يبدو أن المغرب يعتمد سياسة الاحتواء والاعتماد على الوقت في مسعاه لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين اللتين تسيطر عليهما إسبانيا، إلا أن أصواتا في المغرب خرجت للمطالبة باستعادة المدينتين وتوجيه سؤال لرئيس الحكومة عن أسباب عدم إثارة قضية المدينتين. عاد ملف سبتة ومليلية الخاضعتين لسيطرة إسبانيا إلى الواجهة من جديد عندما انتقدت كتلة حزب الاستقلال المعارض عدم إثارة الحكومة المغربية هذا الملف. وإذ يبدو أن المغرب يراهن على عامل الزمن لتقوية موقعه في المنطقة وحل الملف بشكل سلمي يعتبر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أن إثارة الموضوع من طرف المعارضة في البرلمان مزايدة سياسية. ففي آخر جلسة شهرية لمجلس النواب قال بنكيران ردا على تعقيب كتلة حزب الاستقلال في موضوع “الشراكات مع المؤسسات الدولية” إن إسبانيا شريك أساسي للمغرب، و”نحن بصدد تقوية وضع المغرب دوليا، والكلام عن هذا الملف سيكون في الوقت الذي يمكن أن يأتي بنتيجة، اللهم إلا إذا أراد البعض أن يكتب على جرائده بعض العناوين المثيرة، وهذه ليست شجاعة”. وقال بنكيران “لن أبادر من تلقاء نفسي لأطالب باسترجاع المدينتين إلا إذا تلقيت تعليمات من الملك محمد السادس باعتباره رئيسا للدولة”. خلط الأوراق : وفي تصريح للجزيرة نت قال رئيس جمعية مسلمي سبتة ومليلية محمد حامد علي إن كلام بنكيران حول هذا الموضوع ينافي الروح الوطنية ويحبط تطلعاتنا المستقبلية “ولا يحق لأحد أن يعبث بمثل هذه الأوراق”. غير أن الباحث في العلاقات الدولية أحمد نور الدين قال للجزيرة نت إنه كان من الواضح أن رئيس الحكومة لا يقبل خلط الأوراق لربح معركة ما في البرلمان أو في الانتخابات. وقال نور الدين إنه لا جدال بشأن مغربية سبتة ومليلية أو الصحراء الغربية، لكن تشابك المصالح وعلاقات الجوار، واتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين المغرب وإسبانيا كلها عوامل تؤكد أن الحل سيكون سياسيا وليس عسكريا مثلما كان عليه الأمر بين الصينوبريطانيا في قضية هونغ كونغ. وفيما يرى حامد علي أن إسبانيا تنظر إلى أن وجودها بالمدينتين يكتسي طابعا عقائديا، ويرمي إلى تنفيذ وصية الملكة إيزابيل الكاثوليكية يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط محمد السنوسي إن المدينتين تحتفظان بمكانة مهمة لدى إسبانيا والمغرب على حد سواء، وتحتلان بعدا عميقا في الفكر الإستراتيجي والعسكري الإسباني، وقد أصبح وضعهما يمثل تهديدا محتملا وبرميل بارود على جبهتها الجنوبية. أما بالنسبة للرباط فيرى السنوسي أن المدينتين تمثلان أرضا مغربية ترزح تحت الاحتلال الإسباني ولا بد من تحريرها. حرج وبراغماتية : وفي محاولة لتفسير تحاشي المغرب إثارة ملف المدينتين مع الجارة الإسبانية يقول حامد علي إن ملف الصحراء العالق يضع المغرب في موقف حرج أمام إسبانيا التي تضغط لتحقيق مصالحها، بينما لا يرى الباحث نور الدين أي تحاشٍ للملف “بدليل إدانة المغرب للزيارة الأخيرة التي قام بها الملك خوان كارلوس وزوجته إلى الثغرين المحتلين في إطار ما سمي الاحتفال بمرور خمسة قرون على التواجد الإسباني فيهما”. ويصف نور الدين تعامل المغرب مع ملف المدينتين ب”البراغماتي” القائم على عنصرين اثنين، هما العمل على استرجاع المدينتين في إطار سلمي بين دولتين متحضرتين كما حدث في هونغ كونغ بين الصينوبريطانيا، وكما حدث في مكاو بين الصين والبرتغال، وأما الثاني فيتمثل في رهان المغرب من الناحية التكتيكية على ربط استرجاع المدينتين باسترجاع إسبانيا جبل طارق من بريطانيا. وتعليقا على تفاعل المغاربة القاطنين بمدنيتي سبتة ومليلية مع تصريحات رئيس الحكومة المغربية قال حامد علي إن تصريحات السياسيين المغاربة “لا تسمن ولا تغني من جوع، والإسبان أنفسهم واعون أن الأمور لا بد أن ترجع إلى مجراها الطبيعي”، غير أن ما يقض مضجع مغاربة سبتة ومليلية هو “سوء معاملة بعض المسؤولين من السلطات المغربية، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتم الانتباه إليهم والاهتمام بهم”. الجزيرة نت