بمجرّد ما تعلن عن هويتك الصحفية، حتى يتجمعن حولك برغبة نفض قليل ممّا في قلوبهن من محن. نساء مغربيات دفعهن شظف العيش إلى ركوب مغامرة العمل في ضيعات جنوب إسبانيا، في إطار عقد عمل مؤقت لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر. لكنهن لم يصطدمن هذا العام بظروف عمل، الكثير منهن خبرن تضاريس صعوبته ومنعرجات مشقاته، بل بما اعتبرنها شائعات جنسية أساءت لهن كثيرا، وأضحت لعنةً قد تهدّد تلك اليوروهات التي لأجلها، تتقوّس ظهورهن لساعات جنياً للفواكه الحمراء، أهمها الفراولة. منذ سنوات، ركّز كبار الفلاحين في إقليم ويلفا الاسباني على المغربيات لأجل عمل نادراً ما تختاره بنات البلد. كان عام 2018 من الأكبر في استقطاب العاملات إذ وصلت إلى إسبانيا حوالي 11 ألف مغربية. بأجر صافٍ محدد في 37 يورو يومياً لسبع ساعات ونصف من العمل، وبشروط صارمة تجعل اختيار العاملات حكراَ في الغالب على من لهن أبناء، حتى لا يقرّرن الاستمرار سراً في إسبانيا، يرى ملاك الأراضي في المغربيات والمغاربة عموما، يداً عاملةً نشيطة تقبل ظروف عمل لا يقبلها الإسبان، وأكثر من ذلك.. تقبل تعويضاً عن ساعة العمل، يعدّ من بين الأضعف في البلد. يوم اثنين هادئ في بلدة موغر، التي تبعد ب20 كيلمتراً عن ويلفا. وصلنا إليها في آخر أيام شهر رمضان. حركة ضعيفة في الشوارع إلّا من بعض الضجة في أزقة بمركز البلدة. أكثر ما تلتقي به هنا خلال هذه الفترة من العام هو العاملات المغربيات. لا تخطئهن العين، بلباس رث يحمل ألواناً تتعدد من غطاء الرأس إلى أحذيتهن البسيطة، بطرابشيهن الرخيصة التي تقيهن أشعة شمس حارقة في الضيعات، تقف عشرات العاملات أمام وكالة بنكية في البلدة لأجل الحصول على أجورهن. ما هي حقيقة الاعتداءات الجنسية في حقول الفراولة؟ انطلقت الصحافة الاسبانية التي تطرّقت لموضوع الاعتداءات الجنسية من فيديو نشرته إلباييس تحدثت فيه عاملتان مغربيتان، عن محاولة اغتصابهما، ومن تحقيق الشرطة مع مسؤول في المزارع ملاحق بتهم التحرش، فضلاً عن تحقيق نشره موقع correctiv وردت فيه شهادة لعاملة تتحدث عن اغتصابها من لدن مسؤولها المباشر. لكن الجواب الذي توحدت فيه أكثر من 20 امرأة التقت بهن DW أمام الوكالة البنكية، رداً على هذا السؤال، هو النفي القاطع: “هذه إشاعات. الكثير منا متزوجات وهذا الكذب يسبّب ضرراً لعائلاتهن”. كررنا السؤال ذاته عندما زرنا مجموعة من مساكن العاملات المحاذية للضيعات، وكذلك عندما انتقلنا إلى بلدة ألمونتي، وحصلنا على الجواب ذاته، جميع العاملات مقتنعات أن قصص التحرش والابتزاز الجنسي الذي تناقلتها عدد من وسائل الإعلام ليست حقيقية! مترجمة مغربية تعمل في الحقول منذ مدة، أكدت لنا أن الشكاوى وقعت في مسكن معين، وأرشدتنا إلى مكانه، لكن اكتشفنا أن صاحبات الشكاوى رحلن أو رُحلن إلى المغرب! التنقل إلى مساكن العاملات عملية غير بسيطة، فلا وجود لنقل عمومي يوصلك إليها. وحدهم “الخطافة المغاربة” أي ممتهنو النقل السري، من ينقلونك هناك بمقابل. الطرق في اتجاه الضيعات معبدة، لكنها تعاني غياب الإنارة الليلية في جلّها. لمّا تصل إلى المساكن، تكتشف أن جودتها تختلف من مجموعة لأخرى، إذ تضم كل مجموعة عدداً من البيوت الخشبية، بعضها مخصص للعاملات، وبعضها للعمال، وبعض منها مختلطة لكنها تضم أسرا بأكملها. تتعدد الجنسيات هنا، فهناك رومان وأفارقة من جنوب الصحراء، لكن يظهر واضحاً أن المغاربة هم الأكثر حضوراً. كل بيت مكون من ثلاث أو أربع غرف، وفي كل غرفة يبيت ثلاثة أو أربعة أفراد، كما توجد غرف منفصلة حصل عليها بعض الأزواج.