أقدم أمس الثلاثاء، أحد الأشخاص المسمى (م.ش)، البالغ من العمر 45 سنة، أعزب، على محاولة الانتحار، بعدما رمى بنفسه من الطابق 3 لمنزل العائلة الواقع بحي الزوفري بطنجة، حيث أصيب على إثرها برضوض وكسور خطيرة في أنحاء مختلفة من جسده، ليتم إيداعه قسم العناية المركزة لمصلحة الانعاش بالمركز الاستشفائي محمد الخامس، الذي نقل إليه في حالة غيبوبة تامة، حيث تزامنت حادثة الانتحار هاته مع إحياء اليوم الوطني لمحاربة الانتحار الذي يصادف 5 فبراير من كل سنة. وشهدت طنجة خلال الاسبوعين الأخيرين، ثلاث حالات انتحار متتالية غامضة راح ضحيتها شابين وامرأة مسنة، بكل من حي امغوغة، بئر الشعيري، وبنديبان. واستنادا الى إحصائيات وزارة الصحة لعام 2007، حول الأمراض النفسية بالمجتمع المغربي، فإن 16٪ من المغاربة فكروا في الانتحار نتيجة المعاناة النفسية وما يصاحبها من مآسي اجتماعية، إذ أنه وحسب الدراسة التي أنجزها قسم الطب النفسي بمستشفى ابن رشد، فإن أهم أسباب الانتحار تعود بالأساس إلى العزلة التي تؤدي إلى الاكتئاب ورفض الحياة، الفقر، وحالات العنف في الوسط الأسري. وسجل تقرير رسمي، أن سنة 2012، شهدت وقوع 1628 حالة انتحار بالمغرب، 80 ٪ منها سجلت في صفوف الذكور، كما أظهرت نتائج ذات التقرير، أن فئة الشباب من 13 الى 15 سنة هي الأكثر عرضة للانتحار ومحاولة الانتحار. هذا، ولفت آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول ظاهرة الانتحار في المغرب الانتباه إلى الاتجاه السائد في معدلات الظاهرة في المغرب، الذي سجل أعلى معدلات الانتحار في العالم العربي. فخلال المدة الفاصلة بين 2000 و2012، ازداد عدد حالات الانتحار في المغرب بنسبة 97٪، وارتفع من 2،7 الى 5،3 لكل 100،000 من المغاربة. ويبرز هذا التقرير، أن 800 مغربيا يقدمون على الانتحار سنويا، أي ما يعادل نسبة 5 إلى 10 لكل 100،000 من المغاربة، وهي نسبة كبيرة تتطلب اهتماما عاجلا ورصدا دؤوبا من قبل السلطات الصحية في بلادنا. وقال التقرير، إن معدل الانتحار في المغرب أعلى أيضا من أرقام منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) التي تسجل عموما معطيات أقل من 5 لكل 100 ألف. وسجل أدنى معدل للانتحار في المملكة العربية السعودية (0.4) ، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 11.4 لكل 100.000. وفيما يتعلق بالأساليب الأكثر شيوعا للانتحار في المغرب، يظهر هذا التقرير أن بلادنا في المراتب الأولى ضمن البلدان التي يتم فيها الانتحار عن طريق تجرع المبيدات التي على السلطات وضع الكثير من القيود للحصول عليها في أفق الحد من هذا العدد المفجع. جعل الباحثون السوسيولوجيون المختصون، في مقدمة أسباب الانتحار، التفكك الأسري، والبطالة والفقر، والأمراض النفسية، والإدمان على المخدرات، مؤكدين على أن المقاربة السوسيولوجية للظاهرة تبقى ضرورية، باعتبار أن مختلف الاضطرابات النفسية سببها اجتماعي، ومن بينها عدم تمكّن نسق الشخصية من تلبية الحاجيات الأساسية التي تضمن للمرء الاستقرار والتوازن، أو وقوع خلل على مستوى النسق الثقافي أو الاجتماعي. وأشار الباحث السوسيولوجي “أبلال” إلى أن الانتحار محرم في الإسلام، ومنبوذ في المجتمع، لكن حين يصل الخلل الوظيفي في أداء مختلف الأنساق إلى مستوى حرج، يصل نسق الفعل إلى رفض المجتمع، ومن ثم إلى رفض ثقافته ومعاييره، أو الشعور، في حالة تفكك الأسرة، بغياب الدفء الأسري والمساندة الوجدانية والحاجيات المعنوية والرمزية التي تجعل الفرد يتمسك بوجوده الذاتي، مؤكّدا أن كل خلل في الأداء النسقي للشخصية يصيب الفرد باضطرابات نفسية وعصبية، قد تجعل مسألة الانتحار لديه جد بسيطة. وتؤكّد الأرقام والدراسات، بحسب أبلال، على ارتفاع حالات الانتحار ومحاولات الإقدام عليه في صفوف المراهقين من الجنسين، وبشكل أكبر في صفوف الذكور، كما تقل النسب في صفوف المتزوجين في مقابل ارتفاعها عند العزّاب. وبالعودة إلى المراهقين، فالأمر يمكن شرحه بكون أن هذه المرحلة جد حساسة ضمن مراحل نمو الفرد الثقافي والاجتماعي والبيولوجي، وهي مرحلة تعرف بطور بناء الشخصية.