لم يكن من العبث أن تخرج فرق المعارضة بمجلس النواب عن صبرها، وتتوجه بأسئلة حارقة إلى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، بشأن الزيادات المهولة التي طالت فواتير استهلاك الماء والكهرباء، خاصة وأن الفئات الاجتماعية الضعيفة والفقيرة هي من تتحمل هذه الارتفاعات غير المبررة، والتي ألهبت جيوبهم الفارغة، وحولت حياتهم إلى جحيم أكثر، خاصة مع الزيادات التي عرفتها المواد الأساسية بما فيها المحروقات، تحت ذريعة إعادة التوازن للميزانية العامة، كخيار وحيد لمواجهة الأوضاع المتأزمة !! أسئلة تنبع من الواقع المرير الذي يعانيه المواطنون نتيجة سياسات لاإجتماعية تستهدف قدرتهم الشرائية، وتعكس شعور الإحباط العام لديهم وخيبة الأمل بعد ثلاث سنوات من الانتظار إذ لم تفض تلك السياسة إلى أي مخرج حقيقي لحالة العجز التام الذي ضرب مفاصل تدبير الحكومة للملفات الاقتصادية والاجتماعية، والذي دفعها إلى البحث عن الحلول السهلة كالزيادة في الأسعار والإمعان في التضريب، واللجوء إلى الاقتراض من الخارج. إن خيار الزيادات الذي انتهجته الحكومة لمواجهة حالة العجز المالي والموازناتي لخزينة الدولة، على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل جمود الأجور والرواتب وهبوط قيمة العملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية، وتقليص ميزانية الاستثمار العمومي والنفقات الاجتماعية، وتجميد عدد من المشاريع ، يؤكد إلى حد كبير افتقارها لأي رؤية أو مقاربة واضحة في التعاطي مع معضلة عجز الخزينة العامة، ولا تملك الإرادة الحقيقية لوضع قانون مالي قادر على استيعاب حاجة بلادنا إلى النمو والتنمية المستدامة وتحسين أوضاع مقاولاتنا العمومية والخاصة، وتوفير شروط العيش الكريم للمواطنين، وحماية الطبقة المتوسطة من الانهيار. فأحزاب المعارضة وانطلاقا من مسؤولياتها الدستورية والتزاماتها الوطنية، تدق اليوم ناقوس الخطر من جديد،وتواجه الحكومة مرة أخرى بالأدلة الدامغة والوثائق والوقائع، محذرة من مغبة السير في النهج النيو/ ليبرالي الذي لا هدف له سوى تفقير الفقير وإغناء الغني، وتوسيع الهوة بين فئات المجتمع والإجهاز على ما تبقى من الطبقة المتوسطة، وتكريس واقع الأزمة والدفع نحو مزيد من الاحتقان. فإلى متى تستمر الحكومة في نهج سياسة التغليط والتعنت والتعويم والتحايل والاختباء وراء ذريعة إعادة توازن الميزانية أو الحفاظ المزعوم على "التوازنات الماكرو اقتصادية"، في وقت تبرهن فيه كل الوقائع والمعطيات والتطورات التي يشهدها اقتصادنا الوطني وأوضاعنا الاجتماعية، على مدى ثلاث سنوات أن الحكومة فشلت في الحد من الركود الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي ولم تنجح وصفاتها الانفرادية والارتجالية في تحقيق ما وعدت به من نسب نمو اقتصادي محترمة ومن سلم اجتماعي منشود، وبات الوضع على عكس ما أعلنته يزداد سوءا وتدهورا، حيث تظهر نتائج سياستها الفاشلة، في ما وصلت إليه أوضاع المواطنين من معاناة أمام حرب الزيادات المفتوحة التي نهجتها دون هوادة وبلا تردد، ضاربة عرض الحائط المطالب المشروعة للنقابات وأحزاب المعارضة بضرورة التخلي عن هذا النهج التدميري للقدرة الشرائية للمواطنينالمرتبطة بقدرتهم الاستهلاكية، والذي من شأنه التسبب في كساد صناعاتنا ومنتوجاتنا الوطنية وإفلاس مقاولاتنا المغربية، وإضعاف وتيرة الرواج التجاري والدفع باقتصادنا الوطني نحو مزيد من الركود والانكماش. إن مطلب الفريق الدستوريبضرورة "مراقبة شركات التفويض التي تصدر فواتير تتجاوز بعض الأحيان سومة الكراء، بسبب الأضرار البليغة التي مست جيوب الفئات الهشة، ما هو إلا أقل ما يجب أن تفعله الحكومة، للتكفير عن أخطائها تجاه الفئات الاجتماعية الفقيرة، وإلا فإن استمرارها في هذا الاتجاه معناه إدخال البلاد في نفق مظلم، خصوصا مع المؤشرات الاقتصادية المتمثلة في تراجع المقاولات على مستوى تحمل تكلفة الانتاج والاستثمار والقدرة على المنافسة والتشغيل، في ظل الزيادات الحالية في المحروقات والكهرباء والماء، وكذا السياسات الضريبية الحالية خاصة الضريبة على القيمة المضافة، التي تسببت في خنق النسيج المقاولاتي المغربي، زيادة على الإجراءات اللاشعبية القاضية بتحميل المتقاعدين تكلفة إصلاح نظام التقاعد، بعد أن حملت المواطنين تكلفة تحمل أعباء تصحيح اختلالات الموازنة العامة. إن ما نتمناه هو أن تأخذ الحكومة العبرة من سابقاتها التي ظلت حريصة على عدم التعنت وغلق باب الحوار أو التفاوض مع كافة الفرقاء، إذا ما تعلق الأمر بقضايا وملفات لا تحتمل المناورة ولا المزايدة، لأن النتائج آنذاك قد تكون في النهاية وخيمة، ولا مفر حينها من التصعيد، كما هو جار الآن بالنسبة لما ستقدم عليه المركزيات النقابية يوم 29 من إضراب عام ردا على التعنت الحكومي.