فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربة وأنواع الأراضي من خلال اللّغيّة(1)التقنية الفلاحية لقبيلة عبدة.
نشر في آسفي اليوم يوم 31 - 05 - 2020


أستاذ وباحث في التاريخ.
مقدمة:
يمكن تعريف التربة بالمفهوم العام، بتلك القشرة المرئية من سطح الأرض المتصلة مباشرة بالركيزة الأرضية الأم. وتشكل هذه الطبقة الرهيفة وسطا إحيائيا مفضلا لعيش عدد من الكائنات الحية والنباتية، في إطار من العلاقات والسلاسل الغذائية.
سنتخذ من منطقة عبدة فضاء للبحث، ومن جزء من معجم ساكنتها الفلاحية – تحديدا-مجالا للاشتغال، من أجل تحديد أسماء التربة والأراضي وما يرتبط بها من مميزات زراعية ومائية ورعوية وغير ذلك علما أن بعض هذه المسميات التي استطعنا جمعها قد حظيت بإشارة بعض المستكشفين الأجانب(2)، ضمن بحوثهم عقب الجولات التي قاموا بها بالمجال المعني خلال فترات متفاوتة، وإن كانت دراساتهم قد غفلت عددا من ألفاظ المعجم العبدي المرتبط بالتربة. وجلي أن التربة بمجال عبدة -التي شبهها غير واحد من الأجانب بمنطقةLabeauce الفرنسية، لاعتبارات طبوغرافية وأيضا بالنظر الى خصوبة ومردودية تربتها الزراعية-تتوزع إلى عدة أصناف، تحمل أسماء محددة ضمن لغية تقنية فلاحية خاصة بساكنة عبدة، بعضها تنحدر من لغتهم الأصل وأخرى يستمدونها من لغات اعجميةأخرى، كما سنأتي على بيان ذلك. ويتعلق الامر بالأتربة التالية:
-بياضة.
-التيرس.
-الحروشة.
-الحصبة/الحصباء.
-الحمري.
-الحمري-امتيرسة.
-الرمل.
– الضرس.
-الفكرون.
-المرس.
بياضة/Biada:
واضح أن هذه الوحدة اللغياتية تنحدر من اللون الأبيض الذي هو عكس اللون الأسود. ومن جهة ثانية، فقد ورد في معجم “تاج العروس”:” البيضاء: الخراب من الأرض،لأن الموات من الأرض يكون أبيض،فإذا غرس فيه الغراس اسود واخضر”.إن هذا المعنى لايبتعد عن المتداول في اللغية التقنية الفلاحية العبدية، بحيث تعتبر التربة البيضاء غير ذات جدوى في المجال الزراعي، إلا في حالة تخصيبها عن طريق استعمال فضلات البهائم. كما أن هذه التربة غير ذات قيمة مادية في سوق العقار، وأن أغلب الفلاحين يضطرون إلى استخدامها في مجال الغراسة فقط.
وينتشر هذا النوع من التربة-في الغالب-بالطرقات والمسالك التي تجردت من القشرة الزراعية السطحية، جراء المرور المتكرر للبهائم ذات الحوافر أو العربات المجرورة أوالذاتية التحرك.كما توجد هذه التربة بأماكن محددة من الأراضي الزراعية الموجودة بالتلال المسماة محليا ب “الظهورة”، وكذا بالأماكن شديدة الانحدار الذي يؤدي الى التعرية المائية المتكررة، ولنا في منطقة “بياضة ” بشمال مدينة آسفي القديمة خير مثال، حيث نالت هذه الناحية طوبونيم “بياضة” عن جدارة واستحقاق، نظرا لما تعرضت إليه من عمليات الحث والتعرية الهيدرولوجية القوية منذ أزمنة خلت، بسبب جريان مياه الامطار المتجهة صوب وادي الشعبة ومنه الى البحر المحيط.(3)
التيرس/tirs:
تنحدر كلمة “تيرس” من اللغة الفرنسية، فهي من”Terrasse” التي تعني حسب معجم “Micro ROBERT” الأرض المستوية. وقد حافظ الفلاحون العبديون على نفس المعنى ضمن خطابهم الفلاحي اليومي، فأراضي “التيرس” في لغيتهم تعني تلك المساحات الشاسعة المنبسطة، التي لا تتخللها سوى عقبات متموجة وخفيفة الانحدار. لقد حافظت هذه الوحدة اللغياتية على معناها الأصلي، واكتسبت بذلك مدلولا تقنيا راسخا في الميدان الفلاحي في عبدة وفي المجالات الترابية المشابهة، “كما حافظت على جميع حروفها ما عدا حذف بعض الصوائت وسط الكلمة”(4).
من جهة اخرى، فقد درج على ألسنة عموم الناس استخدام هذه الوحدة اللغياتية بمعنى السواد، وهي من الأخطاء الشائعة التي نبه إليها المستكشف “إدمون دوتي”، بقوله:” كلمة “التيرس” لا تعني من الناحية الاشتقاقية ‘التربة السوداء'، فلا وجود لفكرة السواد في جذر هذه الكلمة”(5). وتأتي لفظة “التيرس” في صيغة الجمع كقول العبديين:”التوارسغير امشقلبة في فرطميس” وهي ذات الإشارة التي لم يفت “إدمون دوتي” أن ذكرها بقوله:”…. فقد سمعنا بعض الأهالي ممن انتزعت أراضيهم في منطقة سيدي بلعباس( الجزائر) يقولون :” خذاو لينا التوارس”(6).
وتمثل تربة “التيرس ” السوداء أغلبية مساحة قبيلة عبدة، فهي حسب تقديرات “ارمان أنطونا” المراقب المدني لآسفي وعبدة خلال الفترة الاستعمارية،” تمتد حوالي000 70 هكتار(7) وتضم مساحة كبيرة ومتصلة شمال شرق القبيلة وبالأخص سهل سحيم حسب “جورج إيميل” (8). وتتميز بمردودية عالية تتراوح مابين 20و30 قنطار للهكتار الواحد حسب “جورج إيميل” نفسه(9). ليس بأراضي “التيرس” غطاء نباتي، والفرشة المائية بها غورها بعيد، إن لم نقل إنها منعدمة حسب خلاصات دراسات المهندس “روسو”، اللهم وجود بعض الفرشات الصغيرة المنعزلة هنا وهناك فيما يصطلح عليه محليا بالمحاقن.
الحروشة/Hroucha:
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة أن ” أحراش(جمع)، مفردها حرش وحرش، أراضي تغطيها الأشجار…."، وهو تعريف يتقاطع -إلى حد ما-من حيث الدلالة مع معنى “الحروشة” عند فلاحي عبدة، الذين دأبوا على إطلاقه على الأراضي التي بها خشونة، أي الأراضي "الحرشاء” ” التي ليست في الحقيقة إلا أراضي “الرمل” أو “الحمري”،متناثرة على سطحها حجارة مختلفة الأحجام”،(10)مع غطاء نباتي متنوع قوامه أشجار متوسطة مثل الرتم والنخل القصير (الدوم) والبرواكوالجرنيج والطلح وأنواع كثيرة من الشوكيات. ولذلك فإن أراضي “الحروشة” لا تشجع على استخدام الآلات العصرية في الزراعة، بحيث يكتفي مالكوها باستعمال الوسائل التقليدية كالمحراث الخشبي أثناء عملية الحرث، والمنجل أثناء عملية الحصاد وغير ذلك.
وعلى الرغم من أن أراضي” الحروشة” تهيمن أساسا على المجال الانتقالي الفاصل بين أراضي بلاد الساحل الصخرية وبين أراضي بلاد “التيرس”، إلا أننا نلاحظ وجود بعض جيوب “الحروشة” المنعزلة في عمق بلاد “التيرس”، ذلك ما تؤكده طبوبونيميا المجال بوجود أماكن تحمل أسماء من قبيل:”الحرش” و”لحريش” أو “الحروشة”.
الحصبة/الحصباء:
الجذر اللغوي لهذه الكلمة هو (ح ص ب)، وتعريفه حسب معجم "الغني”،” كثر الحصب في الساحة: صغار الحجارة. ألقى الحصب في النار: ما يلقى فيها من حطب ووقود”، وكما في محكم التنزيل:” إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون” (الأنبياء، الآية 98). أما معجم “مختار الصحاح” ” الحصباء بالمد، الحصى ومنه المحصب وهو موضع الجمار بمنى، والحاصب الريح الشديدة تثير الحصباء….”.
وسواء تعلق الامر بالحصبة أو الحصباء، فكلتا الوحدتين اللغيتين لهما نفس المعنى وهو الحجارة الصغيرة، التي يعبر عنها لغة تارة بالحصبة وتارة أخرى بالحصباء. ويطلق سكان عبدة اسم الحصبة على منطقة موجودة بالجماعة الترابية لمول البركي، بعيدة عن مدينة آسفي بحوالي 35 كلم. ويبدو أن العبديين من العرب الأوائل، دأبوا على استخدام هذا الاسم على جزء من تلك المنطقة، منذ أن استوطنوا المجال عقب التغريبة الهلالية زمن الحكم الموحدي، وهو ذات الجزء الذي اكتفوا بتخصيصه للرعي والانتجاع فقط، نظرا لكونه غير ذي جدوى في المجال الزراعي. وهناك، وراء قطعان الأغنام “شكلت (الحصبة) ولاتزال مشتلا وخزانا مهما لعيوط الحصبة، بل وحتى لباقي أصناف العيطة بالمغرب” (11).
الحمري/Hamri:
نسبة الى اللون الأحمر وإلى الحمرة التي اكتسبها هذا النوع من التراب، نظرا لكونه غنيا بالحديد والطين نتيجة لسلسلة من العمليات الجيوكيماوية التي ظلت تشتغل وتتفاعل منذ الزمن الرابع حسب خلاصات بعض الدراسات، مما دفع بكثير من العلماء الى تصنيف هذه التربة ضمن الأتربة القديمة. وهو نفس ما أكده “ارمان أنطونا” في مونوغرافيته بقوله:”…تتكون من فلزات طينية مختلطة بالكلس والرمل، حسب ظروف متنوعة، بحيث إنها تتميز بوجود أملاح الحديد التي تضفي عليها لونا أحمر فاتحا نسبيا….”(12).
ويطلق فلاحو عبدة اسم “الحمري” على الأراضي الموجودة في شرق القبيلة انطلاقا من منطقة “العكلة” الواقعة بجماعة سيدي التيجي، والتي تصل مساحتها الاجمالية حوالي 80000 هكتار(13). وهذا لايعني انعدام بعض الجيوب “الحمرية ” في باقي مساحة عبدة وبالأخصعلى واجهتهاالأطلسية. وتتميز تربة ” الحمري” بكونها لا تتطلب كميات كبيرة من الماء، كما أنها تتلاءم وزراعة جميع أنواعالحبوب، كالقمح والشعير والذرة والجلبان والعدس وكذا مختلف أنواعالأشجار كالتين والزيتون.
الحمري-امتيرسة:
واضح من خلال تركيبة هذه الوحدة اللغياتية القليلة الانتشار -إلا فيأوساط من يستقرون بالقرب من هذا النوع من التربة أويمتلكون بعض الفدادين منها-أنها عبارة عن أراضي تتكون من تربة وسطى، ناجمة عن الاندماج بين تربة “التيرس” وتربة “الحمري”،بمعنى أنها مجال انتقالي يفصل بينأراضي “التيرس” وأراضي “الحمري”، وهي تربة قليلة الخصوبة خصوصا لما يتعلق الامر بجزء منها يسمى “الرمل-لمتورسي” بسبب صعوبة الاندماج.
الرْمَل/R'mel:
يتألف الجذر اللغوي لمفردة “الرْمل” من الأحرف (ر م ل)،” وهو نوع من التراب، واحدرملة، والقطعة منه رملة،وجمعه: رمال وأرمل “. ويلاحظ بأن فلاحي منطقة عبدة يستخدمون هذه الكلمة مع الحفاظ على المعنى الذي يتضمنه جذرها اللغوي الفصيح، ذلك أن “الرْمَل” عندهم هي الأرض المكسوة بالرمل أو التي يغلب على تربتها الرمل، مما يجعلها صلبة وصعبة الإنبات، وهي من أصناف الأراضي المبتذلة”(14).
وتنتشر أراضي “الرْمَل” المكونة أساسا من رمال كلسية رقيقة، على طول الساحل العبدي في شكل تلال ساحلية، بمثابة حاجز طبيعي يفصل بين البحر المحيط وشواطئه والساحل الصخري الفاقد لتربته بسبب عوامل التعرية التي تعرض لها خلال ازمنة غابرة. وتتميز أراضي "الرمل” بكونها لا تتطلب تساقطات مطرية كبيرة، كما أن غناها بالعيون المائية شجع الساكنة المستقرة بها على مزاولة أنشطة زراعية سقوية في إطار ما يسمى محليا ب “الولجة”، وذلك باستخدام غبار البهائم الذي يجعل من تربة “الرمل” تربة خصبة تعطي مردودية عالية على مستوى مختلف أنواع البقول والمغروسات المتنوعة، التي تمتد إلى أن تلامس الشاطئ مستفيدة من رطوبة البحر الأطلسي.
الضرس/Addarss:
من الناحية اللغوية استخلصنا إجماعا معجميا على أن كلمة الضرس تعني”السن ، وهو مذكر مادام له هذا الاسم ،لأن الأسنان كلها إناث إلا الأضراس والأنياب وربما حمع على ضروس . والضرس أيضا: أكمة خشنة…”. أما عند فلاحي بلاد عبدة-مجال اشتغالنا-فتحمل هذه الوحدة اللغياتية معنى لا يبتعد عن المعنى اللغوي الفصيح،فهو يتصل بطبقة ترابية متميزة توجد مباشرة تحت الطبقة الترابية الزراعية،ويسمونها بالضرس نظرا لكونها تحتوي على أحافيرFossiles مكونة أساسا من أضراس وأنياب وقواقع لحيوانات بحرية مندثرة.
والضرس طبقة ترابية صلبة جدا، وكأنها متماسكة بغراء اسمنتي، طالما حطم كبرياء البيارين وحفاري النطفيات والمطامير والكهوف والقبور وحفر الاغراس، مما كان يدفعهم إلى استخدام الماء كي تتصبح تلك الطبقة سهلة التفتيت Friable.
الفكرون/Fakroun:
يتعلق الأمر بمفردة مزدوجة المعنى في الوسط العبدي، فهي عند الشباب والأحداث تدل على السلحفاة، لكن عند العارفين من الكبار فهي تحيل –إضافة إلى ذلك -على نوع من الأراضي بالقبيلة. وفي كلتا الحالتين، فليس لهذه الوحدة اللغياتية أصل في لغة الضاد، لكن الأستاذ محمد شفيق يلتمس لها أصلا في اللغة الأمازيغية، بقوله:”الفكرون،السلحفاة/أفكرون،أفشرون/ج/ تفكران،تفشران،ومن ذلك واد بوفكران/بويفكران= ذو السلاحف…”(15).
ويقترن معنى هذه اللفظة في اللغية التقنية الفلاحية لقبيلة عبدة-كما أسلفنا-بنوع من الأراضي،تتميز بوجود حائل صلب مباشرة بعد الترية الزراعية يسمى “الصفية” أو “الفكرون”(16)، على اعتبار أن هذا الحائل/الدرع،يشبه من حيث الشكل المحدب والصلابة قوقعة السلحفاة، والتي يتطلب من الحفارين نقرها بعناية باستعمال الفؤوس الحادة، في أفق الاستمرار في عملي الحفر، وذلك عكس أراضي “المرس” أو “الضرس” حيث تغيب هذه الصفيحة الصلبة.
المرس/Marss:
لم يسعفنا المسح المعجمي المتواضع الذي أجريناه بين مختلف معاجم لغة الضاد، الورقية منها والالكترونية، في العثور على المعنى الذي يستجيب لما نطمح اليه في سياق تفكيك هذه الوحدة اللغياتية والتعرف على أصلها ومعناها. ذلك أن المفردات المشتقة من الجذر المشترك (م ر س) متعددة على مستوى الرسم والمدلول. لكن ثمة معنى طريف لكلمة “المرس” أورده الأستاذ محمد شفيق في معجمه، حيث ذكر:” المرس، النزل والمحلة، مكان النزول والحلول = أمريسيو، وقد صار للفظة المرس معنى متجمع المطامير، لأن المطامير لا تحفر إل في أماكن النزول والحلول”(17). إنه المعنى الأكثر تطابقا مع الذي يتداوله فلاحو عبدة بشأن أماكن مخصوصة ضمن أراضي قبيلتهم. وتتميز أراضي ” المرس” حسب المعطيات الشفهية(18) والميدانية بانعدام وجود ما يسمى محليا ب”الفكرون”،بحيث أن عملية الحفر تحيل -بعد إزالة القشرة الزراعية-مباشرة على طبقة أخرى متميزة بنصاعة بياض لونها وبهشاشتها أيضا، فهي تصلح لخزن مختلف أنواع الحبوب وحتى القطاني في مطامير فردية أو جماعية لهذه الغاية، وقد تمتد عملية خزنالحبوب لمدة طويلة جدا، دون أن تصاب بالإتلاف أو تتغير رائحتها.
لعل ما يدل على مكانة وقيمة أراضي ” المرس”، ما تختزنه طوبونيميا المجال المغربي عموما والمجال العبدي على وجه الخصوص، من أسماء لأماكن متباعدة تحمل اسم “المرس” تكبيرا أو تصغيرا، نذكر منها ما يتصل فقط بمجال هذه المقاربة، ك “المرس الكبير” بجماعة لبخاتي، و “أمريس” بجماعة أولاد سلمان، وأرض "لمريس” شرق زاوية مسناوة بجماعة دار القائد السي عيسى. ومما يدل أيضا على قيمة هذا النوع من الأراضي، هو تهافت السلاطين والاعيان والقياد والشرفاء على امتلاكها خلال العصور الماضية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر” مرس السلطان” بالدار البيضاء و ” مرس القايد” المنسوب الى القائد السي عيسى بن عمر العبدي، الذي يضم سلسلة من المطامير التي كانت مخصصة لتخزين مختلف أنواع الحبوب والقطاني.
خاتمة:
أهم خلاصة يمكن التوصل إليها من هذه الدراسة المتواضعة التي قمنا بها،هي أنه يوجد إلى جانب اللغات العالمة لغيات تقنية عامية، تخص كل واحدة منها مجالا حياتيا محددا. وإذا كانت اللغات العالمة قد نالت حظها من الدراسة الأكاديمية، فإن اللغيات التقنية ما تزال لم تنل الاهتمام اللازم، وإذا ما حصل ذلك فإن الأمر سيفتح -لامحالة -آفاقا واسعة لدراسة اللهجة المغربية عموما واللهجة العبدية على وجه الخصوص، بل أن ذلك سيحيل الباحثين على جوانب تاريخية وتراثية مهمة للغاية.
الهوامش:
1)-“اللغية التقنية” ترجمة للمصطلح الفرنسي”Technolecte”، وهو مكون من شقين: لغية”lecte”و تقنية “Techno”،وإذا كان الجزء الثاني لايكتنفه غموض من حيث وضوح المعنى،فإن الجزء الأول يحتاج إلى بيان.” في لغة ما اللغية تعني مجموعة من الخصائص اللسانية المتباينة التي يمكن تجميعها داخل بنية تحيل على طبقة اجتماعية أو مهنية” …. إن ترجمة الكلمة باللغية على صيغة التصغير يحيل على لغة مشتركة ضخمة ذات قواعد ومعجم وزخم تاريخي،تقابلها لغة خاصة تنسل من اللغة المشتركة وتحتمي بها وتتخذها أساسا وسبيلاللانبعاث…”(المصطفى غزالي-طالب –دكتوراه،مختبر اللغة والمجتمع-جامعة ابن طفيل-القنيطرة). وتبسيطا للإستيعاب هذا المصطلح /يمكن القول أن لكل حرفة او مهنة لغيتها الخاصة بها: فالنجارون لهم لغيتهم، والذباغون لهم لغيتهم والمشتغلون في البحر لهم لغيتهم، والفلاحون هم أيضا لهم لغيتهم وهكذا دواليك……
2)-نقصد بذلك كلا من “إدمون دوتي” و”ارمان أنطونا” و “جورج إيميل” و “أوجين أوبان ” وغيرهم.
3)- نظرا لأن الشعاب الموجودة بالمنحدرات الجنوبية لمنطقة بياضة ،كانت تشكل مصدر تعدية وادي الشعبة الذي كان يمتلىء بالمياه المنهمرة من هناك ،فقد باشرت سلطات الحماية سنة1943 مسطرة نزع الملكية من اجل المصلحة العامة لبعض الأراضي المنحدرة التي وصفتها ب”….عقارات بيضاء كثيرة الانحدار لايمكن البناء فيها ولا الإنتاج كذلك…”(قرار وزيري مؤرخ في 3غشت سنة 1943،صادر بالجريدة الرسمية للدولة المغربية الشريفة المحمدية عدد 1522 بتاريخ27غشت 1943م،ص921).
4)-غزالي، المصطفى،اللغية التقنية الفلاحية ،جهة الشاوية ورديغة نموذجا،مساهمة ضمن:" Les technolectes/Languesspécialisées en context plurilingue." Coordination: Leila Messaoudiet Pierre Lerat. جامعة ابن طفيل-القنيطرة.
5)و6)- إدمون ،دوتي،مراكش، ترجمة : عبد الرحيم حزل،منشورات مرسم،الرباط 2011،ص،187.
7)- أرمان ،أنطونا، جهة عبدة ،ترجمة :علال ركوك/محمد بن الشيخ، مراجعة /احمد بنجلون ،تقديم: امحمد زاكور،2003،ص،105.
8)et 9)-GéorgeAimel, Safi et sa region, Exposition Franco-Marocaine,Casablanca,1915,p,26.
10)-أرمان، أنطونا،جهة عبدة،ص،105.
11)-شتيوي ،أحمد، العيطةالحصباوية من التأسيس النظري إلى استنطاق النصوص-محاولة في التوثيق-،تقديم: علال ركوك، منشورات جمعية البحث والتوثيق،2016.ص،33.
12) و13)- ارمان ،أنطونا،جهة عبدة، ص،105.
14)-غزالي، المصطفى،اللغية التقنية الفلاحية ،جهة الشاوية ورديغة نموذجا…،ص،54.
15)-شفيق،محمد ،اللغة الدارجة المغربية مجال توارد بين اللغة العربية واللغة الامازيغية،ص146.
16)- هناك معنى آخر ل”الفكرون”،ويتعلق الامر بحزام خشن يلبس في العديد من المناطق المغربية ،يسمى كذلك نظرا لشكله الذي يشبه في وسطه قوقعة سلحفاة(درع). ويعتقد أنه يجلب السعادة ويقي من العين الشريرة.
17)-)- شفيق،محمد ،اللغة الدارجة المغربية مجال توارد بين اللغة العربية واللغة الامازيغية،ص.46.
18)-افادة من والدي عبد الرحمان بن التهامي العياطي ،رحمهما الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.