الأزمة الأخيرة بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط، قد تبدو في الوهلة الأولى متعلقة باختلاف حول الأرقام والتقديرات المستقبلية للاقتصاد الوطني. وأما اتهام أعضاء في الحكومة لأحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، هو اتهام يحاول من خلاله رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران السيطرة على مفاصل هذه المندوبية. فقد ظل حزب العدالة والتنمية برئاسة بنكيران منذ استلامه للسلطة 2012 يحاول أن يخضع هذه المندوبية تحت سلطته، وحذف صفة المندوبية السامية من على يافطتها وجعلها مديرية تابعة لإحدى الوزارتين إما وزارة الحكامة والشؤون العامة أو وزارة المالية والاقتصاد، ووضع (قضية) المندوبية في عدة نقط جدول أعمال المجلس الحكومي، وتمت مناقشة القانون المتعلق بها من أجل المصادقة عليه، غير أن بنكيران اصطدم بواقع آخر بعدما وجد أن اسم المندوبية غير موجود قانونيا أي أنه اسم غير قانوني وليس لها قانون تأسيسي منظم. وقد تم استنباتها في دهاليز مكاتب رئاسة الحكومة مباشرة بعد أن كانت حقيبة وزارية تحمل اسم وزارة التخطيط والتوقعات الاقتصادية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي. أول تصدع لافت في قضية المندوبية السامية للتخطيط، ومحاولة رئيس الحكومة إخضاعها بعد طرح قانونها للنقاش، كان انشقاق بعض الموظفين بهذه المندوبية وانضمامهم إلى صفوف عدة نقابات منها معارضة للحكومة كالإتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومنها (الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب) الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية بعد دخولهم في صراع كبير حول المواقع ومساعي تحويل المندوبية إلى مديرية تابعة لإحدى الوزارتين المذكورتين. بيد أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وأمام هذا الفراغ القانوني الذي وجده بالمندوبية والذي كان بموجبه أن يحلها ويحولها إلى مديرية، سقط في فخ آخر وأبان عن عقم سياسي كبير، بعد أن رجع وسن قانونا من أجل إحداثها، ومنح بذلك لأحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط طبقا من ذهب، وأعاده بقوة القانون على رأس هذه الإدارة وشرعن المندوبية، بعدما كان قد حمل أمتعته وكتبه من مكتبه. العلاقات بين عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة وأحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط، ليست على ما يرام منذ أن كشف هذا الأخير عن أرقاما ماكرو اقتصاد لا تلائم وتطلعات حكومة بنكيران، رفعت مستوى التوتر بين الحكومة والمندوبية وتفاقمت الأزمة، واندلعت حرب إعلامية غير مسبوقة. رغم أن المندوبية السامية تابعة لرئيس الحكومة ولديها مكاتب في مقر رئاسة الحكومة، غير أنها تضرب مخططات وبرامج بنكيران في الصميم، مما يدل على أن وزن المندوبية ثقيل. إلى ذلك، يلاحظ بوضوح في مجمل الاتهامات والإنتقادات التي يوجهها كل طرف ضد آخر، يمكن أن نلخص ذلك في أولا : أن حكومة بنكيران انحرفت في الآونة الأخيرة عن مسار الإصلاح وتعزيز الديمقراطية ولم تنجح في تنزيل الدستور، واتجهت نحو التصعيد مع الشارع وتراجعت وعودها للشعب المغربي. ثانيا : خلق المشاكل مع المطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية كالمعطلين والأساتذة المقصيين من الترقية، مما ولد اصطدام مباشر معهم. ثالثا أن هدف بنكيران ( قتل) المندوبيات السامية من أجل الاستئثار بالقرار السياسي والأرقام المالية والاقتصادية، بدليل أن بنكيران يعد من أشرس المنادين بأن يصبح بنك المغرب تابعا لوزارة المالية.