أبدت أحزاب المعارضة تحفظها بشأن مواعيد إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية في يوم واحد، خلال الاجتماع الذي جمعها بكل من وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، ويأتي هذا التحفظ من كون العملية برمتها تحتاج قبل كل شيء إلى " توفير الشروط الأساسية لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة"، في الوقت الذي يبقى التساؤل مطروحا بقوة حول مدى قدرة الحكومة على الالتزام بالمواعيد التي أعلنت عنها منذ سنة، على لسان رئيسها بمجلس النواب. إن مسألة التحفظ تظل مشروعة بالنظر إلى كون الحكومة قد حسمت بمفردها، ودون اعتماد المقاربة التشاورية والتشاركية مع الأحزاب السياسية سواء تلك الممثلة في البرلمان خصوصا المعارضة، وأيضا الأحزاب غير الممثلة، لتوفير قدر كبير من التراضي والتوافق حول القوانين التنظيمية المرتبطة بعملية الانتخابات المقبلة، إذ أن الكشف عنها من قبل الحكومة لن يكون ذا جدوى، وهي التي عمدت منذ البداية إلى نهج منطق التحكم والهيمنة والانفراد بالقرار، وتهميش الأحزاب السياسية، وتحويل أي اجتماع معها إلى عملية إخبار لا غير عما تنوي القيام به. فالتحفظ كانت له مبرراته ودواعيه، وهو ناتج عن قناعة تامة لدى أحزاب المعارضة قبل غيرها من أن الحكومة لم تكن لديها منذ البداية أية إرادة حقيقية في إشراك القوى السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية، وبالتحديد تلك الممثلة في البرلمان، وبالتالي تنزيل وتفعيل كل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية، في وقت تبدو الحاجة ماسة إلى تحقيق قدر كبير من التوافق والتراضي ولم لا الإجماع، حول قوانين كبرى من شأنها رسم معالم المستقبل الديمقراطي والسياسي لبلادنا، خاصة على مستوى تطوير تجربتنا الديمقراطية المحلية والجهوية، في ضوء ما خلص إليه تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة. إن حرص الحكومة على عقد لقاءات مع الأحزاب السياسية وخصوصا أحزاب المعارضة، في هذه الظرفية بالذات يظل محكوما بأجندة وأهداف نحن على يقين أنها لا تصب في اتجاه التنزيل السليم والديمقراطي لمقتضيات الدستور، ولا في اتجاه التفاعل والتجاوب مع مقترحات المعارضة وتصوراتها فيما يتعلق بما يجب أن تتضمنه القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات المقبلة، من بنود ومواد وأفكار جديدة من شأنها أن تدفع بالعملية الديمقراطية في بلادنا في شموليتها، إلى الأمام خاصة وأننا كمجتمع سياسي نراهن بشكل كبير على جعل الانتخابات الجماعية والجهوية قاعدة أساسية لإعادة بناء ممارستنا السياسية والحزبية وتأهيل تجربتنا الديمقراطية، ومنطلقا لهيكلة حقيقية لمؤسسات الدولة مبنية على النزاهة والشفافية والمصداقية والروح الديمقراطية وخدمة الصالح العام، وتكريس قيم الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فلو كانت الحكومة تملك إرادة صادقة في التوصل إلى تفاهمات وتوافقات مع الأحزاب السياسية وغيرها من القوى المعنية بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لبادرت قبل كل شيء إلى التعامل الإيجابي والتفاعل الحقيقي مع مذكرات ومقترحات أحزاب المعارضة، حينما كانت هذه النصوص التشريعية معروضة سلفا على أنظارها ك "مسودات مقترحات قوانين". فما الجدوى إذن من عقد لقاءات تعلم الحكومة سلفا أنها لن تؤدي إلا إلى تكريس ما تريد أن تكرسه من قوانين يعلم العارفون بما يجري ويدور في كواليسها، أنها لم تحظ بالتوافق ولا التراضي مع المعارضة وبقية القوى السياسية الأخرى، وبالتالي فهي تعيد نفس المقاربات والآليات التي كنا نعتقد أنه تم القطع معها بعد دستور 2011. إن المعارضة لا تملك اليوم سوى أن تعبر بكل قوة وصراحة ووضوح ومن منطلق الإيمان التام بالقيم الديمقراطية الحقة، عن أسفها و تحفظها إزاء ما قامت به الحكومة من خرق وانحراف عن مقتضيات الدستور، وتهميش وإقصاء متعمد للمعارضة في كل المراحل و المحطات التي عرفها الإعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة، وعدم الأخذ بعين الاعتبار ما جاء من تصورات ومقترحات وبدائل في مذكراتها الحزبية، متعلقة بهذه الاستحقاقات، وهو ما أفرغ كل البلاغات الصادرة عن اللجنة المركزية للانتخابات من مضمونها الحقيقي بشأن " إشراك أحزاب المعارضة في مختلف مراحل العمليات الانتخابية واستطلاع آرائها واقتراحاتها في شأن الإجراءات المزمع اتخاذها "، وهو ما حولها إلى مجرد أداة لامتصاص غضب وامتعاض المعارضة من سلوكيات الحكومة وممارستها وعدم تخلقها بفضائل المقاربة التشاركية، وعدم التزامها بروح الدستور ومقتضياته المنصوص عليها في هذا الشأن.