يسيطر القلق على المؤسسة العسكرية الإسبانية تجاه مطالب الأحزاب الانفصالية في عدة مناطق إسبانية، خاصة منطقة كاتالونيا، التي قطع فيها مسار المطالب الانفصالية أشواطا مهمة، من شأنها تشجيع مناطق أخرى بالمطالبة بالانفصال. الذي اتخذته اتجاه القضية الكتالانية والتطورات التي عرفتها بعد نتائج الانتخابات الأخيرة الأحد قبل الماضي، أدخلت الجيش الإسباني في تحد مع الحكومة المركزية، التي ترغب في تدخل عسكري ينهي المطالب الكاتالونية، مخافة السقوط في مستنقع حرب أهلية. المؤسسة العسكرية الإسبانية وخاصة القوات البرية، عبرت أكثر من مرة عن موقفها الراديكالي من مطالب الانفصال، وكذلك الضباط المتقاعدون أو الذين يوجدون في الاحتياط الذين يؤيدون "التدخل العسكري" مثل العقيد "فرانسيسكو ألمان" الذي طالب بالتدخل العسكري في شتنبر الماضي، والمتتبع لما يجري حاليا في الجارة الشمالية للمغرب من تطورات مهمة بسبب انتخابات منطقة كاتالونيا التي تسعى إلى الاستقلال عن مدريد، يتساءل عن مدى ما ستصل إليه هذه التطورات، التي تضع الإسبانيين في اختبار تاريخي صعب بين أزمة مالية تضرب الاقتصاد الإسباني، وأزمات سياسية متتالية، بالكاد ينجح صناع القرار السياسي الإسباني تجاوزها؟ ولا شك أن بروز أصوات داخل الجيش الإسباني، معلنة رفضها للمطالب الكاتالونية، يعني أن المؤسسة العسكرية، غير راضية عن المقاربة التي تنهجها حكومة راخوي في التعامل مع منطقة كاتالونيا، حيث كان الرد سريعا من حكومة مدريد، وذلك باتخاذ قرار إقالة مسؤول عسكري كبير بالجيش الإسباني برتبة جنرال، بسبب إعرابه عن قلقه من تطورات ما يجري في كاتالونيا التي ترغب في الاتفصال، وهي المرة الثانية التي يعرب فيها مسؤول عسكري عن موقفه ضدا على التقاليد العسكرية التي تمنع الإدلاء بتصريحات حول قضايا سياسية، وتوجيه انتقادات إلى رئيس الحكومة الكاتالانية " آرثور ماس"، لكن الحكومة الإسبانية بعثت رسالة واضحة محذرة القادة العسكريين الإسبان بعدم تجاوز اختصاصاتهم وأنها صاحبة القرار في هذا الموضوع ولا داعي لتورط الجيش في السياسة.. وكان الجنرال "أنخيل لويس بونتيخاس دوس" مدير مجلة "الجيش" التابعة لوزارة الدفاع الإسبانية قد انتقد في افتتاحية العدد الأخير من هذه المجلة رئيس حكومة كتالونيا المؤقتة أرثور ماس بسبب مطالبه الانفصالية ومحاولته الإساءة الى الجيش، مما دفع وزير الدفاع "بيدرو مورنيس" إلى إقالة الجنرال. وترى مصادر سياسية إسبانية أن خطورة المقال تكمن في كون هذه "المجلة هي الناطقة باسم القوات البرية، وكتابة افتتاحية يعني أن القوات البرية تتبنى هذا الموقف". وتمت إقالة الجنرال في سرية قبل تسرب الخبر للصحافة. وهي المرة الثانية التي تقرر فيها حكومة مدريد إقالة ضابط سام في الجيش بسبب "الملف الكاتالاني"، إذ كانت حكومة "خوسي لويس رودريغيز زاباتيرو"، ولأول مرة سنة 2006، قد أقالت قائد القوات البرية آنذاك الجنرال "خوسي مينا أغوادو" الذي انتقد بدوره في خطاب أمام حفل عسكري نهج الحكم الجديد لكتالونيا، معتبرا إياه وقتها بأنه يمهد لانفصال كاتالونيا. وبعد ذلك أصدر هذا الجنرال كتابا بعنوان "العسكريون: حدود الصمت" انتقد فيه صمت السياسيين أمام مطالب القوميين الكاتالانيين. إن هذه التطورات داخل إسبانيا، تضع بعض العينات من المجتمع المدني والسياسي الإسباني الداعية إلى ما يسمى ب"تقرير المصير" في الصحراء والتي دافعت عنه بقوة ضد المغرب، أمام واقع جديد يهدد وحدة إسبانيا الترابية نفسها، تفاجأ بمطلب "تقرير المصير" يأتي من عقر دارها، واستفتاء سيفتح الباب خلال الثلاث سنوات المقبلة بعد فوز الأحزاب الانفصالية في الانتخابات الأخيرة، باب جهنم على إسبانيا. ويبقى السؤال المطروح في الموضوع، كيف ستتعامل بعض أطراف المجتمع الإسباني المدني والسياسي المؤيدة لما يسمى ب"تقرير المصير" في الصحراء مع مطالب منطقة كاتالونيا الانفصالية؟ هل سيؤيدالكتالانيين في ذلك أم أنه سيتمسك بمبدأ الوحدة الترابية لإسبانيا..؟