كتبه لموقع Rue20.com،الدكتور : ميلود بلقاضي دخل تشكيل الحكومة نهاية الأسبوع الى النفق المسدود بعد تصريح عزيز اخنوش رئيس التجمع الوطني للاحرار يوم السبت بايفران وبلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ليضيع بذلك كل أمل لتشكيل الحكومة دون الرجوع الى الفصل 42 بعد عجز رئيس الحكومة وباقي الأحزاب إيجاد إطار توافقي فيما بينها لتشكيل حكومة منبثقة من الشرعية التمثيلية. تصريح رئيس التجمع الوطني للاحرار وبلاغ الأمانة العامة للبيجيدي أعاد كل شيئ للدرجة الصفر الأمر الذي زاد من سخط المواطن المغربي على المؤسسات والانتخابات والأحزاب والاقتناع اكثر ان الأمور تسير نحول تفعيل الفصل 42 من الدستور أي التحكيم الملكي لإنفاذ تشكيل الحكومة من العبث الحزبي والمناورات السياسوية الحزبية البئيسة في سياق يعرف فيه المغرب تحديات داخلية وخارجية. سياق تعثر تشكيل الحكومة : لم يفهم العديد من الباحثين والمهتمين الأسباب الحقيقية لتعثر تشكيل الحكومة وتشبث كل حزب بمواقفه، وهل هذا التشبث يجسد قرارات وقناعات حزبية مستقلة ام انه مجرد سيناريو سيئ تلعب فيه بعض الأحزاب أدوارا محددة بالوكالة لقوى أخرى خفية لها حسابات مع رئيس الحكومة المعين ومع حزب العدالة والتنمية . والغريب في الأمر ان يتزامن توقف المفاوضات بين اخنوش وبنكيران تزامنت مع :ا- عودة المغرب للاتحاد الافريقي وما يتطلب ذلك من تشكيل حكومة وبرلمان وأحزاب قوية .ب- أحداث الكركرات والوضع السياسي الغامض بالجزائر.ج- صدور عدد من التقارير الأمريكية والبريطانية والشرق أوسطية سلبية حول الأوضاع العامة بالمغرب منها من ربط تعثر تشكيل الحكومة بالصراع الخفي بين ‘‘القصر والاسلاميين''. وعلى هذه الأسس يمكن وصف سياق تعثر تشكيل الحكومة بالمتأزم وبالخطير على الأوضاع العامة بالبلاد التي لم تعد تستحمل اكثر ان تبق البلاد دون حكومة ودون برلمان. تصريح اخنوش حول تشكيل الحكومة عقد الأمور: ردا على بلاغة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ليوم أول أمس الخميس، والذي حسم دعمه لمقترح رئيس الحكومة المعين في تشكيلها من أحزاب الأغلبية السابقة لم يفهم عدد من المهتمين خرجة اخنوش وأبعاد خطابه الصارم لتشبثه بحزب الاتحاد الاشتراكي وتبريراته غير المقنعة في ربط تشبثه الاتحاد الاشتراكي للمشاركة في حكومة بنكيران بملف الوحدة الترابية عمق السياسة الخارجية التي تعد مجالا محفظا لجلالة الملك .تشبث اخنوش بالاتحاد الاشتراكي عقد الأمور اكثر وجعل المفاوضات تصل الى الدرجة الصفر مما سيجعل مآل تشكيل الحكومة يتجه حول تفعيل الفصل 42 وهذا ما سيقوم به بنكيران بعد عودة جلالة الملك للبلاد لاقتناعه انه لا فائدة من الانتظارية القاتلة لتشكيل الحكومة دون تدخل ملكي. اعلان بنكيران نهاية المشاورات مع اخنوش ومجموعته: لم تتأخر الأمانة العامة للحزب بنكيران للرد -بقوة- على تصريح اخنوش عبر بلاغ مقتضب مفاده انه لا جديد في مسار تشكيل الحكومة تحترم مصداقية الحياة الحزبية السياسية و واحترام المكتسبات والإصلاحات الدستورية والسياسية التي راكمها المغرب , بلاغ اكد من جديد ان رئيس الحكومة المعين من طرف صاحب الجلالة هو المخول وحده تشكيل الأغلبية الحكومية في إطار سقف الأغلبية السابقة وليس السيد اخنوش مما دفع بنكيران إعادة رفضه المطلق والحاسم لتواجد حزب الاتحاد الاشتراكي بالحكومة يوم السبت 11 مارس في لقاء بنواحي اسفي , تشكيل الحكومة بين ايدي جلالة الملك وليس بأيدي بنكيران او اخنوش: ستكون عودة ملك البلاد من افريقيا حاسمة لتحديد مسار تشكيل الحكومة عبر ممارسة جلالته اختصاصاته الدستورية كما ينص عليها الفصل 42 من الدستور : “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية.. .” والأكيد ان جلالته من موقعه في بنية النظام السياسي المغربي سيحسم في تشكيل حكومة بطلب من بنكيران بعد عجزه الى جانب مجموعة اخنوش في تشكيلها لوضع حد لتداعيات هذا التعثر في وقت يعرف فيه المغرب تحديات داخلية وخارجية إستراتيجية خصوصا بعد عودتخ للاتحاد الافريقي, تداعيات بنكيران ومجموعة اخنوش في تشكيل الحكومة: يؤكد فشل الأحزاب السابقة ذكرها في عدم تشكيل الحكومة دون لجوء رئيس الحكومة المعين لجلالة الملك لتشكيلها – بعد تشبث اخنوش دخول الحكومة بمجموعته الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للاحرار ورفض بنكيران للاتحاد الاشتراكي- حقيقة خصوصية بنية النظام السياسي المغربي ومؤسساته الحزبية التي لم تكن في مستوى مطالبها الدستورية اولا ولم يكن زعماؤها في مستوى الحدث ثانيا مما افرز صدمة عند الرأي العام اتجاه سلوك وتطاحن ونرجسية الأحزاب الامر الذي جعله يحمد الله على ان نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. السيناريوهات المتبقية امام بنكيران: بعد تأكيد بنكيران رفضه المطلق لتواجد الاتحاد الاشتراكي في الحكومة يوم السيت 11 مارس في لقاء مع شبيبة حزبه بنواحي اسفي كرد صارم على بلاغات اخنوش والعنصر وساجد ولشكر ،بقي امام بنكيران مساحة ضيقة للمناورات التفاوضية, منها اما تشكيل حكومته وفق بلاغ 5 يناير للامانة العامة لحزبه وتنازل اخنوش عن تشبثه بمشاركة الاتحاد الاشتراكي للحكومة في إطار توافقي شرط إدخاله في السنتين المقبلتين ،او قبول بنكيران مشاركة الاتحاد ولو على حساب حقائب التجمع الوطني للاحرار،واما اللجوء لجلالة للتدخل لايجاد حل لتشكيل الحكومة او اعلان فشله وارجاع المفاتيح لجلالة الملك وتركه اتخاذ القرار المناسب لتشكيل الحكومة. مرحليا لا مفر من تواجد حزب العدالة والتنمية في الحكومة: انطلاقا من نتائج انتخابات 7 اكتوبر ومن شعبية بنكيران يصعب المغامرة بدفع حزب العدالة والتنمية للمعارضة ويصعب –ايضا- تعيين شخص آخر من حزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة بدل بنكيران لان قواعد الحزب لن تقبل غير بنكيران – على الاقل في هاته المرحلة الدقيقة من تاريخ حزب البيجيدي-وعليه فان كل السيناريوهات المقبلة التي تريد استبعاد حزب العدالة والتنمية من المشاركة في الحكومة دون رئاسة بنكيران ستكون له بعض المخاطر وسيعزز ما جاء في التقرير الذي اصدره المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات وهو ان حرمان بنكيران من تشكيل الحكومة سيعزز الشكوك في وجود اتجاه داخل دوائر صنع القرار يسعى لحرمان حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة ثالثة، واصفا البلوكاج الحكومي بالمحاولة على الانقلاب على الشرعية الانتخابية. سيناريوهات الخروج من أزمة تشكيل الحكومة: تشبث بنكيران واخنوش بمواقفهما بعد اكثر من خمسة اشهر من التعثر لتشكيل الحكومة ادخل المغرب لازمة سياسية فرضت ثلاث سيناريوهات ممكنة لتجاوزها :1-تشكيل الحكومة من الأغلبية السابقة إضافة للاتحاد الدستوري شرط إعطاء بنكيران حيزا زمنيا لادخال الاتحاد الاشتراكي للحكومة وأفضل فرصة هي منتصف 2019 اثناء إعادة انتخاب رئيسا للبرلمان وهنا يمكن ازاحة المالكي الاشتراكي من رئاسة البرلمان وترك المنصب للتجمع الوطني للاحرار ومنح الاتحاديين حقائب وزارية على حساب التجمعيين.2 – اتفاق بين المؤسسة الملكية وبنكيران لتشكيل حكومة موسعة ترضي كل الاطراف تحت تبريرات متعددة نظرا لخصوصية المرحلة التي تمر بها البلاد وتحدياتها الداخلية والخارجية حكومة قوية بشرعيتها الشعبية تتابع الإصلاح في ظل الاستقرار يظهر من خلالها النظام المغربي استثتاء في العالم العربي والافريقي والدولي وسط محيط اقليمي ودولي مضطرب بعد عودة تربع بعض الاحزاب العنصرية على هرم اقدم واكبر الديمقراطيات الغربية .3- تاويل دستوري للفصل 42 عبر مدخلين: ا- المدخل الاول انه في حالة استقالة بنكيران وعدم ايجاد توافق مع المؤسسة الملكية فان التأويل الدستوري سيرجح إعادة الانتخابات التشريعية وهو خيار صعب و مكلف سياسيا وله عدة مخاطر ومن اهمها امكانية عودة قوية لحزب العدالة والتنمية والاستقلال . ب-المدخل الثاني هو تعيين رئيس حكومة من الحزب الثاني أي حزب الأصالة والمعاصرة وهو خيار مستبعد ويتطلب تعديلا دستوريا وسيكون مكلف جدا شعبيا وسياسيا لما له من تداعيات على الاستقرار الاجتماعي والامن السياسي , وفي كل الحالات فان جلالة الملك سيتدخل لتشكيل الحكومة وهو واع بان بنكيران رقم صعب وحزبه عنصر أساسي في معادلة تشكيل الحكومة على الأقل في المرحلة الحالية نتيجة قاعدته الشعبية وقوته التنظيمية وديمقراطيته الداخلية. وكما كتبت في احدى مقالاتي السابقة يمكن وصف بنكيران بالمحاور او المفاوض السهل / الممتنع فرغم ظهوره بالمفاوض السهل الذي يرغب إخراج تشكيل الحكومة من تعثرها الا انه يفاوض في العمق بإستراتيجية رباعية الأسس : اولها: الحذر من مناورات ما يسمى بالدولة العميقة . ثانيها : الوعي بتدخل حزب الأصالة والمعاصرة في عرقلة تشكيل الحكومة. ثالثها: الحذر من تكتل أحزاب التجمع الوطني والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي بكونها لها أجندة ستهدف بنكيران اولا وحزبه ثانيا.رابعها التفاوض على تشكيل الحكومة وعينه على المؤتمر المقبل للحزب وعلى انتخابات 2021 وعلى هذا الأساس فمنهجية بنكيران في التفاوض مع باقي الأحزاب لتشكيل الحكومة ليست بالبريئة او الساذجة بل انها منهجية مدروسة ومخدومة وذكية وإستراتيجية تؤمن لبنكيران تشكيل الحكومة بأقل الأضرار بعد تسرعه في التخلي عن أغلبيته الحكومية السابقة والرهان على أحزاب الكتلة التي لم يبق منها الا الاسم بعد ترك حزب الاستقلال وحيدا في الواجهة واختباء حزب التقدم والاشتراكية وراء بنكيران والاتحاد الاشتراكي وراء اخنوش وتشبت اخنوش بشروطه الظاهرة والخفية التي قد تتجاوز تبريرات تشبثه بحزب الاتحاد الاشتراكي المقبل على عقد مؤتمره المقبل الذي لن يكون كباقي مؤتمراته السابقة. وبصفة عامة ، كل مؤشرات الأزمة السياسية في تشكيل الحكومة اصبحت متوفرة بعد تشبث كل طرف بمواقفه تحت تبريرات واهية تخدم أجندة الحزب اكثر من أجندة الوطن مما سيدفع بنكيران الرئيس المعين بتحكيم ملكي للخروج من الانتظارية القاتلة لتشكيل الحكومة ، تحكيم ملكي لن يخرج عن خصوصية نظام سياسي حيث يسود فيه الملك ويحكم لكن في سياق متغير وهو ما ركز عليه صمويل هنتنغتون، في كتابه الصادر عام 1968 تحت عنوان "النظام السياسي والمجتمعات المتغيرة".