لم تكن قليلة تلك المنابر الاعلامية والشخصيات السياسية التي ربطت احداث العنف التي نشبت بجامعة فاس, وأدت إلى مقتل طالب جامعي في المناخ العام السائد بمؤسسات التعليم العالي بمختلف المدن الجامعية . وقد جاء الإعلان عن الإضراب المنتظر أن ينفذ بهذه المؤسسات يومي 23 و 24 من شهر ماي الجاري , للتاكيد على أن ما حدث بفاس, من مواجهات عنيفة داخل الحرم الجامعي , لا يمكن عزله عن مناخ التوتر الحاصل في مؤسسات التعليم الجامعي . وكان البلاغ الصادر عن النقابة الوطنية للتعليم العالي واضحا في هذا الاتجاه , لما اعتبر المواجهات المسلحة بين فصيلين طلابيين دليلا ومؤشرا على جو الاحتقان السائد بالجامعة, ولاسيما مع الزلات الكلامية والعنف اللفظي التي تصدر عن الوزير المكلف, والتي ذهبت الى حد كيل النعوت البذيئة للتنظيم النقابي للاساتذة , وعدم التزام الوزير الداودي بواجب التحفظ وبتحري الدقة . وإذا كان هناك من يحمل حكومة بنكيران المسؤولية المعنوية عن أحداث فاس الأليمة, فإن أصواتا أخرى تتهم وزراء البيجيدي بالاستغلال السياسوي لمقتل الطالب الحسناوي . فإن نقابة التعليم العالي وفعاليات ثقافية أخرى, تعبر عن الرغبة والارادة في المشاركة في أية مبادرة ترمي الى صيانة المجال الجامعي وجعله يحافظ على طابعه الاصلي كفضاء للفكر والحوار ونبذ كل أشكال العنف بما فيها العنف السياسي الذي لم يظهر بين الطلبة الا مع بروز التيارات المسماة ب (الإسلامية) في أواسط الثمانينات. ومهما كان, فعودة ظاهرة العنف تكون لها ابعادا اخرى اكبر واخطر' لما تاتي كافراز لوضعية او ازمة تهدد جيلا كاملا بالاغتيال البطيء لجهده واحلامه وتطلعاته . وهذا هو ما يفهم من شكاوي رجال ونساء التعليم العالى وتذمرهم من ازمة هذا القطاع التي لا تساعد على العمل , ولا على ضمان الاجواء الايجابية في فضاءاته التي تفتقر لشروط استعادة الجامعة المغربية لإشعاعها في مجالات التكوين والبحث العلمي والابتكار . وتجليات الازمة لا تنحصر اليوم في ضعف نسبة التأطير , او في ضعف الحكامة والتدبير العقلاني, لأن الأمر يتعلق بما هو أشمل وأعمق , اي بالسياسة المنتهجة والعاجزة عن الإتيان بحلول ومعالجات سليمة قادرة على توفير العرض التربوي المناسب والجودة المطلوبة . هذه السياسة هي التي تكبل اليوم دور الجامعة , وتحد من تفعيل إمكانيات الاساتذة ومقدراتهم , وتعرقل الابتكار وتقدم البحث العلمي , وهي السياسة التي ترهن مستقبل الطلاب , والتي تؤدي الى انهيار جودة التكوين . بل وكما يسجل بلاغ الاساتذة ذلك فإن التدبير الحالي والنهج المتبع ينطويان على تراجعات وعواقب خطيرة بدات تظهر بالخصوص من خلال : -- المشروع الذي يحضر لفرض الرسوم على تسجيل الطلبة والطالبات , ما يعني عمليا ضرب مجانية التعليم العمومي . -- لجوء الوزارة الى تدابير من قبيل ما سمي ب (الشراكة) التي اعتبرتها النقابة الوطنية للاساتذة كاحد مفاهيم التدبير المفوض في التعليم العالي . -- توجه الوزير الداودي الى محاولة اقبار بعض التخصصات الادبية . إزاء هذا المنحى الذي يزج فيه بالجامعة المغربية , لا يشكل الإضراب المعلن اية مفاجأة , بل هو قرار منطقى ومفهوم بالنظر الى خطورة وعواقب هذا المنحي الذي يجعل الأطر التعليمية والطلبة معا يرون في اللجوء الى الاضراب , لمدة 48 ساعة , والوقفة الاحتجاجية امام الوزارة , وسيلة أخرى لرفع صوتهم وتبليغ رسالتهم واحتجاجهم المشروع على الوضع العام بالجامعة , وظروف العمل بها , وعلى تدابير الوزارة التي تتناسل معها المظاهر السلبية , والسلوكات الدخيلة والمحبطة, داخل الفضاء الجامعي , ومنها ظاهرة العنف بكل أشكاله وتجلياته . هذا القرار يضع الكرة الان في ملعب الحكومة , التي من المفروض فيها ان تستوعب حساسية الموضوع ودقة الموقف , وان تفهم ان سياسة الهروب الى الامام , والتعنت والغرور السياسي , لن تفضي هنا إلا إلى المغامرة او المقامرة بمرفق يتوقف عليه مستقبل البلاد في كل القطاعات الاخرى . وبمعنى آخر فإن الحركة الإضرابية تضع وزارة الداودي امام محك اختبار مدى استعدادها للتراجع عن (سياسة التسويف والمماطلة في الاستجابة لتطلعات وانتظارات الاساتذة الباحثين ) , وتنفيذ ما سبق الاتفاق بشأنه مع المكتب الوطني للنقابة. فهل من وعي لدى الوزارة بحقيقة وخطورة الموقف ؟