مع حلول الشهر الجاري، تكون قد مرت أربعة أعوام على إقرار الدستور الحالي الذي صوت عليه المغاربة يوم الفاتح من يوليوز 2011. وما من شك في كون إقرار هذا الدستور قد شكل، وبكل المقاييس، حدثا كبيرا ومنعطفا حاسما في المسار السياسي للمغرب المعاصر .. منعطفا جعله أكثر انفتاحا واستعدادا لتبوإ مكانته في قطار الأمم المتقدمة والمنخرطة في حياة عصرها. ولذلك، فإن محطة إقرار دستور التحول الديمقراطي الكبير جديرة بأن تعتبر من المحطات الوطنية التي يتم استحضارها بكل فخر واعتزاز. فقد شكلت هذه المحطة حدثا مفصليا سواء من الناحية الدستورية ، بمضمونه وطريقة وضعه، أو من الناحية السياسية ومناخها الاقتصادي والاجتماعي ، وسياقها المحلي والجهوي. فمن الناحية السياسية ، ومع استحضار أجواء مع سمي ب (الربيع العربي)، يبقى أن التحول الذي دخله المغرب مع الإصلاحات الدستورية ، قد تأتى في أساسه بناء على تجربة المغرب الخاصة ، ونتاج تراكماتها المتعددة (الروافد ) والمساهمات ، مما جعل هذه الإصلاحات بمثابة امتداد طبيعي للمكتسبات الديمقراطية ، والانفتاح السياسي والتعددية التنظيمية ، التي تميزت بها التجربة المغربية في مختلف الحقب والظروف. وإلى جانب هذا المعطى ، وكما يدرك الجميع ، فقد جاء هذا الدستور بمبادرة وإرادة ملكية قوية جسدها خطاب التاسع من مارس 2011 الذي أعلن فيه جلالته عن مراجعة دستورية جوهرية وشاملة ترتكز بالخصوص على : ترسيخ قاعدة فصل السلط وتعزيز ديمقراطية المؤسسات ، توسيع اختصاصات السلطة التشريعية المخولة للبرلمان ، انبثاق الحكومة عن صناديق الاقتراع ، الارتقاء بمكانة القضاء إلى سلطة مستقلة ، تقوية دولة الحق والمؤسسات وتوسيع الحريات الفردية والجماعية ، تقوية دور الأحزاب السياسية وإقرار مكانة المعارضة ، تخليق الحياة العامة ودسترة مؤسسات الحكامة وحقوق الإنسان ... ومن جهتها، تميزت منهجية وضع أو صياغة الوثيقة الدستورية بكونها كانت منهجية تشاركية مكنت الكل من الإدلاء بآرائهم ، ومن التعبير الحر عن الاقتراحات والقناعات ، مما جعل النقاش الوطني الواسع يفضي إلى تبني كل القوى الحية والفعاليات المشاركة لمشروع دستور متقدم . وكان التصويت على الدستور بمثابة محطة عبور نحو الانخراط في جيل جديد من الإصلاحات ومن الرهانات الكبرى التي يتوقف تجسيدها على تنزيل مقتضيات الدستور الجديد ، وعلى تحديث مؤسسات الدولة والارتقاء بتدبير الشأن العام ، وتوسيع الحريات واحترام كرامة وحقوق الإنسان ، وتسريع وتيرة بلورة انتظارات وتطلعات المواطنين. ولعل السؤال التلقائي الذي يطرح اليوم، وبعد أربع سنوات على إقرار الدستور، هو حول ما إن كانت الأمور سارت في الاتجاه السليم وكما ينبغي أن تسير، وهل كان تدبير الشأن العام وحصيلته في مستوى روح الدستور وافقه الطموح ؟ وهل دارت عجلة تنزيله وتفعيله بالوتيرة المطلوبة ؟ وهل تم الحرص على الأجواء المساعدة على تطوير العملية السياسية ؟ .. . والذي يطرح هذا السؤال اليوم ، وعلى مقربة من نهاية الولاية الحكومية ، لا يملك إلا أن يلاحظ بأنه لا يكفي التوفر على نص دستوري جيد ، مهما كانت ايجابياته ونقاط قوته . لأن تحويل إيجابيات الوثيقة الدستورية إلى واقع لابد له من سياسة تدبير متناسقة ، بمرحليتها واستراتيجيتها ، ومنسجمة ومتجاوبة مع مهام المرحلة ومع محددات التوجه ، بنجاح ، نحو المستقبل. على أن الأمور الإجرائية أو التدبيرية ، التي تثار معها الأسئلة السابقة وغيرها ، لا يمكن بأي حال أن تقلل من طبيعة دستور 2011 وأهميته بالنسبة لمسار البلاد وتثبيت خطواتها على طريق التقدم والسير نحو ولوج نادي الديمقراطيات الناضجة. وعلى هذا الطريق يبقى من الملح ، الآن، العمل على مواجهة حقيقة الخصاص الحاصل والتأخر المسجل في مجالات وقطاعات حيوية ، ومنها بالخصوص المتصلة بما هو اقتصادي واجتماعي ، والتفاعل الإيجابي مع الانتقادات والنداءات الصادرة عن أكثر من جهة. وأن هناك من ( ترمومتر) لقياس مدى الاقتناع بالقيمة الديمقراطية لهذا الدستور ، ومدى احترام إرادة المغاربة وإقرارهم له ، فهو، أولا، الالتزام بمضمونه نصا وروحا والحرص على أن تنسجم معه كل التشريعات والقوانين المكملة للوثيقة الدستورية . وثانيا البقاء على نفس المنهجية التشاركية التي اتبعت عند إعداد الدستور والتي كانت بمثابتة الحصانة الواقية من المنزلقات وميثاق الضمير السياسي للتميز المغربي.