بعد مرور أيام معدودة على الهجمات التي كانت باريس مسرحا لها، وراح ضحيتها 130 قتيلا، بدأ يتضح دور المغرب كإحدى الدول الفاعلة أمنيا واستخباراتيا على المستويين الإقليمي والدولي، حيث ظهر التعاون الاستخباراتي بينه وبين بعض الدول الأوروبية خاصة فرنسا التي لم يتردد وزير داخليتها "برنار كازونوف" في أكثر من مناسبة في الإشادة ب " المجهودات التي يبذلها المغرب في مجال محاربة الإرهاب والتي مكنت من تحقيق نتائج هامة على الصعيدين الجهوي والدولي". وكذلك وزير الداخلية الإسباني فيرنانديز دياز، الذي أشاد في تصريح للصحافة على هامش مشاركته ببروكسيل في اجتماع استثنائي لوزراء الداخلية والعدل ببلدان الاتحاد الأوروبي، غداة الاعتداءات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس، ب " التعاون مع المغرب في المجال الأمني متميز ويشكل نموذجا بالنسبة لجميع بلدان الاتحاد". أضف إلى ذلك ما صرح به رئيس الحكومة الهولندي، " مارك روت" حيث أكد على مستوى تعاون بلاده مع المغرب في المجال الأمني، مشيدا بالدور الهام الذي تضطلع به المملكتان المغربية والهولندية في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والذي على ضوئه تم انتخابهما بالإجماع في ماي الماضي للرئاسة المشتركة للمنتدى خلفا لتركيا والولايات المتحدة. وحسب خبراء ومراقبين دوليين يأتي اعتماد فرنسا ودول أوروبية أخرى كبلجيكا على المغرب في المجال الاستخباراتي والأمني لأسباب متعددة منها: وجود قوي للجاليات المغاربية بها كالجالية المغربية، مما فرض على المغرب نهج سياسة أمنية منذ مدة طويلة لمراقبة الناشطين داخل الخلايا والجماعات الإرهابية المقيمة في أوروبا، الشيء الذي مكن من رصد خلية سان دوني بباريس بعد اعتداءات 13 نونبر الجاري، وذلك بسبب معرفة الأجهزة الأمنية المغربية لخريطة المتطرفين الأصوليين من أصول مغاربية داخل فرنسا. اعتبار الإرهاب العدو المشترك بين المغرب والاتحاد الأوروبي والذي يجب القضاء عليه. الخطر القادم من متطرفين ينتمون إلى جاليات مغاربية أو أوروبيين ينحدرون من هذه الدول. واليوم تطلب الحكومة البلجيكية من المغرب تعاونا وثيقا ومتقدما في مجال الاستخبارات والأمن بعد اعتداءات باريس الأخيرة، حسب ما أفاد به بلاغ للداخلية المغربية، وهو الطلب الذي جاء على إثر اتصال هاتفي عبر فيه العاهل البلجيكي الملك فيليب لجلالة الملك محمد السادس عن رغبة بلجيكا في إرساء المغرب تعاونا وثيقا ومتقدما معه في مجال الاستخبارات والأمن، بعد الاعتداءات الأخيرة في باريس وامتداداتها ببلجيكا وبلدان أوروبية أخرى، كما جاء بعد التباحث الذي جرى بين وزير الداخلية محمد حصاد و نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية البلجيكي همت " التفعيل الملموس والفوري لهذا الطلب، على غرار التعاون القائم مع فرنسا"، وكذا بين المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني، والمدير العام للدراسات والمستندات، أيضا، مع نظيريهما البلجيكيين حول نفس الهدف". ويعكس الطلب البلجيكي الانطباع القوي لدى الأوربيين بالمستوى المهني العالي الذي أصبحت تتمتع به الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، والتجربة التي خاضها المغرب منذ 2003 في مكافحة الٍإرهاب عبر إستراتيجية أمنية استباقية مكنت من تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية قاربت ال 200 خلية إرهابية خلال العشر سنوات الأخيرة، وهو الانطباع الذي أضحى قناعة تامة لدى الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأوروبية بأن المغرب شريك استراتيجي برهن عن نجاعة مقاربته الأمنية والاستخباراتية، ونجاحه الكبير في إفشال العشرات من المخططات الإرهابية، بفضل امتلاكه لقاعدة معلومات دقيقة ورصد مضبوط ومتواصل لحركة الخلايا والأفراد الذين يشتغلون داخل الجماعات الإرهابية خاصة تنظيم "داعش" الإرهابي، إضافة إلى تنظيم القاعدة وغيرهما بالمنطقة. ويمكن القول أن ما يجري من تطورات متتالية بشأن مطاردة الإرهابيين واعتقالهم ومراقبتهم داخل فرنساوبلجيكا، يعود الفضل فيه إلى تسريع وتيرة التعاون الأمني والاستخباراتي الأوروبي مع المغرب كحليف استراتيجي وطرف أساسي في محاربة الإرهاب والذي من دون المعلومات التي قدمها ومازال يقدمها للأجهزة الأمنية الفرنسية لما تمت الإطاحة ب"العقل المدبر "، البلجيكي عبد الحميد أباعود، الذي قتل بباريس، وبالتالي كان من الطبيعي أن تحذو بلجيكا حذو فرنسا وإسبانيا وتطلب رسميا مساعدة وثيقة ومتقدمة من المغرب في مجال التعاون الاستخباراتي والأمني.