ما الذي استجد اليوم داخل أروقة الأممالمتحدة حتى يجعل ألامين العام ألأممي الصحراء الغربية “ارض محتلة” من طرف الدولة المغربية ؟ هل يمكن اعتبار ه موقفا فرديا لا يعكس سوى توجهاته الفكرية و الإيديولوجية الشخصية ؟آم أن الأمر يتعلق بصفقة سياسية أبرمتها الجزائر مع بان كيمون على حساب المغرب و لحساب أطروحة جبهة البوليساريو؟ آم انه توجه أممي جديد له مبرراته و أهدافه المضمرة و المعلنة ؟ . ظلت المنظمة الدولية تأخذ المسافات نفسها من طرفي النزاع، فمنذ ديسمبر 1966 تاريخ إدراج قضية الصحراء الغربية ضمن المعالجة الاممية ، لم يسبق لأي مسؤول أممي أن اعتبر الوضع القانوني للصحراء الغربية في وضعية احتلال من طرف المغرب ، فكل القرارات الأممية سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة لم تتعرض للسيادة المغربية على الإقليم ولم تشر قط لشئ أسمه “احتلال المغرب” بل إن “حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي 16 أكتوبر 1975″ وبناءا على حجج تاريخية قدمها المغرب قد اعترف بشكل صريح بسلطة المغرب على المنطقة، في حين ذهبت بعض القرارات الأممية إلى اعتبار الإقليم يندرج ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي وفق التوصية الأممية 1514، وأكدت أخرى خاصة قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن أن المغرب دولة” تمارس إدارة فعلية “fait l'Administration réelle” لإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي” أي أنه مدير للإقليم بحكم الواقع. فحسب المادة 73 من الفصل الحادي عشر من ميثاق الأممالمتحدة تؤكد على أن :” هناك مبدأ أساسي يقضي بأن مصالح الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، لها المقام الأول. فتلتزم الدولة المكلفة بإدارة هذه الأقاليم بالعمل على تنمية رفاهية أهل الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع، ولهذا الغرض يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتهم بإنصاف وحمايتهم من الإساءة. وكل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب. وكذلك الالتزام بتنمية الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعملون على إنماء أنظمتها السياسية الحرة نموا مطردا، وهو ما يعمل المغرب على الالتزام به واحترامه احتراما كاملا و مطردا في إطار التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والسياسية من خلال تقديمه لمشروع الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع يحترم إرادة الساكنة وكترجمة عملية لمبدأ تقرير المصير كمبدأ من مبادئ القانون الدولي. فالتطبيقات العملية و الواقعية لهذا المبدأ أفرزت تجارب مختلفة كما نجد التجارب الدولية المقارنة قد راكمت نماذج عديدة في إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي ولم يتم وضعها في إطار حالة الاحتلال ومنها على سبيل المثال لا الحصر : حالة بريطانيا المسؤولة عن إدارة عشرة أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي، ومنها جزر المالوينMalvinas ؛ وجزر برمودا؛ وجزر Caimanes؛ وسانت هيلين؛ وجبل طارق و لا تعتبر مناطق محتلة نهائيا في حكم القانون الدولي … حالة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تدير الأقاليم التالية: الجزر العذراء الأمريكية les iles vierges américaines وغوام Guam وجزر ساموا بالنسبة لفرنسا تدير الأقاليم التالية: بولينيزيا الجديدة. كاليدونيا إن موقف الأمين العام للأمم المتحدة الداعي الى اعتبار الصحراء الغربية في و ضعية احتلال يجانب الصواب و لا يستند الى أي سند قانوني في القانون الدولي , لان العناصر الضرورية لقيام وضعية الاحتلال في القانون الدولي لا تتوفر نهائيا في حالة الصحراء الغربية , فالأممالمتحدة تعترف للمغرب بالسلطة الفعلية و الإدارية للإقليم منذ بداية النزاع , هذا فضلا على أن تقرير المصير الحر و النزيه للصحراويين سواءا عن طريق الاستفتاء آو آية آلية أممية أخرى لا يمكن أن تفضي فقط الى الاستقلال التام عن المغرب بل ان الواقع اليوم يبين بالملموس انه سيفضي حتما الى اختيار الصحراويين للعيش و البقاء تحت السيادة المغربية وفي أي إطار قانوني وهو بالفعل ماتعكسه نسبة المشاركة السياسية في الانتخابات بالأقاليم الصحراوية كما آن غالبية الصحراويين تعيش داخل الأقاليم الصحراوية و منخرطة في الحياة العامة المغربية و المؤسسات كما ان غالبية الساكنة الصحراوية تشكلها اساسا اجيال مابعد 1975 و التي عاشت تحت السيادة المغربية .أما الصحراويين بمخيمات تندوف فلا يشكلون سوى أقلية , لا تمثل كل الصحراويين . لهذا فان موقف الأمين العام اثر زيارته لمنطقة بئر الحلو يشكل انقلابا صريحا و خطيرا على ميثاق الأممالمتحدة وعلى الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي بشكل سافر وانحياز واضح لأطروحة الجزائر كطرف رئيسي في هذا النزاع الدولي و هو ما يشير أيضا بطريقة غير مباشرة إلى رغبة الأممالمتحدة في المثول لمطلب جبهة البوليساريو و الرامي إلى نقل إطار النزاع من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة . هذا المنعطف هو ما يضع مصداقية الأممالمتحدة وحيادها على المحك في تسوية النزاعات الإقليمية وإحلال السلم والأمن الدوليين خاصة في ظل ظرفية دولية حالية تشهد تنامي مخاطر الإرهاب و التطرف و عدم الاستقرار في منطقة الساحل و الصحراء . فالأمين العام للأمم المتحدة وحسب ميثاق الأممالمتحدة وخصوصا المواد 97 و 98 و 99 والمادة 100 تحدد مهام الأمين العام بوضوح، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 100 على أن :” ليس للأمين العام ولا للموظفين التابعين له أن يطلبوا أو أن يتلقوا، في تأدية واجبهم، تعليمات من أية حكومة أو من أية سلطة خارجة عن الهيئة. وعليهم أن يمتنعوا عن القيام بأي عمل قد يسيء إلى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين أمام الهيئة” وهو ما لم يراعيه الأمين العام خلال زيارته و تحركاته ومواقفه المعلنة من الصراع بمنطقة بئر الحلو وهو ما يعتبر انقلابا على الشرعية الدولية و إعلانا لنهاية الوساطة الأممية و اختيار الاصطفاف الى طرف معين من أطراف النزاع . انطلاقا من الإطار القانوني الذي يوجد فيه النزاع بالصحراء الغربية فان تصريحات الأمين العام الأممي تشكل سابقة تضع دور الأممالمتحدة في الوساطة حول نزاع الصحراء الغربية في دائرة الفشل وبالتالي تهديدا واضحا للسلم والأمن الدوليين بالمنطقة، تهديدا سيبدأ بالإعلان عن فشل مخطط التسوية الذي ترعاه الأممالمتحدة منذ 1991ووقعت عليه أطراف النزاع، واحتمال فشل مخطط التسوية يبقى قائما إذا ما استمر موظفو الأممالمتحدة في خلط المواقف الشخصية بالأهداف الأممية وفي تبني ازدواجية المعايير في التعامل مع أطراف النزاع وفي تطبيق القانون الإنساني الدولي تجاه الصحراويين بمخيمات تندوف، وكذا إذا ما فشلت منظمة الأممالمتحدة في معالجة الحالة الإنسانية لساكنة مخيمات تندوف عبر الضغط على الجزائر باعتبارها بلد مضيف لتحسين أوضاعهم و إحصائهم ورفع الحجز و المنع عنهم وتمكينهم من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية بكل حرية وتمتيعهم بكل الحقوق المكفولة لهم بموجب القانون الدولي الإنساني و خصوصا اتفاقيات حقوق اللاجئين أن استمرار تآكل مصداقية وحياد الأممالمتحدة في معالجتها للملف وانهيار عنصر الثقة مع المغرب كطرف يملك مقومات الحل السياسي التوافقي و أمام استمرار البوليساريو بالتشبث بالفهم الأحادي الجانب لتقرير المصير ، ستضيع كل فرص الحل الممكنة و المحتملة , وسيدفع المنطقة ككل لمزيد من التهديد و الاضطراب و إجبار جزء من الصحراويين على العيش في وضعيات لا إنسانية و المزيد من المعاناة . رئيس مركز الدراسات و الأبحاث السياسية و والاستراتيجية للشؤون الصحراوية