يعرف المغرب منذ مدة ليست بالقصيرة وقوع عدد من الهزات الأرضية المتوالية في مناطق مختلفة من المملكة. وفي هذا الإطار سجلت هزة أرضية زوال أمس الأربعاء بإقليم بولمان، بلغت 6.3 درجات على سلم "ريشتر" المفتوح. وقال بلاغ للمعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، أنه تم رصد مركز الهزة الأرضية على الساعة الثانية و51 دقيقة بجماعة "غيغو". وكان المعهد الوطني للجيوفيزياء قد رصد هزة أرضية بقوة 4.4 على سلم ريشتر المفتوح يوم الاثنين الماضي بإقليمأزيلال بجماعة "تاغفلت"، على الساعة الرابعة وثلاثة وخمسين دقيقة حسب التوقيت الصيفي، حيث عرف الإقليم نفسه هزة أرضية خفيفة بلغت قوتها ثلاث درجات على مقياس ريشتر، في شهر نونبر 2012، بجماعة "واولة". وأفاد المعهد الوطني للجيوفيزياء أيضا أنه تم تسجيل هزة أرضية بقوة 3.5 درجات على سلم ريشتر، صباح يوم الثلاثاء الموالي، بإقليمتازة بجماعة "جبارنة على الساعة الثالثة صباحا و55 دقيقة، حسب التوقيت الصيفي. وعرف الإقليم ذاته أيضا هزة أرضية صيف 2010. وسبق أن أعلن المعهد نفسه عن تسجيل هزة أرضية أخرى بإقليمإفران في شهر أبريل بقوة 4.9 درجات على سلم ريشتر،. أوضح بلاغ للمعهد أن مركز هذه الهزة الأرضية، التي وقعت على الساعة الثامنة و56 دقيقة صباحا، حدد في جماعة "ضاية عوا". ويؤشر توالي الهزات الأرضية بعدد من المدن المغربية بشمال وجنوب وشرق ووسط المملكة ، على فترات زمنية متقاربة حسب عدد من الخبراء في علم الزلازل أن المغرب ليس بمنأى عن النشاط الزلزالي، حيث يقع في نقطة مفصلية تتميز بالتداخلات والتصادمات الناجمة عن تقارب الصفيحتين الافريقية والاورو آسيوية، إذ تعتبر منطقتا الاطلس الكبير والمتوسط والريف من أنشط المناطق زلزاليا في شمال غرب افريقيا. وفي هذا الصدد، أكد عبد الغني قرطيط، أستاذ باحث في الجغرافية الطبيعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، أن " موقع المغرب الجغرافي، ضمن مجال التقاء الوحدات البنيوية الكبرى والصفائح المتحركة، يجعل الخطر المرتبط بالحركات الزلزالية، وما تخلفه على مستوى المنشآت البشرية أمرا واقعا"، مشددا على أن "وقوع الزلزال أمر لا مفر منه"، داعيا إلى "تطوير مفهوم ثقافة الخطر، والتزود بما يمكن أن يقلل من تبعاته". هذا، وقد أصبح توالي وقع الهزات الأرضية الخفيفة بين وقت وآخر من مدينة إلى أخرى ومن منطقة إلى غيرها، يشكل في الوقت الحالي مصدر قلق متنامي لدى ساكنة تلك المدن والمناطق، مخافة وقوع زلزال كبير، كما وقع في مدينتي الحسيمةوأكادير. ورغم التطمينات الصادرة عن الجهات الحكومية، التي أشارت إلى " أن هذا النوع من الحركات التكتونية لا يعطي هزات رئيسية أو كبيرة تتصف بالحدة"، إلا أن تسجيل رصد توالي الهزات منذ سنة 2004، إلى اليوم، وفي أزمنة متقاربة، وتكررها ببعض المناطق كتازة وشفشاون وأزيلالوفاس وغيرها والتي تكون قد تجاوزت العشرين هزة ويزيد، يؤشر إلى احتمال وقوع زلزال قوي قد يضرب إحدى المناطق بالمملكة، خاصة المناطق الجبلية أو الساحلية منها. هذا في وقت اكتفى المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني حتى الآن برصد وتوصيف تلك الهزات دون إعطاء أي إشارة إلى احتمال وقوع مثل هذه الزلازل الكبيرة. ومعلوم أن إقليمالحسيمة قد شهد في 24 فبراير 2004 زلزالا مدمرا بلغت قوته 6.3 درجات على سلم ريشتر وخلف ما يزيد عن 862 قتيلا وجرح نحو 629 آخرين إضافة إلى تشريد أكثر من 51 ألف شخص. وهو الزلزال الذي حدث بعد تردد عدة هزات أرضية على الإقليم الواقع في منطقة الريف الجبلية المصنفة ضمن المناطق التي تعرف نشاطا زلزاليا بسبب تقارب الصفيحتين الإفريقية والأورو آسيوية. وفي هذا الإطار يؤكد الأستاذ الباحث عبد الغني قرطيط أن المغرب يوجد " تحت التأثير الزلزالي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، بالنظر إلى وجود الصفائح الإفريقية والأورو آسيوية من جهة، ومن جهة أخرى الصفيحة الأطلسية الوسطى" . وعلى هذا الأساس، يضيف الباحث، أن" المراكز الزلزالية تتوزع حسب 3 نطاقات كبرى، هي سلسلة جبال الريف وسلسلة جبال الأطلس والساحل الأطلسي". وتجدر الإشارة إلى أن المغرب عرف حركة زلزالية على مدار تاريخه الطويل، فاقت قوتها في بعض الأوقات 6.5 درجات على سلم ريشتر، وكان تأثيرها متباينا حسب المناطق. فهناك مدن ومجالات عرفت تدميرا بالغا، على سبيل المثال مدينة العرائش، التي تعرضت سنة 1276 لتدمير كبير، ومدينة فاس خلال سنوات (1522، و1624، و1755، و1773)، ومدينة مراكش سنة 1719، وطنجة سنة 1773، وغيرها من المدن، حيث كان أخرها زلزال أكادير سنة 1960 وزلزال الحسيمة سنة 2004، هذه الأخيرة التي شهدت زلزالا سابقا كان قويا ضربها سنة 1994. وكان مقياس الزلازل بالمركز الجيوفزيائي قد سجل في الفترة الممتدة بين سنتي 1994و 2004 بهذه المنطقة ( الحسيمة وما جاورها) أكثر من 2200 هزة أرضية خفيفة. وهو ما يعني أن المغرب مرشح لأن يعرف حدوث زلازل قوية، أو حركات أرضية غير متوقعة، مما يفرض على الجهات الحكومية التحلي بالحيطة والحذر، وإعداد كافة الوسائل والإمكانيات وتفعيل الإجراءات والقوانين المتعلقة بالسلامة والوقاية من الزلازل، خاصة قانون البناء المضاد للزلازل، ما دام أن الزلزال يبقى حسب الخبراء"ظاهرة طبيعة ومتوقعة في أي لحظة، ولا يستطيع أحد في أي نقطة كانت أن يتنبأ بالتاريخ الدقيق لوقوعه، لكن ثمة إجراءات يجب القيام بها". ويكفي أن عددا من مناطق البلاد يتم فيها تسجيل عدة هزات أرضية متوالية في السنة مما يفرض على الجهات الحكومية والجهات الوصية الاستعداد لما هو أسوأ. يشار إلى أن المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني وضع في سنة 1988 شبكة رصد للزلازل ذات دقة عالية تساعده لسنوات طويلة على تتبع مستمر للنشاط الزلزالي على مدار 24/24 ساعة. وقد نشرت هذه الشبكة في جزء من شمال المغرب حيث ساهمت في تسجيل تقدم ملحوظ في مجالي التأهيل والحد من المخاطر الزلزالية, وأجريت العديد من الأبحاث والدراسات أواخر سنة 1990 في علم الزلازل وفي السيسمولوجيا وحركية الصفائح وفي التقسيم الزلزالي وأيضا في المخاطر الزلزالية.