عندما يتعلق الأمر بضرب أحد مبادئ العقد الذي يربط بين المواطن والوطن ،فإن المسألة لاتصمد أمام المنطق أو التعليل الحقوقي ،كما لامجال للمزايدة والبولميك . وأمام سلوك كهذا لاتهم تقارير المنظمات الدولية ،فمهما حررت من صفحات لانتقاد السلطات المغربية ،فإنها يجب أن تعرف بأن كل المغاربة لايمكن أن يقبلوا بالطعن والجحود ،وإلا سيكون الإجماع الوطني وتضحيات الجنود المغاربة وكل أفراد الشعب مجرد صيحة في واد ،وستصبح آنذاك قضية الصحراء مجرد فذلكة جيو -سياسية ،وليست قضية أمة وشعب .وهشاشة الدولة في هذه الحالة هو عدم التصدي لمن يخرق الإجماع الوطني ويمس بالوحدة الترابية للبلاد. إن العلاقة الانتهازية مع الوطن ، مسألة غير أخلاقية ومردودة وغير مقبولة، ومن يعتبر طعن المغرب من الداخل ،بأنه ضربة ذكية ،فإنه يلعب بالنار ،ومن لايتقن قواعد اللعب ،فإن هذه النار لابد أن تلتهم موقدها ،والمواطنون في الأقاليم الجنوبية ،يجب أن يقتنعوا بانتمائهم للمغرب ،فلا يمكن أن يكون الباطن انفصاليا والظاهر وحدويا . من المؤكد أن الديمقراطية إذا ترجمت على أرض الواقع في شكل برامج ومشاريع تلبي حاجيات وانتظارات المواطنين، فإنها لايمكن سوى أن تساهم في تقوية التماسك الداخلي وتعزيز الاستقرار بمختلف إشكاله. لكن عندما تتحول هذه الديموقراطية إلى مجرد شعارات وخيارات للتبرير، ، فإنها من البديهي أن تخلق مساحات توتر وعناصر انفجار هنا وهناك، فليس في الأقاليم الصحراوية وحدها بل يمكن أن يحدث هذا في الدارالبيضاء ومراكش أو وجدة أو طنجة أو الحسيمة,,الخ ، لأن المشاكل الاجتماعية والمعاناة اليومية والإحساس بالتهميش والحيف هو ما يشكل الدينامو المحرك لمشاعر الغضب، بيد أن المسألة تأخذ طابعا خاصا عندما يتعلق الأمر بالصحراء، وذلك بحكم طبيعة البنية الاجتماعية ووجود امتدادات لأكثر من أسرة في جبهة البوليساريو، وإحساس فئات عريضة من القاعدة الشعبية الصحراوية، بأنها مهمشة ومورس في حقها غبن وضيم، وفي المقابل رعت الدولة المغربية كمشة من المحظوظين والأعيان وأغدقت عليهم الثروات، ومنحتهم امتيازات خيالية حتى ولو أنهم لا يملكون التمثيلية الاجتماعية، والشرعية النضالية، والرؤية السياسية، وهنا لابد أن تفكر الدولة المغربية بأجهزتها وراسمي إستراتيجيتها السياسية والاقتصادية والأمنية في تغيير المعادلة،والمراهنة على مقاربة مغايرة ديمقراطية وتشاركية ومندمجة. والأكيد أيضا أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن توظف كمبرر للمطالبة بالانفصال، والتجرؤ على طعن الوحدة الترابية و إحراق العلم الوطني، لكنها يمكن أن تستغل كيافطة لتمرير مواقف متطرفة، وخلق حالة من التعاطف والتضامن حتى ولو كان ذلك في سياق خاطئ وتضليلي، كما أن التعامل الانتهازي مع حقوق الإنسان هو الذي يؤدي إلى نوع من المساومة والتسويف، فيفتح وقتئذ باب الخلط بين الحرية والتسيب على مصراعيه، ولا يعود من الممكن التمييز بين الممارسة المسؤولة، وتلك التي تنجرف بسرعة إلى خندق المزايدات وافتعال الأعذار قصد شرعنة مطلب استفزازي أو تسويغ وجود تيار انفصالي ينبع من الداخل المغربي. اللافت للنظر هو أن تدبير ملف الصحراء ظل سجين السرية والكتمان، وكأنه امتياز استثنائي، وليس شأنا وطنيا يحتم إشراك الجميع واطلاع الرأي العام على تطوراته ومستجداته، كلما دعت الضرورة إلى ذلك لقد حان الوقت لتحويل قضية الصحراء إلى قضية مجتمعية، وتحريرها من الخوارق وميتافيزيقا الطابوهات، ولا يجب أن تبقى طلسما في عيون الشعب المغربي، من طنجة إلى الكويرة، لأنه كلما انخرط هذا الشعب في التزام وطني بقضية الصحراء ،إلا ووفر لها الحصانة والمناعة وصد عنها الأطماع وجشع المتاجرين والمقامرين بالثوابت و المبادئ. وحتى لا تتطور الأمور، وتسير نحو الأسوأ، يجب الانكباب على فهم ما جرى ويجري والتفكير في مسالك جديدة، بما في ذلك التعجيل بإخراج مشروع جهوية موسعة وديمقراطية ومتطورة إلى حيز الوجود.