أكد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن مراجعة المنظومة الجنائية، من خلال مشروعي القانون الجنائي ومسودة قانون المسطرة الجنائية، لن تبلغ مداها إلا إذا واكبها تجديد تشريعي للنصوص المنظمة للمؤسسات السجنية. وأوضح الرميد، خلال ندوة دولية حول “المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وتطبيقاتها في المؤسسات السجنية”، أن الأمر يتعلق بثلاثة اعتبارات أساسية أولها استحضار المكانة الدستورية لحقوق السجناء، وثانيها مراجعة قانون السجون في ضوء الالتزمات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان. وأضاف، خلال هذه الندوة التي نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن الاعتبار الثالث يعود إلى طبيعة النصوص المنظمة للسجون في التجارب المقارنة، والتي تميل إلى الحركية والتجديد أكثر من السكون والثبات. وشدد على أن حفظ الكرامة البشرية لنزلاء المؤسسات السجنية يقتضي الأخذ بأسباب أنسنة مراكز الاعتقال، من خلال تحسين شروط عيش النزلاء، لا سيما ما يتعلق بتخفيض معدلات الاكتظاظ وتعزيز أدوار الرقابة القضائية والإدارية وإقرار ضمانات حماية الأمن الشخصي للمحرومين من الحرية، وذلك من منطلق أن “العقوبة هي الحرمان من الحرية وليست تجريد الأفراد من حقوقهم الأساسية وتهديد سلامتهم البدنية والنفسية والعقلية”. واعتبر أن النظر إلى السجون كفضاءات مخصصة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية وحصر وظيفتها في الجوانب الأمنية وفرض الانضباط السجني، قد يبعد هذه المؤسسات عن أدوارها الاجتماعية والتربوية. وأبرز أن المغرب عمل على تعزيز أدوار الرقابة القضائية والإدارية على المؤسسات السجنية في بعديها الوقائي والحمائي، مشيرا إلى أنه “بالرغم من الإكراهات المسجلة، ظلت أبواب هذه المؤسسات مفتوحة أمام زيارات مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، كالمقرر الخاص المعني بالتعذيب واللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب، كما أذنت المملكة لهذه اللجنة بنشر تقرير الزيارة واعتباره وثيقة عامة، وذلك في وقت ظلت العديد من الدول متحفظة ومترددة في رفع الطابع السري لهذه التقارير”. من جانبه، أكد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، أن المندوبية العامة، تلتزم بتنزيل التدابير الإجرائية لتنفيذ خطة العمل الوطنية في مجال حقوق الإنسان، من خلال تعزيز برامج التدريب والتكوين والتوعية بقيم الإنسان وآليات حمايتها والنهوض بها، ومواكبة القانون المنظم للمؤسسات السجنية للدينامية التي يشهدها تطور تدبير اعتقال المواطنين النزلاء، بما يضمن أنسنة ظروف اعتقالهم وتحسين ظروف إقامتهم وحماية باقي حقوقهم. وأبرز، في كلمة تليت نيابة عنه، أن حرص المندوبية العامة على حماية النزلاء أثناء فترة الاعتقال من كل تجاوزات وانتهاكات حقوقية، جعلها تتخذ من محور مناهضة التعذيب وكل أشكال المعاملات غير الإنسانية أولوية في مجال تكوين العنصر البشري، حيث يتلقى الموظفون تكوينا في المجال الحقوقي يتمحور حول التعريف بالمعايير الدولية لمعاملة السجناء ومناهضة التعذيب، وطرق وآليات الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة والممارسات السيئة. وبهدف تكريس قيم التسامح والتضامن والمساواة في صفوف السجناء، يضيف السيد التامك، عملت المندوبية العامة بتنسيق مع شركائها على تأسيس أندية حقوق الإنسان والمواطنة ب66 مؤسسة سجنية، في أفق تعميم هذه الأندية على جميع المؤسسات السجنية. وأشار إلى أن المندوبية العامة في تنسيق متواصل مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية التي تسهر على تتبع وضعية حقوق الإنسان في السجون، إضافة إلى التفاعل الإيجابي مع الملاحظات والتوصيات الواردة في تقارير اللجان الإقليمية، والهيئات القضائية والحكومية وغير الحكومية. وبدوره، أكد رئيس شعبة القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، محمد المحبوبي، أن ضمان إعادة التأهيل وتجاوب النزلاء لن يتم إلا بمراعاة حقوقهم والمحافظة على كرامتهم، أي أن هناك ارتباطا وثيقا في الغاية والأساليب بين الإصلاح والعقاب واحترام حقوق السجين وكرامته. وأضاف أن المغرب، من خلال سياسته في هذا القطاع، حريص على النهوض بالسياسة الجنائية اقتداء بما جاءت به الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، معتبرا أن القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية جاء بمثابة إعلان يكشف اعتماد المؤسسة التشريعية للأفكار والمبادئ الإنسانية العالمية الحديثة في مجال حقوق السجين. وتتمحور أشغال هذه الندوة حول أربع جلسات تناقش “المعاملة الإنسانية للسجناء” و”الاستفادة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية” و”الرقابة على احترام حقوق السجناء” و”الرعاية اللاحقة للسجناء”.