي قبيلتهم. وتتميز أراضي ” المرس” حسب المعطيات الشفهية(18) والميدانية بانعدام وجود ما يسمى محليا ب”الفكرون”،بحيث أن عملية الحفر تحيل -بعد إزالة القشرة الزراعية-مباشرة على طبقة أخرى متميزة بنصاعة بياض لونها وبهشاشتها أيضا، فهي تصلح لخزن مختلف أنواع الحبوب وحتى القطاني في مطامير فردية أو جماعية لهذه الغاية، وقد تمتد عملية خزنالحبوب لمدة طويلة جدا، دون أن تصاب بالإتلاف أو تتغير رائحتها.
لعل ما يدل على مكانة وقيمة أراضي ” المرس”، ما تختزنه طوبونيميا المجال المغربي عموما والمجال العبدي على وجه الخصوص، من أسماء لأماكن متباعدة تحمل اسم “المرس” تكبيرا أو تصغيرا، نذكر منها ما يتصل فقط بمجال هذه المقاربة، ك “المرس الكبير” بجماعة لبخاتي، و “أمريس” بجماعة أولاد سلمان، وأرض "لمريس” شرق زاوية مسناوة بجماعة دار القائد السي عيسى. ومما يدل أيضا على قيمة هذا النوع من الأراضي، هو تهافت السلاطين والاعيان والقياد والشرفاء على امتلاكها خلال العصور الماضية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر” مرس السلطان” بالدار البيضاء و ” مرس القايد” المنسوب الى القائد السي عيسى بن عمر العبدي، الذي يضم سلسلة من المطامير التي كانت مخصصة لتخزين مختلف أنواع الحبوب والقطاني.
خاتمة:
أهم خلاصة يمكن التوصل إليها من هذه الدراسة المتواضعة التي قمنا بها،هي أنه يوجد إلى جانب اللغات العالمة لغيات تقنية عامية، تخص كل واحدة منها مجالا حياتيا محددا. وإذا كانت اللغات العالمة قد نالت حظها من الدراسة الأكاديمية، فإن اللغيات التقنية ما تزال لم تنل الاهتمام اللازم، وإذا ما حصل ذلك فإن الأمر سيفتح -لامحالة -آفاقا واسعة لدراسة اللهجة المغربية عموما واللهجة العبدية على وجه الخصوص، بل أن ذلك سيحيل الباحثين على جوانب تاريخية وتراثية مهمة للغاية.
الهوامش:
1)-“اللغية التقنية” ترجمة للمصطلح الفرنسي”Technolecte”، وهو مكون من شقين: لغية”lecte”و تقنية “Techno”،وإذا كان الجزء الثاني لايكتنفه غموض من حيث وضوح المعنى،فإن الجزء الأول يحتاج إلى بيان.” في لغة ما اللغية تعني مجموعة من الخصائص اللسانية المتباينة التي يمكن تجميعها داخل بنية تحيل على طبقة اجتماعية أو مهنية” …. إن ترجمة الكلمة باللغية على صيغة التصغير يحيل على لغة مشتركة ضخمة ذات قواعد ومعجم وزخم تاريخي،تقابلها لغة خاصة تنسل من اللغة المشتركة وتحتمي بها وتتخذها أساسا وسبيلاللانبعاث…”(المصطفى غزالي-طالب –دكتوراه،مختبر اللغة والمجتمع-جامعة ابن طفيل-القنيطرة). وتبسيطا للإستيعاب هذا المصطلح /يمكن القول أن لكل حرفة او مهنة لغيتها الخاصة بها: فالنجارون لهم لغيتهم، والذباغون لهم لغيتهم والمشتغلون في البحر لهم لغيتهم، والفلاحون هم أيضا لهم لغيتهم وهكذا دواليك……
2)-نقصد بذلك كلا من “إدمون دوتي” و”ارمان أنطونا” و “جورج إيميل” و “أوجين أوبان ” وغيرهم.
3)- نظرا لأن الشعاب الموجودة بالمنحدرات الجنوبية لمنطقة بياضة ،كانت تشكل مصدر تعدية وادي الشعبة الذي كان يمتلىء بالمياه المنهمرة من هناك ،فقد باشرت سلطات الحماية سنة1943 مسطرة نزع الملكية من اجل المصلحة العامة لبعض الأراضي المنحدرة التي وصفتها ب”….عقارات بيضاء كثيرة الانحدار لايمكن البناء فيها ولا الإنتاج كذلك…”(قرار وزيري مؤرخ في 3غشت سنة 1943،صادر بالجريدة الرسمية للدولة المغربية الشريفة المحمدية عدد 1522 بتاريخ27غشت 1943م،ص921).
4)-غزالي، المصطفى،اللغية التقنية الفلاحية ،جهة الشاوية ورديغة نموذجا،مساهمة ضمن:" Les technolectes/Languesspécialisées en context plurilingue." Coordination: Leila Messaoudiet Pierre Lerat. جامعة ابن طفيل-القنيطرة.
5)و6)- إدمون ،دوتي،مراكش، ترجمة : عبد الرحيم حزل،منشورات مرسم،الرباط 2011،ص،187.
7)- أرمان ،أنطونا، جهة عبدة ،ترجمة :علال ركوك/محمد بن الشيخ، مراجعة /احمد بنجلون ،تقديم: امحمد زاكور،2003،ص،105.
8)et 9)-GéorgeAimel, Safi et sa region, Exposition Franco-Marocaine,Casablanca,1915,p,26.
10)-أرمان، أنطونا،جهة عبدة،ص،105.
11)-شتيوي ،أحمد، العيطةالحصباوية من التأسيس النظري إلى استنطاق النصوص-محاولة في التوثيق-،تقديم: علال ركوك، منشورات جمعية البحث والتوثيق،2016.ص،33.
12) و13)- ارمان ،أنطونا،جهة عبدة، ص،105.
14)-غزالي، المصطفى،اللغية التقنية الفلاحية ،جهة الشاوية ورديغة نموذجا…،ص،54.
15)-شفيق،محمد ،اللغة الدارجة المغربية مجال توارد بين اللغة العربية واللغة الامازيغية،ص146.
16)- هناك معنى آخر ل”الفكرون”،ويتعلق الامر بحزام خشن يلبس في العديد من المناطق المغربية ،يسمى كذلك نظرا لشكله الذي يشبه في وسطه قوقعة سلحفاة(درع). ويعتقد أنه يجلب السعادة ويقي من العين الشريرة.
17)-)- شفيق،محمد ،اللغة الدارجة المغربية مجال توارد بين اللغة العربية واللغة الامازيغية،ص.46.
18)-افادة من والدي عبد الرحمان بن التهامي العياطي ،رحمهما الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.